جنـازة حارة
وحــدوووه
لا إلـــه إلا اللـه
توقف يسأل: هو مين...؟
هز الرجل الجالس كتفه.. الجرايد بتكتب كل يوم عن وفاة الأستاذ سمير الكبير..
.. سمير مين...؟ ما أنا سمير كمان...!
..يا خبر بفلوس..
ومضي سمير في طريقه خطوات ثم استدار عائدًا والشك يراوده، وهو يكرر السؤال.. متى حدث ذلك...؟
نهض الرجل وهو ينظر في ساعته..صاح: النصاب.. فين العقارب.؟
حملق سمير مذهولاً والآخر يندفع مبتعدًا..
التقط الجريدة.. لقد ترك زوجته تعاني من صداع مزمن.. ست أميرة صابرة وراضية، دائمًا تسأل عن عمارة مصر الجـديدة المرهونة.. تنهد مهما حدث فهي أم الأولاد..
طافت بذهنه صورة ابنه الكبير، والذي قطع اتصالاته بعد تفجير مبني التجارة بنيويورك.. تنهد.. فرصة لهـذا الوغد ليتهرب من إرسال الدولارات.. كان استمرار مشروع المزرعة يحتاج لهـا.. تمتم يا بني كل حاجة علشانكم.. خليك جنب الحيط، فأمريكا ليس لها كبير..
قطعت حكاية ابنته مع زوجها العربي أفكاره، لقد أغلق المصنع بعـد انسحاب زوج الابنة وشريكه.. لكن أن يكون قد..
هل يقطع مأموريته ويعود للمنزل.. وماذا سيقول لعروسه..؟
طوي الجريدة تحت إبطه.. أزاح كيس التفـاح إلي الجانب الآخر، وواصل طريقه يحلم بساعات تجديد الشباب.. توقف..
.. ربما يكون الخبر في صفحة الحوادث.. طوي نصف الصفحة العلوي.. الحمد للـه كل المصايب بعيدة عن العائلة..!
شعر بالجوع فأخرج تفاحة وراح يلتهمها بتلذذ وهو يتابع سطور الجريدة.. توقف عن المضغ وقد تصلبت يده، وتحجـرت نظراته أمام صورته المنشورة.. تحي الأسرة الذكرى السنوية مساء الخميس القادم..
***
مطبات
.. الترعة معاك يا ريس..
كلاكسات ثم توقفت السيارة.. ونزل الراكب أبو طاقية
.. ركاب آخر عكننة.. لابس الحتة الزفرة والطاقية البيضا وساكن ع البر التاني.. وتلاقيه شايل بلهارسيا حليم..
.. وانت مالك يا أخي كل واحد حر..
.. مع أدخنة السجاير وروق بالك يا عم الأسطي والتماسي رايح جاي انطلقت السيارة في طريقها..
-علي مهلك يا سيدي معانا أطفال..
- اللي مش عاجبه ينزل.. !
-والا يركب تاكسي، أضاف الراكب بجوار السائق..
وأطلق السائق صفيرًا متواصلاً على الرابع وبدون فرامل..
- أول المطب يا أسطي..
-لعلمكم يا أفندية العربية نص مسافة.. البنزين ولع والميكانيكية فتحوها بحري وسلم لي ع الديمقراطية..
-ارفع البنديرة والباقي ع الغاوي ينقط بطاقيته..
-خليها بالدولار واللي مش عاجبه يركب الحمار ويدلع طاقيته..
ويعلو الصوت.. طاقيته.. طاقيته..
-المطب اللي جاي يا أسطي..
- يا يا يا أسطي
ضغط علي الدواسة بشدة فزعقت الفرامل وتخطت السيارة المطب ثم سكنت مكانها مع أغلظ الأيمان بعدم التحرك خطوة..
..انفتحت الأبواب مع سيل الشتائم المنهمر للزمن والحكومة والأهالي والسيارات القديمة والسواقين نص الكم و.. بينما انهمك السائق في قضاء حاجته في الترعة..
***
زحمـة
.. تسابق الركاب في الصعود، فانطلقت علبة السردين في طريقها، وتابعها بسيل من قذائف السباب التي يعاقب عليها القانون..
صدي الصوت الساخر لا يتركه
-القانون زيه زيك يا بالونة الهواء..
-لكن من يفصل القانون يتغير حاله يا سادة.. ولعلمكم الهواء أصبح لا يحتمل المزيد من التلوث..
تحرك يبتعد عن الحفرة.. رائحة الزبالة لا تطاق..
قال صديقه ما هذا التلوث المفتري عليه.. إتفرج يا سلام..
لم يصدق إعلانات الفضائية اشتري شمَّة والتانية مجانَا..
عبث بجيوبه.. التقط ورقة من على الأرض..
حبة فياجرا يا غلبان وما تسألنيش.. اتصل برقـم..
حك ذقنه ودعك أنفه وأغمض عينيه..
قالت فتح عينك يا حبيبي.. الحلو ما يكملش..
-عايزة أغير أسمي.. طب جربيني الأول..
.. ضرب كفا بكف..
عندما ذهبت لأغير أسمي رفع رجل السجلات حاجبه الأيسر قليلا وهو يشير بيده إلي الطابور الممتد خلفي، فأقسمت له أني يميني رجعي..
-قبل أن تستغرق في الحلم يا شاطـر يجب أن تدفـع حقـوق المصنفات الفنية..
-ولكني لا أغني إلا في الحمام.. هل للنظافة ضريبة..؟!!
-قالوا زمان النظافة من الإيمان..
وال.. تالا تالا لا لا من النسوان، تالا تالا لا لا وأكل البادنجان تالا لا.. ودحرجة الرمان تالا لا لا والواحد بقاله كتير خرمان.. خرمان.. خرمان..
-آه.. فتح يا شيخ..
-لا مؤاخذه.. انت شكلك واقف نايم..
-شوف حالك يا أخينا واتكل علي اللـه..
-شكلك غلبان صحيح.. انت رايح فين.. ?
- مستني الأوتوبيس ياخرمان.. !
-عيب يا بني دا لسه معدي..
-طبعًا شايفه بس زحمة..
-انت شباب.. يا ترى مشوارك بعيد.. ?
-أنا باشتغل في شارع الرحمة سابقًا..
-اللـه دا الشارع اللي بعد اللي جاي يمين..
-ما أنا عارف يا خفه
فغر الرجل فاه
انطلقت ضحكته تجلجل وأضاف بسرعة..
-النهاردة الجمعة يا سيد
ما زال فم الرجل الآخر مفتوحًا..
أدار كلاهما ظهره وهو يتمايل..
زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة ولا حدش رحمة
تارا تارا لا لال تارا.. مولد وصاحبه غايب..
***
الشربيني المهندس
عضو اتحاد الكتاب
واقرأ أيضا:
العودة من المنفى: درويش، ذلك الشعر الآخر/ نازك الملائكة والشعر الملحمي/ تعتعة:الحلم والشعر والواقع والسياسة/ حتى آخر الصلصال/ كوفاد/ حيث في كلّ خطوة قمر مكسور/ محاولة أخيرة لقهر الزمن/ نصف روح!/ قصص قصيرة جدا