ردا على ملاحظات بعض الكتّاب العرب بشأن حلاقة الشوارب
مؤكد أن التغيرات التي تنجم بالعراق لها تأثير مباشر وغير مباشر على الشعب العربي، لاسيما وأن المجتمع العراقي كان محجوب عن الفهم والذهنيّة العربية منذ أربعة عقود، أي منذ فترة طويلة. طيلة هذه المدة، كان هناك وجه واحد للعراق عند العرب، وهو بلد تعيس، غارق بالحروب وأهله غير معروفين، وإن التقى العرب بعضهم - من خلال البعثات العلمية أو العسكرية - فيكونون من أنصار الحكم البعثي، وذلك لأن السلطة العراقية كانت تفرّق بين غالبية الشعب العراقي، ولذا صادف العربي مئات الأشخاص من الرمادي أو الفلوجة أو الأعظمية أو راوة أو الدورة، وظن أن هؤلاء هم الشعب العراقي ولا يوجد غيرهم، ولكنه لا يدرك أن هؤلاء هم عينة وأقليّة متواطئة مع حاكم طاغية يقتل ويستبيح حرمات الله.
التغير المفاجئ بالعراق أزعج العرب، وأزعجهم اكتشاف عدة حقائق، أهمها أن الشعب العراقي - الذي لطالما تغنوا بعروبته - من طائفة مغايرة لهم، والأدعى للغضب أنها طائفة مشوّهة إعلاميّا من خلال جهود ملوك النفط ونزاعهم مع إيران، والذين هم قطب فيه لما لأمريكا من إرادة بالمنطقة. وأندهش العرب أن الجيش العراقي القوي الشهير يتألف من الشيعة هؤلاء، مما أثار حفيظتهم و غضبهم و عدم رغبتهم بالتصديق.
يحتل الأمريكيون العراق، ويدرس الشعب العراقي قراراته، ويتوصل إلى أن أي مقاومة مسلحة هي عديمة النفع بحال عدم التمكن من بناء نواة الدولة، لأنه (وبأحسن الحالات المرجوة) وإن خرج الاحتلال بالقوة العسكرية، فهذا لن يمنع من تحطم البلاد تحت سطو المافيات والعصابات وخروقات القانون، هذا إذ استثنينا أن الاحتلال لن يستغل هذه الظروف لصالحه. وبعد فترة، تدخل كل الأحزاب والتكتلات السياسية العراقية البرلمان، ويتفق الكل على خطة المقاومة العراقية الحكوميّة، والتي تتلخص بالآتي:
1- تكوين نواة الدولة.
2- الإمساك بزمام الأمن الداخلي.
3- العمل على جدولة الإنسحاب الأمريكي و البريطاني.
نقاط سهلة وواضحة هي، أدت بأن يتفق الكل عليها دونما أي استثناء من شرائح الشعب العراقي، الذين أجتمع ممثليهم في القاهرة على طلب من الجامعة العربيّة، ورغم هذا، مازال الإنسان العربي منزعج من الوضع ككل، ومازالت الحكومة العراقية بنظره تحمل طابعا طائفيّا واحدا، وبالتالي تستحق هذه الطائفة الشتم. ومازالت العقلية العربيّة تؤمن أن العنف هو الطريق الوحيد لنيل المُراد، وإن كان هذا العُنف صفقة خاسرة ومدمرة بحق ذواتنا قبل أيا كان.
لا عجب إذن أن يصفق العربي لانتحاري عربي آخر يفجر نفسه أمام جوامع تلك الطائفة، أو أن يفجر نفسه بالفلوجة أمام شبان متطوعين للجيش أو أن يلغم سيارة بالأعظميّة أو الرمادي أو كربلاء أو الموصل أو السُليمانيّة. ولا عجب أيضا أن يصف العقل الجمعي العربي ما يحدث بالعراق على أنه مؤامرة على شعبه، دون أن يتذكر أن العراق - ببساطة - يحل مشاكله الحقيقية التي جمدت منذ عام 1916، وأن أقطارهم - هي الأخرى- مليئة بهذه المشاكل، والتي نذكر منها مشكلة الوحدة الوطنية بمصر، ومشاكل الفساد والكراهية الاجتماعية بالمجتمع السوري بين بعضه، وكذلك المشاكل العشائرية بالكثير من أقطارنا. وإذا كان التفجير وسط الأبرياء مقبول، وإذا كان مقموع كالزرقاوي بطل عندهم، وإذا كانت انتخابات يخرج لها ملايين البشر غير شرعيّة، وإذا كان قتل الشرطة والجيش غدرا مسموح عند هذه العقول، فبأي حق تنتظرون منهم أن ينصفوا قضيّة جدّ بسيطة كحلاقة الشارب؟ وبأي سانحة من ضمير يمكن أن نحاججهم بنزاهة المصدر المدعو بالجزيرة، حيث أن صاحبها القطري متزوج من امرأة إسرائيليّة؟
هؤلاء يستحقون تعاطفنا ونوايانا الجادة بأن نوضح لهم أن العراق ليس مزرعة للزرقاوي كي ينشأ له إمارة عليها، وأن العراق ليس زمر إرهابيّة بعثية تتاجر باسم الوطن، وأن العراق ليس أسماء أفراد ولا مدن مدمرة، وأن العراق ليس جندي بلا شوارب وآخر بشوارب. يجب أن نفهمهم أن العراق ثالث أكبر طاقة على تصدير النفط بالعالم بعد السعودية وإيران، وأن العراق أول احتياطي نفط بالعالم، وأن بالعراق تأست أولى لُبنات القصيدة الحديثة، وأن بالعراق كتب اليهود كتبهم، وأخذوا ليومنا هذا كتابة أسلافنا. وأن بالعراق أول جامعة عربيّة وأقدم جامعة بالتأريخ (الجامعة المستنصريّة) البشري المعروف.
أن العراق ليس مدن مخرّبة، بل روعة وشعب متنوّع ومسالم ومتعايش رغم محاولات الاغتيال التي يتعرض لها من قبل هؤلاء العرب وعقولهم البسيطة، أو من قبل المحتل وأنصاره من ماسونيين وصهاينة، لذا، لو كانت القضية على الشوارب لهانت، ولكنها ليست كذلك.
*اقرأ أيضاً:
حنين وطن، وأحزان/ المسلمون وتفجيرات لندن/ من الكناني إلى بثينة كامل/ مذكرات رجل ما (1)/ حول مفهوم العلمنة وخطاب مجانين/ نقد "مواقف مؤثرة 2"مشاركة/ وضع شبابي أن تكون شابا عام 2005