على شاطئ بلدتنا الصغيرة، حيث ترتطم الأمواج بصخرها وتعود لتندفع بقوة مرة أخرى، وترتطم وتعود، ويعلو غضبها ثم تهدأ، كطفل صغير وجد أمه أخيراً: أكانت هي الضائعة منه أم هو؟ لكنه وجدها على رمال الشاطئ؛ آثار أقدام صغيرة، لا بد أنه هو، يأتي إلى هنا كل يوم. كنت أقلّب وجهي على الشاطئ علّي أجده، لا أعلم لماذا أحب أن أراه؟!.
وفجأة، حلّ الغمام وملأ زرقة السماء، فغيّر لونها، وتعكّر البحر وعلت أمواجه واشتد غضبه، أخيراً اهتدت عيناي إليه، سررت لرؤيته لكنه كان سرورًا مشوباً بالخوف. وجدته، كعادته، بتلك العيون البنية الجميلة جالساً على أحد الصخور مع مركبته الورقية يسيرها في البحر، لكن اليوم أمواجه عاتية. أمطرت السماء واشتد غضب البحر وهاج كثور غاضب.
وما زال الصغير ومركبته الورقية على الشاطئ. عصف الجو واشتدت الرياح، فحاولت أن آخذه من هنا لكنه أبى، فكررت المحاولة وفشلت في اقتلاعه من مكانه المعتاد وكأنه تمسمر فيه، أخاف عليه من موج البحر العاتي أن يغتال طفولته بسوط من مدّ ويسحبه بعيداً عني، بمياهه التي لا أعرف لها لوناً الآن، لكن لا... غمرته بيديّ واقتلعته من مكانه لكنه نشب مخالبه فيها، تحملت الألم وضممته إليّ حتى لم يكن يستطيع أن يراه أحد. أسمع صوته الخافت وصراخه يعلو: "مركبتي مركبتي!" اهدأ أيها الصغير، فقد ضاعت مركبتك في أمواج البحر، سأعود لأجلبها، "اتركيني، اتركيني"، لا لن أترك فاهدأ، عليك الذهاب للبيت. من شدة غضبه صنع ثقباً في ثيابي ونظر منه، رأى مركبته وقد ابتلعها البحر، فتسربت من جفنيه دمعة ترقرقت على ثيابي، لكن قبضتي كانت أشد من ألمه.
هدأ الجو، انكشف الستر عن الشمس، فعادت تنشر أشعتها على الشاطئ، تسرب من يدي وتمكّن من الهروب ووقف أمامي واستصرختني عيناه، ضممته إليّ بلطف وتركته. لا أعلم ماذا كانت تمثل له هذه المركبة الورقية؛ حلماً رآه يموت؟ أم أملاً وقد فني؟ أم... لا أعلم!. لكنني أردت إنقاذه.
ربما لا يدري الآن، أو يرى ما فعلته خطأ! هدأ وظل ينظر للشاطئ، أينتظر أن تعود مركبته؟ أي سخرية هذه... لكن لا يهم سأرحل، هممت برحيل ونظرت نظرة طويلة إلى الشاطئ، ثم هممت بإدارة وجهي للذهاب، فوجدته يهلل وتعلو ضحكاته فتغمرني.
نظرت، فإذا بمركبته تعود إليه لكن كيف؟ لا أعلم! ساعتها اختلطت براءة الأطفال بأحلام وردية في المنام.
وضعها بين كفيه الصغيرتين ونظر إليها فضحكت وارتسمت على وجهي ابتسامة أمل، لا أعلم من أين أتت، لكني لا أظن أنها سترحل قريباً.
واقرأ أيضا:
زى النهاردة.... سينما مختلف / حينما نسرق الجنس! / للرفيق الالكتروني وجوه كثيرة / حكايتي مع أول سيجارة / يوميات ولاء: أنا والضابط والمرأة العجوز! / يوميات ولاء: ليلة لا تنسى