مهارتي في الكتابة على الكومبيوتر لم تتح لي إمكانية تشكيل الكلمة الأخيرة في العنوان "المعلم"، لذلك تستطيع قراءتها بضم الميم وفتح العين، أو بكسر الميم وفتح العين أو بفتح الميم وتسكين العين وفتح اللام، فكل هذه القراءات تؤدي المعنى الذي قصدته.
وما سأقوله ليس مدحا في الدكتور عكاشة بقصد المدح، فهو ليس بحاجة لذلك فالرجل قد شبع مدحا وتقديرا عالميا أكثر من محلي، ولكنني حزنت لتجاهل الصحف القومية وحزنت أكثر لتجاهل صحف المعارضة فوز هذا العالم الكبير بجائزة الدولة التقديرية في العلوم، وخشيت أن تكون العلوم قد ضعفت أهميتها أو تلاشت، وأننا فقط نحتفي بالأدباء والفنانين ولاعبي الكرة والمدربين والاحتياط؛
وننسى الذين يعملون في المعامل الرطبة المظلمة الفقيرة، أو الذين يقفون في القاعات يبذلون عصارة خبرتهم وعمرهم وعلمهم دون أن تسلط عليهم كاميرات التليفزيون، لهذا قررت أن أقوم بواجبي في التحدث عن نموذج في الطب، والطب النفسي بشكل خاص، ذلك التخصص المهضوم حقه والمفترى عليه، والمنسي دائما في توزيع الأقسام في المستشفيات وتوزيع المناهج في الجامعات.
كان الدكتور عكاشة من أوائل دفعته، وكان أمامه فرصة الالتحاق بالأقسام الطبية الرنانة واللامعة في ذلك الوقت كالجراحة والباطنة والأطفال، ولكنه اختار تخصصا غاية في الصعوبة حيث لم تكن هناك أدوية إلا القليل، وكانت أحوال المستشفيات النفسية مزرية، وكان الطبيب النفسي مسارا للسخرية ومادة للضحك في الأفلام والمسلسلات، أي أن التخصص في هذا الفرع من الطب كان وصمة في ذلك الوقت (أخشى أنه مازال)؛
ومع هذا يغامر الطبيب أحمد عكاشه بالدخول في هذا التخصص، ولست أدري إن كان دار في ذهنه في ذلك الوقت أنه سيغير هذه الصورة بعد سنوات وسيجعل الطبيب النفسي نجما لامعا متألق، وسيجعل مخرجي السينما والتليفزيون يتوقفون عن إسناد دور الطبيب النفسي لإسماعيل ياسين وفؤاد خليل، ليسندوه بعد ذلك إلى فاروق الفيشاوي وحسين فهمي ومرفت أمين وأحمد عبد العزيز.
والأمم المتحدة والهيئات الصحية الدولية تبذل جهودا كبيرة للتغلب على وصمة المرض النفسي، تلك الوصمة التي تلحق بالمريض النفسي والطبيب النفسي والدواء النفسي والمستشفيات النفسية، وإنني أتذكر حين التحقت بقسم الطب النفسي كطبيب مقيم في مستشفى المنصورة الجامعي قابلني أحد الأقارب وحين علم بذلك الخبر راح يلومني ويؤنبني ويعنفني ويقول: لم فعلت ذلك بنفسك؟.. ولم تضحي بمستقبلك؟.. ولم تضيع تعب أهلك الذين ربوك ويأملوك أن تكون في مكانة محترمة؟.. ألم تفكر كيف ستتزوج؟؟.. ألم تفكر في أخواتك وسمعتهم حين يعرف المقبلون لزواجهم أن أخيهم دكتور مجانين؟؟.. روح يا شيخ الله يسامحك ويهديك؟!!.
هكذا كانت صورة الطب النفسي في أيامنا فما بال الصورة في أيام الدكتور عكاشة وهي تسبقنا بسنوات طويلة. ولم يدر بخلد القائمين على محاربة الوصمة والتمييز ضد المرض النفسي وما حوله أن شخصية الطبيب يمكن أن تكون أحد وسائل مقاومة الوصمة، كما يمكن أيضا أن تكون أحد وسائل زيادة الوصمة، فمثلا كان أحمد عكاشه بشخصيته الموزونه وحضوره الرائع وكلامه العلمي الموضوعي عاملا حاسما في تغيير صورة الطبيب النفسي من شخص يتكلم كلاما غريبا وغير مفهوم إلى شخص يقول شيئا مفهوما وبلغة علمية رصينة تضع في المقدمة وظائف المخ وكيمياء الوظائف النفسية، ولا يتحدث كثيرا عن نظريات فلسفية أو نفسية يستعصي فهمها على المتخصصين فضلا عن عموم الناس. وليس هناك شك على الجانب الآخر أن أفكار وسلوكيات بعض الأطباء النفسيين كانت تؤكد الوصمة وتعززها وتظهر الطبيب النفسي مجنونا أو متطرفا أو غريب الأقوال والأفعال.
وإذا حاولنا الإقتراب من شخصية الدكتور عكاشة فإن لدينا ثلاثة أبواب تسهل لنا الدخول: الباب الأول هو كونه مصري، فهو من أسرة مصرية أصيلة ارتبط تاريخها بثورة 23 يوليو وبالحركة الوطنية قبله، حيث كان أخوه أحد ضباطها الأحرار، وكانت والدته بمثابة أم لعبدالناصر ورفاقه، أما هو شخصيا فعلى الرغم من عالميته وطوافه بكل بلاد الدنيا إلا أن لهجته المصرية واضحة وضوح الشمس في نطقه للفصحى العربية وحتى للإنجليزية، فهو لم يطوع لسانه لأي لكنة أخرى، وهو مهموم بالشأن المصري ومستوعب للثقافة المصرية بكل تفاصيلها الدقيقة، ويعيش الحياة المصرية اليومية بعمق على الرغم من ظروف حياته التي تبدو أرستقراطية.
وحين يتحدث عن مصر بفقرها ومشاكلها وأزماتها يظل مرفوع الرأس معتزا بها. وقد قال لي في اتصال تليفوني عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية: "لقد حصلت على تقديرات عالمية كثيرة ولكن التقدير الوطني له طعم آخر"، وكان حزينا وقتها أن شباب العلماء الذين حصلوا على جائزة التفوق العلمي والجائزة التشجيعية لم يسلط عليهم الضوء ولم تذكر أسماؤهم في الصحف، وقارن بين هذا وبين البريق الهائل الذي يحوط فئات أخرى ربما لا تبذل جهدا يقارن بما بذله هؤلاء العلماء الجادين الذين يصرون على التفوق والعطاء في ظروف مصر الصعبة. ولا تخلو محاضرة له من أرقام دقيقة عن أحوال مصر ليس فقط النفسية ولكن أيضا الاقتصادية، ولديه خريطة دقيقة لظروفها وتوجهاتها على المستويات السياسية والاجتماعية. وقد لا يعرف الكثيرون أن أحمد عكاشة قد جعل اسم مصر يتردد بشكل محترم في كل المحافل العلمية العالمية الرفيعة في الطب النفسي.
أما الباب الثاني الذي نلج إلى شخصيته منه فهو باب النجومية، وأذكر حين رأيته أول مرة في بداية الثمانينات وكان يترأس الجلسة الافتتاحية في مؤتمر عن المسنين فبدا في شياكته وتألقه وعنايته الشديدة بنفسه أشبه بنجم سينمائي لامع، وحين بدأ يتكلم تدفق علمه الغزير فبدا أكثر تألق، وأذكر في هذا اليوم أنه حضر جلستين وكان في كل جلسة يلبس زيا مختلف، ويمسك بالبايب في يده، ويتحدث بتركيز شديد وبسرعة من يدرك قيمة الوقت في الحياة. ونجوميته ليست عائدة إلى عنايته الفائقة بمظهره وشياكته ورشاقته فحسب، ولكنها تعود أكثر إلى إشعاع شخصيته، فهو أينما حلّ يلفت الأنظار بحضوره الطاغي وبحركته الدائبة والرشيقة، وبتعليقاته النافذة والسريعة، فهو شخصية لا يمكن تجاهلها أو نسيانها.
وأظن أنه من كثرة ما تعود على الحضور في الصف الأول لا يحتمل أبدا أن يكون في الصف الثاني أو في الظل، ومن كثرة ما انتخب رئيسا لجمعيات وهيئات ومجلات علمية محلية وعالمية لا يحتمل إلا أن يظل رئيسا.
وقد زاد من نجوميته ظهوره المحسوب بذكاء شديد في وسائل الإعلام، ذلك الظهور الذي أعطى للأطباء النفسيين نجومية خاصة وجعلهم ضيوفا دائمين على القنوات الفضائية، وإحقاقا للحق فقد ساهم في هذه النجومية فرسان آخرين مثل الدكتور محمد شعلان والدكتور يحيى الرخاوي والدكتور عادل صادق (رحمه الله). وقد دفعه ذكاءه الاجتماعي أن لا يفرط في الظهور الإعلامي حتى يظل عزيزا على عين وقلب المشاهد، وهو ينتقي مواضع ظهوره بعناية.
ولم تسلم نجوميته من النقد والهجوم، فقد استفزت بعض الناس وعزوها إلى سمات نرجسية، ولكن الواقع يقول بأن غالبية الناجحين لديهم قدر هائل من الاعتزاز بالذات على اعتبار أن ذواتهم بما تحويه من كنوز هي ثروتهم، ولذلك ربما اهتموا كثيرا برعايتها والاهتمام بها بل ربما تدليله، فهي بالنسبة لهم عالية القيمة مثل قطعة الذهب يحوطونها بالأمن والحماية، ويحرصون على وضعها في المكان اللائق.
ونأتي إلى الباب الثالث من أبواب شخصيته، وهو أنه معلم، فكأنه خلق ليكون معلم، ولا أذكر أنني رأيته لحظة واحدة انصرف فيها عن وظيفة التعليم، حتى في طرائفه ونكاته وفكاهاته تسمع منه شيئا مفيدا وجديدا. ولست أدري كم قضى من ساعات في قاعات الدرس والتدريس وكم قضى من ساعات على منصات الندوات والمؤتمرات المحلية والعالمية، وكم رسالة أشرف عليه، وكم رسالة ناقشه، وكم طالبا امتحنه، وكم ورقة صححها أو قيّمه، وكم بحثا نشره.
ولا يوجد طبيب نفسي في مصر أو العالم العربي لم يتتلمذ ساعات طويلة على يديه، بل إن جزءا كبيرا من التكوين العلمي للأطباء النفسيين ينتمي إلى الدكتور عكاشة ومدرسته، وربما يكون هذا قد أتى على حساب مدارس أخرى في الطب النفسي لم تجد نفس الرعاية ولم تحظ بذات البريق على الرغم من أصالتها وأهميتها وعمقها.
وربما يكون هو نفسه قد استدرك ذلك خاصة حين بالغ تلاميذه في التركيز على البعد البيولوجي بمعناه الكيميائي وليس بمعناه الأشمل، لذلك نراه منذ سنوات عديدة يلفت النظر إلى أهمية العلاجات والتدخلات غير الدوائية، ولعل هذا يصحح اعتقادا كان سائدا بأن مدرسة عكاشه في الطب النفسي هي مدرسة العلاج بالعقاقير دون غيره، وأن تمدد هذه المدرسة وانتشارها ربما يعود إلى دعم شركات الدواء لتوجهها الذي يوافق هوى تلك الشركات.
وللأمانة أذكر أنني سمعت الدكتور عكاشة في التسعينيات في إحدى الندوات بمدينة جده ينبه إلى أهمية التأثيرات غير الدوائية في العلاج وضرب مثلا بالحديث الشريف: "الكلمة الطيبة صدقة"، وتحدث كثيرا عما يمكن أن تحدثه الكلمة الطيبة في نفس الإنسان. وربما كان اهتمام الدكتور عكاشة بإعادة الطب النفسي إلى حديقة الطب كأحد فروعه الأصيلة، والاهتمام بالعوامل التشريحية والفسيولوجية وراء الاعتقاد بأنه يهمل الجوانب النفسية والاجتماعية والروحية، وهذا غير صحيح وأعتقد أنه قد أسيء فهمه، وأن الاهتمام بالجوانب البيولوجية ليس بعيدا عن كل هذه المعاني بل إن البيولوجيا في معناها الأوسع تشمل كل نشاطات الإنسان كما علمنا أستاذنا الدكتور يحي الرخاوي.
أو ربما يكون الدكتور عكاشة قد أعطى الجانب العقاقيري جل اهتمامه في مرحلة من مراحل تطوره العلمي، ولكنه بعد ذلك تكامل به مع الأبعاد الأخرى للعلاج وللإنسان، ولكن الدفعة العقاقيرية المبكرة مازالت مستمرة عند بعض التلاميذ لسبب أو لآخر وربما عليهم أن ينتبهوا لتطور وتكامل المدرسة التي ينتمون إليها .
نترك هذا الخلاف المنهجي بين مدارس الطب النفسي ونعود إلى شخصية الدكتور عكاشة كمعلم، وننطق الكلمة بالعامية المصري (بكسر الميم وفتح العين)، بمعنى أنه "أسطى" في مهنته يعرف أدق أسرار المهنة ويعرف شيوخها وشبابها ليس فقط على مستوى مصر والعالم العربي بل على مستوى العالم كله، وإنني لأعجب حين أراه في المؤتمرات المحلية والدولية ينادي الناس بأسمائهم ولا ينسى أحد، ويعرف الكثير عن تفاصيل نشاطاتهم العلمية وربما الاجتماعية.
وحين تنظر في سيرته الذاتية تدهش لهذا الكم من النشاط والإنتاج العلمي والتأسيس للكثير من المؤسسات والمجلات والجمعيات العلمية المحلية والعالمية، وتتساءل متى وكيف فعل كل هذ، ومن أين أتى بالوقت والجهد لتحقيق هذه الإنجازات الهائلة، فهو ليس عالما متوقفا عند صفحات الكتب ومنصات المؤتمرات، وإنما هو صانع للكثير من المنظومات والمنظمات والهيئات المنتجة للعلم والراعية له، وإليك بعض الأمثلة وأرجو أن يكون لديك الصبر لقراءتها:
1 – أنشأ وأسس مركز الطب النفسي لمستشفيات جامعة عين شمس بالمجهود الذاتي والتبرعات، وهو مركز علمي حضاري ذو مستوى عالمي رفيع يضم نخبة من الأساتذة المتميزين في مجال الطب النفسي هم زملاء وتلامذة الدكتور عكاشة ويشكلون العصب الأساسي لمدرسته المتميزة
2 – ساهم في إنشاء أقسام الطب النفسي في أكثر من جامعة إقليمية
3- رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي من 1983-1999 ثم من 2006 حتى الآن (قد يعتبر بعض الناس ذلك تمسكا بالرئاسة لفترات طويلة بل ومحاولة توريثه، وقد يكون لديهم منطقا في ذلك، ولكن في الحقيقة هو يحصل على رئاسة الجمعية من خلال انتخابات حقيقية متاحة لكل الناس، ولا يشوبها ما يشوب الانتخابات الأخرى من تزوير أو تلاعب)
4 – رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي البيولوجي منذ 1986 حتى الآن (أرجو من أستاذي دفع أحد تلاميذه لرئاسة الجمعية في أقرب فرصة حتى تنتفي مظنة التأبيد في الرئاسة والتي ينتقدها هو بصفة شخصية، وحتى يكون قدوة في تداول السلطة كما هو قدوة في أشياء كثيرة)
5 – أنشأ وأسس مكتبة حديثة للطب النفسي مع اتصالات مع أنحاء العالم لتسجيل الأبحاث وطلبها من عدة مراكز
6 – أنشأ وأسس الوصل بين أقسام علم النفس بكليات الآداب في جامعات القاهرة وعين شمس وكلية البنات مع كليات الطب
7 – مؤسس ورئيس فخري لهيئة تحرير المجلة المصرية للطب النفسي، ورئيس مجلس إدارة تحرير مجلة الطب النفسي المعاصر
8 - عضو هيئة التحرير في المجلات العالمية التالية: الرأي المعاصر في الطب النفسي (لندن)، المجلة البريطانية للطب النفسي (لندن)، مجلة إنسيفال الفرنسية (باريس)، مجلة الأطباء النفسيين العرب (عمان)، المجلة الألمانية للطب النفسي، المجلة الروسية للطب النفسي، المجلة الإيطالية للطب النفسي، الموسوعة العالمية للطب النفسي، المجلة الطبية الأمريكية والطب النفسي والأعصاب (نيس، فرنسا)، مجلة اقتصاديات الصحة النفسية (ميلانو، إيطاليا) المجلة الإفريقية للطب النفسي، مجلة الطب النفسي البيولوجي، مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (الشرق الأوسط)، مجلة أركيف للطب النفسي العام (الشرق الأوسط)، مجلة فايزر للطب النفسي (نيويورك)
9 – له مائتان وثلاث وأربعين بحثا عالميا في مجالات الطب النفسي والعصبي والعلوم السلوكية والاجتماعية نشروا في المجلات العلمية، العالمية والمحلية
10 – أشرف على اثنين وستون رسالة دكتوراه في الطب والآداب، كما أشرف على مائة وسبع وعشرون رسالة ماجستير
11 – له خمسون كتابا باللغة العربية والإنجليزية تم نشر واحد وثلاثين منها بالخارج
12 – مقرر اللجنة الدائمة لأساتذة الأمراض النفسية بالمجلس الأعلى للجامعات، ورئيس المجلس العلمي للطب النفسي في الزمالة المصرية للتخصصات الطبية بوزارة الصحة والسكان، ومستشار باللجنة العلمية للمجلس الأعلى للإدمان، ومستشار وزير العدل للطب النفسي الشرعي، وعضو محكمة القيم العليا
13 – رأس الكونجرس العالمي الثالث عشر للطب النفسي بالقاهرة عام 2005، وقد بذل جهدا هائلا لعقد هذا الكونجرس لأول مرة خارج أوروبا وأمريكا وفي بلد عربي
14 – مدير مركز البحوث والتدريب لمنظمة الصحة العالمية في منطقة الشرق الأوسط
15 - أمين عام الجمعية العالمية للطب النفسي للشئون العلمية
16 – رئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب
17- حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة لوزان، كما حصل على زمالة كل من: كلية الأطباء الملكية أدنبره، كلية الأطباء النفسيين الملكية لندن، الجمعية الأمريكية للطب النفسي، الجمعية الفرنسية للطب النفسي، كلية الأطباء النفسيين الأمريكية، كما حصل على الميدالية الذهبية والزمالة الفخرية للجمعية العالمية لطب نفس الأطفال والمراهقين، والزمالة الفخرية للجمعية العالمية للطب النفسي، وجائزة الرئاسة التقديرية للجمعية الأمريكية للطب النفسي؛
وقد كلل كل هذا الجهد والفخر برئاسته للجمعية العالمية للطب النفسي، حيث انتخب رئيسا للأطباء النفسيين على مستوى العالم عام 1999، ليكون أول رئيس للجمعية من خارج قارتي أوروبا وأمريك، وقد كانت له جهودا جبارة في الارتقاء بنشاط الجمعية العالمية للطب النفسي، ولم ينس لحظة واحدة جذوره وهويته، فقد نجح في إدخال اللغة العربية كأحد اللغات المستخدمة في نشاطات ومخاطبات الجمعية.
ولتعذرني عزيزي القارئ إذا كنت قد أرهقتك في قراءة السيرة الذاتية لهذا العالم الدؤب المثابر والمتعدد الأنشطة، وليكن ذلك نموذجا لنا ولأبنائنا في العمل الجاد وخدمة الوطن والإنسانية بأعمال رفيعة المستوى وعالية القيمة تفتح آفاقا محلية وعالمية، وتتيح لنا التواجد على الخريطة العلمية العالمية بهذا الشكل المشرف. والنتيجة لهذا هي أن مصر بفضل الله وبجهود الدكتور عكاشة وبقية زملائه الرواد وتلامذتهم أصبحت بحق دولة عظمى في الطب النفسي.
إذن لا عجب أن يكون الدكتور أحمد عكاشة أول طبيب نفسي يحصل على جائزة الدولة التقديرية، وقبلها حصل على جائزة التفوق العلمي، وقبل كل هذا حصل على حب وتقدير تلاميذه المنتشرين في العالم طولا وعرض، فحيثما حل وجد من يلقاه بكل حفاوة مرحبا بأستاذ تعلم منه الطب النفسي وتعلم منه طريقة التفكير العلمي وتعلم منه احترام المهنة واحترام التخصص واحترام المريض ومتابعة كل جديد لحظة بلحظة، والاهتمام بشئون الوطن وهمومه وقضاياه.
وإحقاقا للحق فقد ساهم في هذا الوضع المتميز لمصر على الخريطة العالمية للطب والعربية للطب النفسي رواد عظام آخرين من أمثال الدكتور محمد شعلان والدكتور يحيى الرخاوي والدكتور محمود سامي عبدالجواد والدكتور عمر شاهين (يرحمه الله) والدكتور عادل صادق (يرحمه الله) والدكتور جمال ماضي أبو العزايم (يرحمه الله)، هؤلاء وتلاميذهم ارتقوا بهذا الفرع من الطب إلى مستوى العالمية نظرا لما تمتعوا به من علم عميق ووعي بالثقافة العربية والإسلامية، وبما استوعبوه من حكمة الشرق وعلوم الغرب ونظرا لما تمتعوا به من صفات شخصية جعلت لهم وزنا عظيما إذا قيسوا بأي عالم في الطب النفسي في أي مكان في العالم.
وكل من عملوا في الطب النفسي في أي مكان في العالم وقارنوا بين خبرة وعلم وشخصية هؤلاء الرواد العظام وغيرهم من الأسماء العالمية يدرك كم تعلوا هاماتهم وتتميز عقولهم وأخلاقهم وأستاذيتهم.
كل هذا رغم أن الطب النفسي في مصر لا يأخذ حقه في التدريس في الجامعات، ولا يفسح لأقسامه المجال في المستشفيات لأسباب يجب أن تزول لنرى كم نملك من مواهب وقدرات في هذا المجال خاصة وأنه لا يحتاج إلى تكنولوجيا عالية لا نقدر على شرائها أو امتلاكها وإنما يحتاج أولا وأخيرا الإنسان، وهو شيء ما زلنا نملكه، ويبدوا أن لنا في الإنسانية أعماقا تفوق غيرن، تلك الأعماق التي كونتها الطبقات والرواسب الحضارية ورقائق الأديان، ودفء الحضارات وتنوعها.
أتذكر هذه المعاني وأنا أرى أستاذي وأستاذ الأجيال الدكتور عكاشة وهو يقف في كل مكان في مصر وخارجها كفارس على المنصة ينشر العلم النافع، ويثري عقول أبنائه وتلاميذه الذين يعتز بهم ويرعاهم ويهتم بشئونهم ويدفعهم للنجاح والتميز. وعلى الرغم من أنه زار كل بلد في العالم تقريب، وله رؤية إنسانية عالمية إلا أن مصريته مؤكدة وهو يعتز بها بين أبناء قومه وبين الأجانب، فكثيرا ما قدم تاريخ الطب النفسي عند الفراعنة وعند العرب والمسلمين، ولديه قدرة هائلة على الربط بين القديم والحديث في ولاف يظهر عظمة الاثنين ويجعلك مبهورا بتلك الشخصية الجميلة التي تلتقط الرقي والجمال في كل حقبنا التاريخية دون التصاق أو توقف أو تحجر أو تعصب.
وعلى الرغم من اتصاله القوي بالغرب ثقافة ولغة وعلى الرغم من طلاقته في الحديث باللغة الإنجليزية إلا أنه يتحدث بها بلهجة مصرية ولا يتعمد اللكنة الأجنبية في النطق فهو ينطق الإنجليزية الفصحى بلسان عربي مبين، وإذا تحدث العربية فبسلاسة وانطلاق وتدفق ولا تعرف إن كان يتحدث بالفصحى أم بالعامية وذلك من بساطة وسيولة وصحة الألفاظ والكلمات.
وعلى الرغم من بلوغه قمة سامقة في تخصصه الدقيق إلا أنه لم يغرق في البحور الأكاديمية الجافة بل ظل متصلا بنبض الحياة اليومية، وعلى الرغم من عيشه في أجواء أرستقراطية إلا أن كلماته وتعليقاته تعكس إحساسا عميقا بمشاكل الناس على اختلاف طبقاتهم، فهو ملم بتفاصيل الحياة اليومية المصرية بشكل ميكروسكوبي وتلسكوبي مع، فلديه فرصة دائمة للقاء علية القوم وفي ذات الوقت لم يفقد صلته بالبسطاء من الناس، ولم يبتعد عن نبض وعرق المصريين في زحام الشوارع وتكدس العشوائيات.
ربما يعود ذلك –كما ذكرنا- إلى العروق الوطنية التي تمتد بعمق في أسرته من أمه ووالده، وأخيه الدكتور ثروت عكاشة والذي شارك في قيام ثورة يوليو كأحد الضباط الأحرار ثم ساهم في إنقاذ معابد فيلة وأبو سنبل إبان عمله في وزارة الثقافة، بجانب إبداعاته ذات المستوى الرفيع في الأدب والثقافة وغيرها.
ويبدو أن هذه الأسرة العكاشية لديها ميل شديد للإتقان الراقي الحضاري في عملها وإبداعاته، وهذا ما يبدو جليا في إنتاج الدكتور أحمد عكاشة والدكتور ثروت عكاشة فكلاهما في تخصصه قمة شامخة، وقيمة عالية، ورقيا رائعا وجميلا. وكلا منهما صنع لنفسه مجدا شخصيا كبير، ولكن هذا المجد لم يكن أبدا مقطوع الصلة ببلده، فارتقى بذاته وبمن حوله، وكبر بإنجازاته وبأهله وناسه.
قد تكون طبيبا صغيرا تدرس دبلوما أو ماجستيرا في الطب النفسي وتلقى الدكتور عكاشة فتجده مهتما بك كأنك شخصية عظيمة، ويحفظ اسمك ونادرا ما ينساه، وهذه قدرة هائلة لديه فهو يحفظ أسماء الأطباء النفسيين المصريين والعرب والأجانب، ويعرف خصائص كل منهم بدقة، ويبهرك بذكائه المتقد وعينيه اللامعتين الصاحيتين، ولسانه الطلق وألمعيته الحاضرة وتعليقاته الواصلة إلى الجوهر من أقصر طريق.
قد يختلف معه البعض وقد ينتقدوه في أشياء ينكرونها عليه، ومع هذا تجدهم يقدرون أستاذيته وريادته، وإذا حضر يقدمونه على من سواه، فهو أب للجميع وأستاذ للجميع وقريب من الجميع، وهو لا يعلو فوقهم إذ يقدمونه ويرفعونه ولكن يعلو بهم ومعهم، وربما يتصل بأصغرهم يسأله عن شيء لا يعرفه أو يستفسر عن أمر استشكل عليه، وهو من هو علما وثقافة ورؤية.
وبمناسبة الرؤية فهو لم يكتف بالارتقاء الأكاديمي في مجال تخصصه وإنما له رأي ورؤية في مجالات الثقافة والدين والفن والأدب والاجتماع والسياسة، وهو يدلي برأيه في هذه المجالات وغيرها محتفظا بنطاق تخصصه فلا يتوه في مساحات يملكها غيره، ولا يستدرك إلى رمال متحركة يقع فيها آخرون حين يظنون أنهم يعلمون سر الكون. وحتى في مجال النفس الذي هو فارسه فإنه لا يتحدث عنها بغموض ولا يخوض في مناطق أسطورية وإنما يحترم وسائل الرؤية والرصد المتاحة ويفتح الباب أمام امتلاك وسائل جديدة لرؤية أكثر دقة وشمول، ويقف بتواضع عند حدود الضوء المتاح في الوقت الحاضر وفي اللحظة الحاضرة.
أتعجب منه كيف يتابع أحدث ما في العلم وفي نفس الوقت يتابع الصحف والمجلات وكثير من البرامج والأحداث اليومية في مصر وغيرها ويشكل رؤية وموقفا ناضجا مبنيا على رؤية متسعة للناس والأحداث، رؤية لا تغفل الجانب الوطني والثقافي، وفي نفسا الوقت ترى الآخر في الصورة، ذلك الآخر الذي تعامل معه الدكتور عكاشة كثيرا في حياته وتفهم ظروفه واحتياجاته وتحيزاته.
وعلى الرغم من كثرة نشاطاته وتشعبها وتعددها إلا أن لديه نظاما في حياته يمكنه من يفعل كل هذا دون أن يلهث أو يتوتر أو يضطرب، وربما يكون لأسرته ولزوجته على وجه الخصوص إسهام كبير في ذلك كما ذكر هو في بعض أحاديثه.
دائما تلقاه غضا يقظا منتبها صاحيا نشطا مقبلا متفائلا متألقا مشعا دافئا دافعا ومحرضا ومحرك، يحوطه أبناؤه وتلاميذه أينما حل، وهو يقبل عليهم بروح الصديق القريب المتفحص لوجوههم والسائل عن أحوالهم والمداعب لهم والقريب منهم. متواضع في ترفع، وبسيط في كرم، ومحب بتعقل، ومتأمل في نظام، ومغامر بحساب. هو أكثر نشاطا وحيوية وسرعة في الحركة والتفكير من كل من حوله، ومع هذا فهو شديد التركيز وعميق الرؤية والانتباه.
أحيانا تراه فيلسوفا متأمل، وأحيانا تراه براجماتيا واقعيا عمليا جد، وأحيانا تراه ثائرا هادر، وأحيانا تراه متفهما متقبل، وحرصه على نجاحه وتألقه الشخصي يوازيه ارتباطا وثيقا بقضايا الوطن ورقي الناس.
يخطئ من يقيسه بمقياس أحادي البعد، فهو متعدد المستويات والجوانب، وهذه التعددية قد تحير بعضا ممن يريدون أن يرونه كما يريدون . وعلى الرغم من إتقانه الهائل لفنون العلاج الدوائي إلا أنه يعالج كثيرا من مرضاه بتأثيره الشخصي الهائل وبكاريزمته المشعة، وبكلماته الطيبة الحازمة المؤكدة والمطمئنة بوعي وصدق وموضوعية، ويتحدث عن الوسائل غير الدوائية في العلاج باحترام وتقدير، وهذا يصحح سوء الفهم الذي لحق به من بعض من لم يعرفه بعمق من تلاميذه ومريديه.
وليس هو وحده الذي ربما أسيء فهمه، فكثير من الرواد والمصلحين وأصحاب الرسالات قد أساء بعض تلاميذهم فهمهم ونسبوا إليهم ما لم يقصدوه بالضبط، أو رأوا جانبا ولم يروا جوانب أخرى في شخصية متعددة الأبعاد والمستويات.
قد يحسده البعض على استمرار تألقه وإشعاعه وجاذبيته ونجاحه وإنجازاته، وقد يلومونه على حرصه على كل ذلك متناسين أن كل الناجحين لديهم هذا القدر من الحرص على الصعود الدائم، وأن حضور ذواتهم بقوة جزء من منظومة النمو الشخصي المحرك للتنافس الدافع نحو التسابق على طريق النمو العام.
لا تراه في مكان أو زمان إلا وتسمع منه أو عنه شيئا مفيد، ولست أدري كم عدد الساعات التي رأيته فيها على المنصة معلما وفي القاعات مفهم، وهو قد جعل للطب النفسي مذاقا خاصا حين مزجه بشخصيته وبروحه فأخرج مصطلحاته الصعبة ومفاهيمه العويصة في صورة سلسة وبسيطة وجذابة، ولهذا فهو فاكهة أي مؤتمر أو ندوة يعطيها بريقا ولمعانا وحضورا ودفئا وحرارة وأصالة.
وحتى في الامتحانات تغلب عليه صفة المعلم (وهي كما ذكرنا صفة محورية في شخصيته) فيمزج الأسئلة للطالب بكثير من المعلومات يعطيها إياه ومن حوله أثناء الامتحانات، وكأنه لا يستطيع أن يتخلى عن دوره كمعلم حتى في الموقف الامتحاني الذي يفترض فيه السؤال لا الإجابة من الممتحن. ومن النادر جدا أن يتخرج طالب دكتوراه دون أن يكون امتحنه الدكتور عكاشة، فرأيه في الطالب علامة مسجلة في تاريخه العلمي.
أما إذا تحدثت عن اعتزازه بنفسه وبكرامته، فهذا حديث يطول، فعلى الرغم من تواضعه وحديثه المتصل مع الكبير والصغير إلا أن له نفسا أبية لا يستطيع أحد ولا يقدر (مهما علا قدره) أن يقتحمها أو يتجاوز حدود الأدب والاحترام معه، وهذا هو ترفع العلماء.
وقد يكون الشخص ناجحا في العلم إلا أنه يخفق في مجالات النجاح الأخرى كالعلاقات الاجتماعية والمشروعات الكسبية، ولكن الدكتور عكاشة حقق معادلة الحكمة والملك، فعلى قدر نجاحه في علمه نجح أيضا في مشروعاته الخاصة وحقق إنجازات هائلة في عيادته ومستشفاه ومنتجعه وفي علاقاته العملية والاجتماعية، وهذا دليل على وجود أكثر من نوع من الذكاء لديه يتيح له الفرصة للنجاح المتألق على جوانب ومستويات عديدة.
نال جائزة الدولة التقديرية فشرفت به هذه الجائزة وفرحت بلقائه، فهو شخصية فريدة تشرف بها مصر والعالم العربي، ونشرف بها كأطباء نفسيين، فهو قد أعطى لهذا التخصص احتراما وتقديرا ومكانة من خلال احترامه لعلمه ولتخصصه ولمريضه.
فعلى مستوى العلم تجد لديه كل جديد حتى آخر لحظة تقابله فيه، فهو يتابع بدقة شديدة أحدث التطورات في أرقى المجلات والدوريات العلمية العالمية والمحلية، وينقل كل معلوماته وخبراته إلى تلامذته في كل مكان بلغة بسيطة ومستقيمة ومحددة.
وعلى الرغم من شهرته وذيوع صيته كطبيب ومفكر وأستاذ عظيم إلا أنه يهتم بتلاميذه –حتى الصغار منهم– ويعرف أسماءهم وأحوالهم ويقبل على كل منهم وكأنه له وحده ويعطيه كل الإهتمام، ويعلق على أشياء كتبها هذا الشخص أو قالها. أذكر أنني كنت أكتب أشياء بسيطة ومتواضعة في بعض الصحف، ففوجئت به في أكثر من مرة يتصل بي ليعلق عليها أو يناقشني فيها أو يمتدحه، وكنت أتعجب:
كيف لأستاذ كبير في هامة الدكتور عكاشة أن يجد وقتا لمتابعة ما يكتب في الصحف والمجلات بهذه الدقة، ثم يهتم بها وبكاتبها إلى هذا الحد. فهو لا تفوته شاردة أو واردة في مجال تخصصه وما يتعلق به، ولست أدري من أين يأتي بالوقت ليفعل كل هذ، وأجندته مشحونة بمواعيد مؤتمرات عالمية في كل مكان ولديه عيادته ومستشفاه ومرضاه.
لا يتردد في إعلان رأيه في الكثير من سلبيات السياسة أو المجتمع بشكل واضح وصريح ولديه شجاعة يحسد عليها في هذا الأمر على الرغم من حساسية مكانه ومكانته كشخصية علمية وشخصية عامة في نفس الوقت. وله كتاب جميل لخص فيه رأيه ورؤيته في كثير من سلبيات حياتنا السياسية والاجتماعية، وهو كتاب "ثقوب في الضمير"، ومن كثرة إعجابي بهذا الكتاب اشتريته أكثر من مرة ووضعته في أكثر من مكان حتى لا يضيع مني.
وحين يظهر على شاشة التليفزيون في أي قناة يتحدث بتلقائية شديدة وصراحة مؤكدة ويتطرق إلى نقاط حساسة، وهو مع كل ذلك لا يغادر نطاق الموضوعية والأدب الرفيع. تجده يعيد الأمور إلى نصابها ويخلع عنها المفاهيم الخرافية والمبالغات والترهات. وعلى الرغم من علمه وموضوعيته إلا أنه شيق الحديث لا تمل أبدا من سماعه، وربما يعود ذلك إلى ما يتمتع به من أنواع كثيرة من الذكاء، فهو ذو ذكاء لفظي منطقي عال وذو ذكاء عاطفي هائل وذو ذكاء اجتماعي متميز وذو ذكاء تأملي عميق وله اهتمامات واسعة تجعل حديثه مليئا بالعلم والطرائف والإحصاءات والأرقام والدلالات والمعاني والتحذيرات والفكاهات جنبا إلى جنب في تركيبة رائعة.
قد يلومني البعض على هذا المدح وعلى هذا الإعجاب بالدكتور عكاشة، وأنا لا أنكر إعجابي به وتحيزي له، ولا أنكر على منتقديه جوانب انتقاداتهم، فهو مثل أي إنسان لديه مزاياه ولديه عيوبه، ولكن النجاح كثيرا ما يتجاوز العيوب ويجعلها تبدو صغيرة أو يغفر لصاحبه ما أضاف وأعطى، وقد يتساءل البعض مستنكرا: أما كان جديرا بك أن تكتب عن عيوب الدكتور عكاشة استكمالا للموضوعية وتوازن الرؤية، وهنا أقول بأن وقوف التلميذ أمام أستاذه يستلزم الكثير من الأدب، وأنا حين أقف أمام أستاذي لا أمد عيني لأتفحص عيوبه، وأكتفي بما وصلني منه من خير عميم، وأدعو الله أن يبارك في حسناته ويتجاوز عن سيئاته، وأن يكون ما كتبت عنه نموذجا للأجيال الجديدة التي تفتقر إلى القدوة والمثال وتتعجل الوصول إلى الغنيمة دون أن تبذل من الجهد والعرق ما بذله الرواد والعلماء.
وأخيرا تحية عطرة أستاذي الجليل الجميل، أطال الله في عمرك ونفع بك، وجعل أعمالك كلها خالصة لوجهه الكريم، وأثابك عليها جنات النعيم، وأن تكون الشهادات المحلية والعالمية، وقبلها شهادة تلاميذك لك في ميزان حسناتك، وأن يمنحك الله الصحة لتعطي أكثر وأكثر، وتقبل اعتذاري إن لم أكن وفيتك حقك كعالم وكإنسان.
واقرأ أيضًا:
حوار مع أ.د أحمد عكاشة(3) / دكتور أحمد عكاشة : أين أنت؟! / أستاذ دكتور فاروق لطيف / هيبوقراط Hippocrates / على باب الله: أساتذتي