يحاول الكاتب في هذه المقالة إلقاء الضوء على ما يجري في مصر من تداعيات عقب مباراتها مع الجزائر والتي أجريت في السودان يوم الأربعاء في الثامن عشر من نوفمبر؛ وذلك دون التطرق إلى تداعيات الأحداث هناك في الجزائر فهذا الأمر متروك للجزائريين ليتحدثوا عنه.
نعم إن هناك بما لا يدع مجال للشك تآمر من الحكومة الجزائرية حتى يحدث ما حدث وأنها أرسلت عن عمد ببلطجيتها لإيذاء المشجعين المصريين العُزّل، وأن للحكومة الجزائرية مآربها؛ الله والمقربون من دائرة الأحداث هناك يعلمون بها؛ ويعلمون ما الفائدة التي تعود على حكومة الجزائر من جراء إشعال هذه الفتنة بين البلدين العربيين الشقيقين.
ولكن أيضاً فإنه على الرغم من أن الكثيرين قد حذروا الحكومة المصرية مما سيحدث هناك في السودان على أيدي الجزائريين، وقد جاءت بعض من هذه التحذيرات على ألسنة الصحفيين الجزائريين أنفسهم. وعلى الرغم من أن السلطات السودانية بل وعامة الشعب السوداني كانوا على علم من أن هناك بلطجية وأنهم اشتروا من الأسلحة البيضاء في السودان ما هو كفيل بإرهاب المشجعين المصريين.
وعلى الرغم أيضا من أن السفارة المصرية كانت على علم يقين بما يحدث؛ ومن ثم فإنه يستحيل على أجهزة الأمن المصرية عدم علمها بما يجري في السودان من تحضير لأعمال شغب وبلطجة.
رغم كل هذا وذاك فإنه لم تحرك السلطات المصرية ساكنا وأرسلت مشجعيها ليلقوا ما لقوا من تهديد للأرواح ليكونوا وقوداً لهذه الأحداث التي تقع الآن بين البلدين.
لقد كان من السهل ألا يحدث ما حدث إذا أخذ الطرفان المصري والجزائري بنصيحة من نصحهم بإقامة المبارة بدون جمهور، أو منع الجمهور المصري والجزائري من دخول الإستاد والاكتفاء بالجمهور السوداني للتشجيع. لو كان حدث ذلك لتجنبت الأمة العربية ما يحدث من فتنة الآن ولكن يبدو أن ما حدث كان متعمداً، وأن تداعيات الأحداث مرغوب فيها من قبل طرفي الصراع المصري والجزائري. إن المتابع لما يجري في مصر ومن خلال تصريحات المسئولين وروايات من ذهب للتشجيع في السودان يدرك أن سيناريو الأحداث قد سار على النحو التالي:
1- دخول ابن الرئيس المصري إلى دائرة الضوء وبؤرة الأحداث – وهو البعيد دائماً عن عالم السياسة والإعلام - وذلك بإعلانه الهجوم على الجزائر نتيجة ما حدث منها لتأخذ الحرب الإعلامية بين البلدين منحى يظهر فيه البعض بمظهر المدافع عن كرامة المصريين.
ولتظهر ولأول مرة فكرة رفض تحمل مصر أعباء كونها الأخت الكبرى للعرب بل وتخلي مصر عن هذا الدور إذا ما كان سيحملها من إهانة من هؤلاء العرب. وفي هذا إحياء للنعرة العرقية بالحديث عن الهوية المصرية ورفض للهوية العربية، والتي انتهجها السادات من قبل عندما فكر في عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل.
2- دخول العائدين من المثقفين والشخصيات العامة من السودان بحسن نية في إشعال المزيد من التوتر بين الشعبين المصري والجزائري ليقع هؤلاء من شدة الهم والحزن مما حدث لهم على أيدي أشقائهم الجزائريين في فخ لا يملكون منه هربا. ليسقط آخر الأعمدة التي كانت تدعم الأخوة العربية؛ وذلك بسقوط المثقفين المصريين في هذا الفخ.
3- وفي سبيل جذب المزيد من المؤيدين البسطاء لما يجري أخذ البعض في السير في اتجاه القول بأن جريدة الشروق الجزائرية هي النسخة العربية من صحيفة معاريف الإسرائيلية وان رئيس اتحاد الكرة الجزائرية إنما هو يهودي يدعي الإسلام وانه يعمل لصالح إسرائيل. ولتحقيق هدف التقوقع في الشخصية المصرية وانعزالها عن العرب قام البعض بسب الجزائريين ووصفهم بأنهم مجرد بربر.
4- كما تحقق الهدف الأسمى من الأحداث ليجئ الدعم غير المباشر للتوريث، ولو أن أياً من ابني الرئيس قد ترشح لانتخابات الرئاسة الآن أمام أي مرشح آخر لفاز أي منهم بدون حتى لو كان المرشح الآخر مدعوماً من أمريكا وحتى لو كان هذا المرشح هو البرادعي أو عمرو موسى نفسه.
إن مصطلح الأخت الكبرى والذي أثار حفيظة الكثيرين في تعاطيهم لهذه الأزمة، يعني أن مصر هي القائد والرائدة والمعطاءة؛ ولقد كانت مصر دائما كذلك. أما عن الريادة فهي صفة لن يمكن التخلي عنها فسيظل للمصريين سبق الريادة في كل المجالات. فهل تعني هذه الدعاوي أن تتخلى مصر عن دورها القيادي وان تتخلى عن العطاء دون مقابل، أو أن العطاء سيكون مشروطا بمقابل حتى لو كان فقط الاحترام؟
السؤال الذي يطرح نفسه بالضرورة هنا ويطرحه الكثيرون ممن خرجوا للتظاهر في الشوارع هو كيف يكون لهذا الشعب احترام في الخارج في حين انه لا احترام له في الداخل. فهل يعني ذلك أن المصريين يتحركون نحو المطالبة بالاحترام خارجياً وداخلياً.
وهل ستشعر الحكومة يوماً بالندم إذا ما انفلت زمام الأمور منها وراح المصريون يطالبون بالثأر لكرامتهم في الداخل مثلما يطالبون به في الخارج، أم أن الحكومة ستكون قادرة على كبح جماح هذا الأسد الجريح الهائج إذا ما تخطى الحدود المسموح بها.
إن كسر جماح هذا الجريح لا يعني سوى إخصائه ولا يعلم أحد إلا الله كيف سيكون الحال آنذاك هل سينتحر هذا الأسد في هدوء بالهروب من الوطن؛ أم إنه سيفجر نفسه بحزام ناسف.
كما أخشى أن تكون الخطوة التالية لتداعيات الأزمة هي وجود المناخ الملائم للانفتاح على إسرائيل والتطبيع معها إلى أقصى مدى طالما أن العرب هم الأعداء الآن وان الهوية العربية قد صارت في خبر كان، ليصل الأمر في النهاية إلى التخلي عن دعم القضية الفلسطينية وعدم التحرك عند هدم المسجد الأقصى الذي أوشك أن يهدم.
إن ما يحدث في مصر أو في الجزائر على حد سواء لهو أمر جد خطير ولا أظن أن الحلم بتحقيق مكسباً سياسياً هنا أو هناك يستحق تدمير الهوية العربية، ولا أعرف لماذا الآن أتذكر انهيار الأندلس ولماذا أتساءل على من نطلق الرصاص.
واقرأ أيضاً:
اعترافاتي الشخصية: مصر لما بتفرح / هزمنا جميعا قبل أن تبدأ المباراة / مصر كلها الآن ترقص كيف الجزائر؟ / مصر كلها الآن محبطة كيف الجزائر؟ / لا مصر ولا الجزائر يستحقان...