»لبنان«.. يعجز القلم عن الكتابة.. هل وصلنا إلى أن تسكت الكلمة.. ويسقط القلم من يد: الصحفي والكاتب والمفكر والعالم!! لتتكلم البندقية والمدفع والصاروخ.. في عالم يدعي أنه متحضر.. إن الدول الكبرى ـقد تصاغرت ـ ويبدو أنها لا يطربها إلا صوت التفجيرات.. ولا يسعدها إلا النظر إلى أشلاء الأطفال والنساء والرجال.. أين منظمات حقوق الإنسان التي يتكلمون عنها ليلاً ونهاراً!!
إنهم كاذبون.. أين مجلس الأمن والأمم المتحدة.. إنهم مخادعون..»لبنان«.. وقبلها أفغانستان.. العراق.. فلسطين.. وكتبنا في مقال سابق عن التحرش بسوريا.. وإيران.. وذكرنا أنه لكي تكمل »الكعكة«.. مصر والسعودية!! بسم الله الرحمن الرحيم.. (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173).. ينادون في الغرب وإسرائيل بوجوب نزع سلاح المقاومة ـ حزب الله في لبنان ـ لأنه لا يسمح بتواجد »ميليشيات« في دوله.. وهذا صحيح.. ذلك إن كانت هناك دولة مثلاً!!
دولة ذات سيادة.. دولة تحترم أمريكا وإسرائىل سيادتها علي أرضها وشعبها ومقدراتها. إنما عندما تنقص هذه السيادة أو تنعدم، تسقط النظرية كلها.. فالمقاومة في هذه الحالة تقوم بالنيابة عن الدولة بعمل من أعمال السيادة ذلك لاستقبال سيادة دولتها التي نقصت أو انعدمت!! ذلك.. فالمقاومة تحمل السلاح لتسد الثغرات التي تمزقت في الثوب السيادي لدولتها والذي سبق وأن مزقته أفعال القهر والظلم والحصار والاختراق والهيمنة التي سيطرت علي دولنا العربية وأنظمتها منذ أكثر من نصف قرن وحتي الآن.
ليس هناك دولة في لبنان.. وليس هناك دولة في أي من أمتنا العربية والإسلامية.. هناك سلطة فقط.. سلطة لتحقق الأمن.. وسلطة لتحقق الإدارة.. ولكن عندما يؤثر نقص السيادة التي داست عليها أمريكا وإسرائيل والغرب ـعلي تلك السلطة حتى ينعكس هذا الوضع علي ضياع الأمن في صورة اختراق لدولنا العربية والإسلامية وهيمنه، ويعم الظلم من الخارج يتبعه ظلم الأنظمة في الداخل.. تسقط فكرة الأمن كلها ويسقط معها تمسك الشعوب بأنظمتها.. إن الشعوب مستعدة للتنازل عن جزء من حرياتها العامة في مقابل أن تحقق لها أنظمتها وحكوماتها الأمن.. إن مطلب استتباب الأمن بمفهومه العام والشامل كان أهم كثيراً بالنسبة للشعوب من الحريات العامة ذلك إذا أجبرت الشعوب علي الخيار فيما بينها..طبعاً.. الحريات العامة + الأمن = التقدم والرخاء..
إن الشعوب لا تتحمل ضياع حرياتها العامة مع ضياع أمنها أيضاً.. كما أن ضياع الحريات العامة في حد ذاته يفسد النظام الإداري في الدولة ويكون الجو العام مهيئاً لانتشار الفساد.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. بسم الله الرحمن الرحيم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).. (صدق الله العظيم)..
وهنا ظهرت المقاومة ممثلة في »حزب الله« علي أرض لبنان ومن أبناء لبنان، وظهرت المقاومة ممثلة في »حماس« علي أرض فلسطين ومن أبناء فلسطين.. ليقوم كلاهما بالنيابة عن الدولة (النظام) ـ الذي فقد جزءاً من أو كل سيادته وتم اختراقهـ لتقوم المقاومة بدور استكمال تلك السيادة الضائعة.. وهنا.. تتصدي لها قوي البطش والهيمنة لتمنعها من تحقيق هدفها ـ الأمن لشعوبها ـ فيتم ضرب الشعوب »بالقنابل« ليسقط الأمن تماماً.. وحسبنا الله ونعم الوكيل..
إن مفهوم القرار (1559) هو القضاء علي عناصر المقاومة الحية في أمتنا العربية والإسلامية كلها ذلك.. بعدما تم القضاء علي إرادة دولنا وسيادتها.. تمهيداً للقضاء علي هوية شعوبها وحتى يتم الانتصار علي حضارة الآخر.. أليس ذلك هو مطلب »هنتنجتون« وتعريفه للقوة وكيف تستخدم!! إنه حقاً صدام حضاري خططوا له.. علي أرض »لبنان«.. ويحق لنا أن نقول: لبنان.. بين الصدام والتواصل!!
إن من أهم انعكاسات أزمة »لبنان« وحزب الله وحماس علي شعوبنا وأنظمتنا العربية اليوم.. هي تلك الجفوة التي حدثت بين شعوبنا وأنظمتنا.. وهذا الوضع من أخطر ما يهدد أمن وسلامة دولنا العربية واستقرارها.. فنحن كشعوب وأنظمة اليوم في أحوج ما نكون إلى الترابط والتكاتف لدرء الخطر الذي يحيط بشعوبنا العربية والإسلامية في مطلع القرن الواحد والعشرين!! خطر الصدام الذي فرض علينا مع حضارة الآخر!!
لذا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر الفتنة.. ونرجو أن يفكر الطرفان ـ شعوب وأنظمة ولو أنهم طرف واحد ـ يفكروا قليلاً قبل القفز إلى نتائج قد تكون عاقبتها وبالاً علي دولنا كلها.. إن من أكبر التحديات التي واجهت الأنظمة والحكومات العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم،
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى جنوحها لتقييد الحريات العامة وما أدي إليه ذلك من ظلم أحياناً، هو حصول الشعوب علي قدر من الحريات أو درجات الانطلاق (المقصود بدرجات الانطلاق: التعليم، المساواة، الإعلام الحر، الصحافة الحرة بعض الشيء، بعض مظاهر الحضارة والتقدم والثقافة.. إلخ) يفوق ذلك القدر الذي يواجه به الحاكم (النظام) المجتمع الدولي.. أو يواجه به أية مراكز قوي أو ضغوط سواء داخلية أو خارجية!!
إذ أن الحاكم يصبح مواجهاً ومسئولاً أمام شعبه عن تحقيق أماني وتلبية وعود تفوق إمكانياته.. وبالطبع سوف يظهر قصور الأنظمة وعجزها عن تحقيق الآمال المطلوبة منها ـ وفي أحسن الأحوال ـ مجرد هذا العجز، يجعل الشعوب تنظر إلى أنظمتها علي أنها أنظمة ظالمة!! إنه من المسلم به ـ كما ذكرنا أول المقال ـ أنه بالقدر الذي تنقص به السيادة الخارجية للدولة، فسوف ينعكس ذلك في صورة عجز ـ لا تدرك سببه الشعوب ـ علي المقدرات الداخلية للدولة.. وقد لا يعجب التفسير السابق كله البعض ـ عن تأثر الأوضاع بنقص السيادة ـ ولكن تلك حقيقة نجمت عن كيفية وضعنا كشعوب عربية وإسلامية في المجتمع الدولي.
نحن في حاجة إلى أنظمتنا.. كما نحن في حاجة إلى المقاومة.. كلمة إلى أنظمتنا العربية.. إن شعوبكم تعرف تماماً قيمة الأمن والحرية التي يحققها لها (النظام) وما يؤديه ذلك من الاستقرار.. كذلك إن شعوبكم تحترم المقاومة وتري فيها الأمل.. وهذا واقع فرض علينا.. هذا ما أراده الله سبحانه وتعالى.. ووقانا الله وإياكم شر الفتنة.. فالفتنة أشد من القتل.. نحن دعاة سلام.. شرعيتكم من حب شعوبكم لكم.. وليس من أي شيء آخر.. لسنا دعاة »صدام حضارات«بل دعاة»تواصل حضارات«.. وليس»الجهاد« كالإرهاب.. إذا أرادت أمريكا وإسرائيل السلام.. فنحن دعاة سلام.. لا استسلام!
نقلا عن جريدة الوفد
اقرأ أيضًا:
شكرا منظمة الصحة وفي انتظار المزيد/ على باب الله أشباح بيروت / تحيا كوريا الشمالية: يحيا حزب الله / ساعات سكينة: ساعة الأخبار / اغتيال الحرية: لبنان عروس العرب/ شيزلونج مجانين نوم في غير وقته