كلمة (ميديا media ) هي جمع لكلمة (ميديام) medium ، ومعناها الوسط أو الوسيط الذي تجري فيه التفاعلات أو الاتصالات، ربما يمكن ترجمتها أو تسميتها (محيط) أو (سياق، وفي حوارات لقاء (الويب صالون) الذي أدرته يوم عشرين ستة في ساقية الصاوي – القاهرة نبهنا الصديق (يقين) أن الإنترنت ليس مجرد أداة نستخدمها في الخير أو الشر، ولكنها أيضا وسط أو سياق مختلف ننغمس فيه بقوانينه حين نتصل ببعضنا، أو نبحث عن معلومات أو وظائف عبره، ما معنى هذا ؟!
جزء من معناه أن الوسيلة الإعلامية أو الاتصالية تخلق سياقا متعلقا بطبيعتها، ولهذا السياق بروتوكلاته وتفاصيله وتداعياته وتأثيراته على
المستخدم، وعلى تصوراتنا جميعا للحياة، وطريقتنا في التفكير والتعبير والتأمل، وتعاملنا مع الحب والجنس والخيال والسياسة وغيرها.
أقرأ بتمهل ذلك الملف الطويل الذي يشغل أكثر من نصف صفحات العدد (261) من مجلة نيوزويك في طبعتها العربية، والصادر بتاريخ 14/يونيو، والملف ممتلئ بالأرقام والمعلومات حول مستقبل التليفزيون، والتكنولوجيات الأحدث في الإرسال والمشاهدة، وسأعود لهذا لاحقا، ولكنني أفكر فيما انتهيت منه فيه الآن ربما لزيادة مساحة فزعي واهتمامي لأنني اعتقد أننا غير منتبهين لطبيعة هذه الوسائل الاتصالية أصلا، وبالتالي لطبيعة ما يحصل من متغيرات فيها وفينا تبعا لذلك!!!
ما يفزعني أنني مقتنع أن السلوك الإنساني هو حصاد بنية وبيئة، ولا أجد برنامجا محترما، أو تحقيقا صحفيا معمقا عن هذه الوسائط أو السياقات التي ننغمس فيها ونتعامل عبرها، أو نتعاطى الترفيه أو ننجز بعض الأعمال أو الاتصالات بالأقارب أو الأصدقاء!!!
أين يقضي الناس أوقاتهم الآن، وكيف؟! في أية مساحات؟!! مع من؟!! ما هي الأشكال والمحتويات؟!! ماذا لو وسعنا فكرة السياقات هذه لتشمل الأماكن والأنشطة؟!! هل صحيح كما قال أحدهم أننا ننتقل خلال اليوم من حصة رقمية إلى أخرى، ومن جهاز إلى جهاز؟!! نترك المحمول إلى التليفزيون المتصل بالطبق اللاقط أو الكيبل، ثم نتركها إلى شاشة الكمبيوتر ووصلة الإنترنت، وإذا خرجنا فإلى الأسواق الضخمة في المجمعات التجارية – المولات – أو الاتصالات الترفيهية للألعاب الإليكترونية للأطفال، هذه هي السياقات والمحيطات التي ننغمس فيها؟!!
وفي نفس الوقت تحدث تغيرات اجتماعية ونفسية هائلة، على مستوى الفرد والجماعة، تراجعني إحداهن في عيادتي وتروي كيف هربت من بيتها ثلاث مرات متتالية خلال أقل من ثلاثة أشهر، تخلع حجابها وتصبغ شعرها وتنغمس في علاقات مفتوحة بلا حدود ولا ضوابط ولا قيود ثم تعيدها الصديقات أو البوليس إلى أهلها لتُحبس فيه فترة، وتستعد للجولة التالية!!!!
عندما روت لي قصتها كنت كمن يشاهد فيلما خياليا، صحيح أنني تناولت أمثلة متشابهة جزئيا في هذه الرسالة أو تلك على إسلام أون لاين أو مجانين، ولكن هذه الصورة مجتمعة وحية بدت قوية ودالة فيما أروي عنه هنا: حركة في سياقات تتوازى من تغيرات.
السياقات التي نتحرك فيها سياقات مؤثرة تدفعنا تدريجيا إلى اختيارات أكثر مادية وتحررا من القيود والأخلاق التقليدية، والمصيبة أننا لم نفهم هذا بعد، ناهيك عن أن نستعد أو نخطط كيف نتعامل معه طالما نعيش بداخله؟!! ولا ندرك أن هذه السياقات مؤثرة على الجميع!!!
والمصيبة تزداد مع تآكل السياقات والمساحات الإنسانية التي كانت راسخة وفعالة ومؤثرة مثل: الأسرة والمسجد أو الكنيسة وشلة الأصدقاء وجماعات الاهتمام والهوايات، وحتى الجماعات الأيدلوجية التقليدية بمحتوى ديني أو فكري ثوري أو محافظ!!!
وفي نفس الوقت الناس تتغير ، نحن جميعا نتغير بأسرع و أعمق مما ندرك أو نتصور أو نتناقش، والجميع متورط شاء أم أبى، كلنا نعيش في هذه المدن التي تتسع وتتوحش، وكلنا نعمل في وظائف ربما لا تنتج شيئا ولا تشبع نفسا ولا تحقق إنجازا يذكر.
علاقاتنا بمن نحب وبمن حولنا وبمن نربي تتغير وتتقلص فيها مساحات الإنسانية الحقيقية الحميمة لصالح الاتصال الرقمي والاستعراض الشخصي أو الجسدي لجذب الانتباه وإثارة الدهشة والإبهار كما التلفاز!!
أحتاج ويحتاج الجميع إلى العقل والتفكير أكثر من أي وقت مضى، وإلى الحوار المفتوح المستمر عبر كل الوسائل في كل الأوقات بديلا عن لغو واسع وضجيج منتشر يبدد طاقة الناس، ويلهينا عن التساؤلات الأهم
واقرأ أيضا:
على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات/ على باب الله: في انتظار خديجة/ على باب الله الثقافة والسياسة/ حليم وصفوان وفساد الزمان/ على باب الله في زمن الموبايل 25 /3