استيقظ عبد القوي فزعًا على صراخ ياسمين يدوي في أرجاء المنزل صائحة بصوت جهوري امتد صداه لميدان التحرير: إنت مافيكش فايدة يا راجل هوا إيه يعني؟ مش قادرة أحكم عليك؟
وهنا شعر عبد القوي أنه قد ارتكب أمرًا جللاً فانطلق مهرولاً من غرفته هاتفًا دون أن يعطي لنفسه الفرصة لكي يدرك ما إذا كان يحلم أم لا: إ إ إيه يا ياسمين في إيه؟
- هوا أنا مش قلتلك تجيب التموين؟
تسمر عبد القوي للحظات فاغرًا فيه يحاول أن يستوعب وقد أدرك عظم الجرم الذي اقترفه في حق نفسه فتحجرت الكلمات في حنجرته إلى أن انطلقت هذا الكلمة منه بصعوبة... "نسيت"..
- نسيت ليه يا خويا تكونش بتحب ولا تكونش بتحب؟؟
- لا والله أ أ أصلي أتأخرت في الشغل و.. وأنا راجع لقيت الجمعية قافلة.
- قفلوا في وشك باب الإستقبال في مستشفى القصر العيني إن شاء الله.
- إهدي يا حياتي طيب هنزل أجيبو دلوقتي (بالطبع ياسمين ليست حياته على أي حال ولكنها محاولة كي يدفع الأذى عن نفسه يحاول أن يداعب أوتار أنوثتها الضائعة فلعل وعسى تهدأ ثورتها التي تماثل ثورة المرحوم أحمد عرابي).
واستطرد عبد القوى في حماس: ثواني أغير هدومي
- وتغير هدومك ليه هوا أنا ملاحقة عليك غسيل إنزل كدا
قال وهو يغمغم: حسبي الله ونعم الوكيل .
- بتقول حاجة؟
- بقول حاضر حاضر
خرج عبد القوي من باب شقته ليجد جاره الفضولي الذي كان يسترق السمع.. وما أن رآه خارجًا من باب بيته حتى تظاهر الآخر بأنه خارج أيضًا.. وقال:
على فين كدا يا عبد القوي؟
- رايح أجيب التموين
- على الصبح كدا هوا في حد فاتحلك دلوقتي؟
- منتا عارف بأه مزاج شاي الصبحية والسكر والشاي خلصو من البيت
- طب مش كنت تغير هدومك يا راجل حد بردو ينزل بالبيجاما؟؟... هيــه فين عبد القوي بتاع زمان شياكة إيه وبرفانات إيه..
- اكمني بس مستعجل
(قالها بحزن يحاول اخفاءه وهو يشعر بالحسرة على نفسه وعلى حاله الذي آل إليه وكأنه كان بناية شاهقة أطيح بها في زلزال أكتوبر)
الجار ساخرًا: ربنا يعينك على ما ابتلاك
ألقى عبد القوي بنفسه إلى درجات السلم وهو يحدث نفسه بحنق.."خليتي اللي يسوى واللي مايسواش يتريق عليا منك لله يا ياسمين إذا كنتِ قوية ففيه اللي أقوي منك"
وفي طريقه دار شريط الذكريات القديمة في عقل عبد القوي وتذكر كيف كانت أيام خطوبتهما وكيف كان ينهل من نهر الحب والحنان وكيف كانت ياسمين اسمًا على مسمى إلى أن كتب الكتاب وعلي الجواب حتى انقلبت ياسمين إلى شجرة زقوم بل وشجرة جميز أيضًا..
كان عبد القوي ضعيف البنية وعندما هم بالزواج أصر على أن يتزوج بمن تناسبه حجمًا وعندما رأى ياسمين حتى دق قلبه فرحًا وانشرح صدره طربًا لرشاقتها.. وصور له عقله المريض أنها ستظل محتفظة برشاقتها هذه.. ومع مرور السنين كانت ياسمين تتمدد عرضًا بشكل عجيب ضاربة كل قوانين علم البيولوجي والفسيولوجي وعلم الوراثة أرضًا..
تزداد بسطة وسعة في الحجم يومًا عن يوم وكأنها فلز نادر يتمدد بكل من الحرارة والبرودة معًا..
وعندما وصل إلى الجمعية الاستهلاكية وجدها لم تكن بالطبع قد فتحت أبوابها للجماهير بعد فالساعة لا تزال السابعة والنصف صباحًا
وتراجع يجر أذيال الخيبة يقدم خطوة ويؤخر مائة يحدث نفسه طول طريق العودة إلى البيت.. هقول إيه لياسمين دلوقتي؟ أقول إيه يا ربي؟ أقول إيه يا ربي؟؟؟؟
يااااااااه مروحش كدا ألاقي البيت متسهمد على اللي فيه ولا أروح ألاقي أنبوبة البوتاجاز مفرقعة فيها؟؟
يا سلام بقا لو وقفت في بلكونة المطبخ المهدودة يقوم تقلها واخذ البلكونة ونازل بيها..
وارتسمت على شفتي عبد القوي ابتسامة فرح وهو يتخيل أصوات الجيران وسيارات الإسعاف إلى أن قطع استرسال أفكاره صوت جاره قائلاً له: إيه يا عبد القوي مجبتش التموين ليه؟ استلقى وعدك يا حلو....
يا عيني ع الرجالة
استشاط عبد القوي غضبًا وضخت دماء الرجولة في عروقه بشدة وصمم أن ينتقم لرجولته المهلهلة ويستعيد سيطرته المدمرة..
واستجمع كل ما لديه من قوة وواجه ياسمين قائلاً: الجمعية قافلة
- شويا ويفتحوا ياخويا ماستنتش لما تفتح ليه؟
- أستنا إيه أنا عندي شغل
- شغل؟؟؟؟؟؟ شي لله يا شغل إنتا فاكر المتين ملطوش اللي بيجبهملك الشغل دول حاجه؟
هنا فقد عبد القوي سيطرته وفلت منه الزمام وقال: إنكتمي بأه كفاية مستحملك ومستحمل قرفك تلت سنين
وانطلقت من ياسمين شهقة عالية واتسعت عيناها وتطاير الشرر منها.... "إنتا بتقول قرفي يا عبد القوي؟؟؟"
وارتعدت فرائص عبد القوي رعبًا فيكفي من ياسمين أن تريح كفها على كتف عبد القوي حتى يسقط صريعًا
وحدث عبد القوي نفسه قائلاً: إثبت يا عبده تماسك دا إنتا راجل دافع عن روحك خير وسيله للدفاع الهجوم
إديها ماترحمهاش ......هجوووووووووم
وبغل الثلاث سنوات المنصرمة انطلق عبد القوي بكل قوته التي حركها هذا الغل الدفين تجاه ياسمين ليدفعها بعيدًا عنه ولكن هيهات هيهات فكأنها وتد في الأرض أو حجر فما كان من حركته الهوجاء التي قام بها دون تفكير في عاقبتها -وكيف يفكر وقد سلبته سنون زواجه من ياسمين عقله- إلا أن اصطدم بياسمين وأطاح به رد الفعل ثلاث أمتار ليسقط مغشيًا عليه..
وبدأ عبد القوي يتفاءل بأن يكون الموت أدركه أخيرًا واستراح من ياسمين وجبروتها ورائحتها
إيه دا إيه الريحة دي ... بصل !!؟ ياسمين؟؟
أنا فين؟؟؟؟ أعوذ بالله هي ورايا حي وميت؟؟؟؟
- فوق يا مدهول عايز تجيب لي مصيبة؟؟ فوق مش جاي تموت إلا على إيدي
- آآآآآآآآآه يا ليتني كنت مت دا الثعبان الأقرع أرحم منك يا وليَّه
وإلى لقاء يتجدد
واقرأ أيضاً:
عِندَ السقوطْ ! / رسائلُ إلى ريم / وجوهٌ شتي !! / حَــيْـضٌ ! / بِـلالُ العِشقِ ! / مَعْـشوقَةُ الأحزانِ !! / أعظَـمُ منْ حبٍّ ! / الرأسُ القُطْنِـيَّهْ ! / عفوا يا سيدتي! / ثـورَةُ العشرين !!