نهضت الأم من فراشها يائسة من استجابة النوم لها تنظر حولها فما زالت الساعة متأخرة من هذا الليل البطيء فلم يستطع نور الفجر بعد فخرجت من غرفتها لترى أنوار غرفة ابنها مضاءة وتعجبت فصغيرها ينام دائما مبكرا ليستيقظ عند نداء الفجر فأسرعت تفتح باب الغرفة لترى ماذا أرق وليدها وللوهلة الأولى وقعت عيناها على ولدها جالسا القرفصاء على الأرض واضعا رأسه بين ركبتيه ساندا ظهره للحائط كمن يحمل هموم الدنيا فنادته معتصم!! ما بك يا ولدي؟ ماذا يؤرقك؟
وما إن رفع رأسه عاليا حتى ظهرت على وجهه علامات الحزن والأسى فهرعت إليه وجلست بجواره تضمه لصدرها الدافئ تمسح دموعه المتساقطة على وجنتيه وتتساءل بلهفة..... ما بك؟ لما هذا الحزن يا ولدي؟! ولما البكاء؟! فرد عليها بهدوئه المعتاد أنه ما منعك النوم يا أمي وسلبك الراحة أنه الظلم وهنا انفجر الصغير في بكاء ونحيب وتساقطت من عين أمه الدموع ولكنها تماسكت فقد تعودت على تحمل الظلم ومواجهته وهنا قالت بصوت حنون اعلم أن غياب أبيك المؤلم يؤثر فيك وبعده عنا يؤرقك لكن أباك لم يبعد عنا بملكه ولكن فرق بيننا الظلم والقهر وما هي إلا أيام وسيعود أبوك لنا بأذن الله مثل كل مرة أشد عزما وأكثر ثباتا في الدفاع عن قضيته وقضيتنا لكن الصغير قاطعاها قائلا لا يا أمي أنا أدرك ذلك جيدا فقد فهمت منذ نعومة أظافري أن من يدافع عن الحق في بلادي لابد وأن يسجن بل ويهان ويعذب لكن ما يقلقني ويدفع النوم عن جفوني هو مستقبل بلدي لقد رأيت الناس الأمس يا أمي وهم يستميتون من أجل أن يعبروا عن أرائهم حتى النساء لم يصمتن كعادتهن ألم ترى بنفسك كيف سارعوا يتجمهرون تارة أمام حائط الصد المنيع الذي حال بينهم وبين إبداء رأيهم وتارة يتوسلون لهم دون أي جواب حتى طرقت أذهان البعض تلك الفكرة المضحكة المبكية في تسلق أسوار القلاع بالسلالم الخشبية أنه صراعا يا أمي رأيته وأنا مندهش نساء عجائز يتسلقن السلالم من أجل أن يصوتوا للإصلاح رأيت في أعينهم وحركاتهم طيبة شعبنا يحاولوا أن يغيروا ما بأيديهم لكن الظلم والظالمين يمنعونهم من ذلك ضحكت يا أمي من شدة إعجابي ببسالة تلك القلة الثابتة المؤمنة الراغبة في الإصلاح وبكيت لحالهم كيف حولهم الظلم والطغيان إلى أشباه لصوص يحاولون أن يسرقوا حريتهم وكرامتهم ولكنهم لا يستطيعون وبعد تلك المحاولات المستميتة من جانب الطغاة جاءت النتيجة بفوز الإصلاح لكن الظلم يتدخل من قلاعه الحصينة وأبراجه العاجية يقطع أعناق القضاء ويكسر عظامه ويسفك دمه ويستحل شرفه فيخضع قلة منهم غير ثابتة خوفا من الوعيد أو طمعا في الوعد فتتغير النتيجة ويبقى الحال على ما هو عليه إلا أن المتضرر لا يستطيع أن يلجأ للقضاء فقد ضاع إجلاله وضاعت سلطته وبقي الظلم يا أمي إني أريد أن تتحول بلادي إلى مكانٍ لا ينتزع فيه أحد حقوقنا ولا يزور رأينا ويسلبنا أرادتنا ويفرض علينا من لا نريد هكذا أفهمني أبي الإصلاح وهكذا يريد لنا ديننا الذي ارتضاه لنا الله ولهذا رفع أبي وإخوته ورفعنا معهم شعار "الإسلام هو الحل" لكن الظلم لم يتركنا بل منعنا من حقوقنا وعطل دستورنا ودهس كبرياء قضائنا وزور وبدل وهنا راح الولد في البكاء وضاعت علامات الدهشة التي علت وجه أمه منذ بدأ في الكلام فما كانت لتظن أن وليدها الصغير يملك هذا العقل الراجح و تنطلق منه تلك الكلمات القوية وتبدلت الدهشة بفرحة وقالت له يا بني إن ما قلته هو النجاح بعينه وما حدث الأمس هو ما نبغي فليس الهدف مقعد خشبي لكن الهدف أن يعبر كل منا عن رأيه ويبحث عن الإصلاح أننا بهذا يا ولدي نكون قد نجحنا في إخراج تلك القلة من عزلتها التي أرادها لهم الطغاة وغدا ستزداد القلة فكما لم يتعاظم الظلم بين عشية وضحاها فلن يزول بين عشية أو ضحاها وإنما هي خطوات على طريق طويل ربما لن أرى أنا وأبيك ثماره وإن أصبحنا نرى تباشيره في كلامك وكلام أقرانك وهذا ما نبغي جيل العزة جيل لا يقهره الظلم بل يحاول ويحاول حتى يحقق النصر والإصلاح ولا تنسى قول الله سبحانه وتعالى:
"يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون"
إنها البداية وليست النهاية والله يا ولدي لقد خفف عني كلامك الكثير من العناء وأحمد الله أن كلل تعبي وأبيك بأن جعلك الله لنا درة وأسأل الله أن يرعاك وأن يحقق على يدك وجيلك ما لا نستطيع تحقيقه الآن وهنا اكتملت الصورة في ذهن الصغير فحمد الله على نعمائه ووعد أمه أنه لن يتخاذل يوم عن نصرة قضيته وهنا سمعا نداء الحق فقام وقبل يد أمه ليتوضأ ليذهب ليصلي الفجر وهنا رفعت الأم يدها شاكرة الله على نعمته وعلى هبته وداعية لزوجها وإخوانه أن يخفف الله عنهم وهكذا يسير الإصلاح لن يعطله شيء مادام هناك من يعتصم كمعتصم وأمه وأبيه .
واقرأ أيضا:
من مذكرات شابة مجنووووونة.. الجزء الأخير / في مربع ضيق..! / حكايتي مع أول سيجارة / يوميات ولاء: أنا والضابط والمرأة العجوز! / يوميات ولاء: ليلة لا تنسى