في كلِّ فاتحةٍ للقولِ معتبـــرَهْ
حقُّ الثناءِ على المبعوثِ بالبقــرَهْ
في آلِ عمرانَ قِدَمًا شـاع مبعثُه
رجالُهم والنساءُ استوضحـوا خبرَهْ
من مـدَّ للناسِ من نُعْمَـاه مائدةً
عمَّتْ فليس على الأنعـامِ مقتصرَهْ
أعـرافُ نُعْمَاه ما حلَّ الرجاءُ بها
إلا وأنفـالُ ذاك الجــودِ مبتـدرَهْ
به توســلَّ إذْ نــادى بتوبتـِه
في البحـرِ يونسُ والظلماءُ معتكرَهْ
هـودٌ ويوسفُ كـمْ خوفٍ به أمنًا
ولن يروِّعَ صوتُ الرعـدِ من ذكرَهْ
مضمـونُ دعوةِ إبراهيمَ كان وفي
بيتِ الإلهِ وفي الحِجْـرِ التمسْ أثرَهْ
ذو أمـةٍ كدويِّ النحـلِ ذِكْـرُهمُ
في كلِّ قُطْـرٍ فسبحـانَ الذي فطرَهْ
بكهـفِ رحماهُ قد لاذَ الوَرَى وبه
بُشرى ابنِ مريمَ في الإنجيلِ مشتهرَهْ
سمَّاه طــهَ وحضَّ الأنبياءَ على
حجِّ المكانِ الذي من أجلـِه عَمَـرَهْ
قد أفلحَ الناسُ بالنورِ الذي غُمروا
من نـورِ فرقانـِه لمـَّا جلا غُررَهْ
أكابـرُ الشعراءِ اللُّسْنِ قد عجزُوا
كالنمـلِ إذْ سمعتْ آذانـُهم سُـورَهْ
وحسبـُه قصصٌ للعنكبوتِ أتـى
إذْ حاكَ نسيجًـا ببابِ الغارِ قد سترَهْ
في الـرومِ قد شاعَ قِدَمًا أمرُه وبه
لقمـانُ وُفِّـقَ للـدُّرِ الذي نشـرَهْ
كمْ سجـدةٍ في طلـى قد سجدتْ
سيوفـُـه فأراهـمْ ربـُه عِبــرَهْ
سبـاهمُ فاطرُ السبـعِ العُلا كرمًا
فصـادَ جمعَ الأعادي هازمًا زُمرَه
لغافـرِ الذنبِ في تفضيلـِه سورٌ
قد فُصِّلـت لِمعانٍ غيرِ منحصِـرَهْ
شوراهُ أن تهجرَ الدنيـا فزخرُفُها
مثلُ الدُّخَـانِ فيعشِي عينَ من نَظرَهْ
عزَّت شريعتُه البيضـاءُ حينَ أتى
لِمنْ بياسينَ بين الرُّسـلِ قد شَهـرَهْ
في الحربِ قد صفَّتِ الأملاكُ تنصرُه
أحقـافُ بـدْرٍ وجندُ اللهِ قد نصرَهْ
فجـاءَ بعـدَ القتالِ الفتحُ متصـلاً
وأصبحـت حجراتُ الدِّينِ منتصرَهْ
بقافٍ والذاريـاتِ اللهُ أقســمَ في
أن الـذي قالـَـه حقٌّ كما ذكـرَه
أسـرى فنـالَ من الرحمنِ واقعةً
في القـُربِ ثبـَّت فيه ربـُه بصرَهْ
أراه أشيـاءَ لا يقـوى الحديدُ لها
وفـي مجادلـةِ الكفـارِ قـد أزَرَهْ
في الحشرِ يومَ امتحانِ الخلقِ يُقْبِلُ في
صـفٍّ من الرُّسْـلِ كلٌّ تابـعٌّ أثرَهْ
كـفٌّ يسبـِّحُ لله الحصـاةُ بـها
فأقبِلْ إذْ جاءك الحـقُّ الذي قَـدَرَهٍ
قد أبصـرتْ عندَه الدنيا تغابنـَها
نالتْ طلاقًـا ولم يصرِفْ لها نظرَهْ
تحريمُـه الحبَّ للدنيـا ورغبتـُه
عن زهـرةِ المُّلكِ حقًّا عندما نظرَهْ
في نـون قد حقَّت الأمداحُ فيه بما
أثنى بـه اللهُ إذْ أبـدى لنـا سِيـَرَهْ
بجاهـهِ سـالَ نـوحٌ في سفينتِه
سفـنَ النجاةِ وموجُ البحرِ قد غمرَهْ
وقالـتِ الجـنُ جاء الحقُّ فاتبعُوا
مزَّمِّلاً تابعًـا للحـقِّ لـنْ يــذرَهْ
مدَّثـِّرًا شافعًـا يـومَ القيامةِ عن بعثـِه
سائـرُ الأخبـارِ قـد سطرَهْ
ألطـافُه النازعاتُ الضيمَ في زمنٍ
يـومٌ به عبسَ العاصـي لِما ذَعَرَهْ
إذْ كـُوِّرت شمـسُ ذاك اليــومِ وانفطرتْ
سمـاؤُه ودَعَت ويـلٌ به الفجـرَهْ
وللسمـاءِ انشقـاقٌ والبروجُ خلتْ
من طـارقِ الشُّهْبِ والأفلاكُ منتثِرَهْ
فسبـِّحِ اسمَ الذي في الخلقِ شفَّعَه
وهل أتـاكَ حديثُ الحوضِ إذْ نهَرَهْ
كالفجرِ في البلدِ المحروسِ غرَّتُه
والشمسُ من نورِه الوضَّاحِ مستَتِرَهْ
والليلُ مثلُ الضُّحى إذْ لاحَ فيه ألمْ
نشرحْ لكَ القولَ في أخبارِه العَطِرَهْ
ولو دعـا التينَ والزيتونَ لابتدرَا
إليه في الحينِ واقـرأُ تستبنْ خبرَهْ
في ليلةِ القَـدْرِ كم قـد حازَ من شـرفٍ
في الفخـرِ لم يكنِ الإنسانُ قد قدرَه
كـم زُلزلتْ بالجيـادِ العادياتِ له
أرضٌ بقارعــةِ التخويفِ منتشرَهْ
له تكاثـرُ آيـاتٍ قـد اشتُهـرتْ
في كل عصـرٍ فويـلٌ للذي كفـرَهْ
ألم تـرَ الشمسَ تصديقًا له حُبست
على قريـشٍ وجاءَ الرُّوحُ إذْ أمرَهْ
أريـتَ أن إلـهَ العـرشِ كـرَّمه
بكوثـرٍ مرسَـلٍ في حوضـِه نهرَهْ
والكافرون إذا جاءَ الوَرَى طُرِدُوا
عن حوضِـه فلقـد تبتْ يدَا الكفَرَهْ
إخلاصُ أمـداحِه شُغلــي فكـمْ فلقٍ
للصبحِ أُسمعتْ فيه الناسُ مفتخرَهْ
أزكى صلاتي على الهادي وعترتِه
وصحبِه وخصوصًـا منهمُ عشـَرَهْ
صِدِّيقـهم عمرُ الفاروقُ أحزمُهم
عثمـانُ ثـمَّ عليٌّ مهـلكُ الكفـرَهْ
سعدٌ سعيـدٌ عبيـدٌ طلحـةٌ وأبو
عبيدةَ وابنُ عوفٍ عاشــرُ العشرَهْ
وحمـزةٌ ثـمَّ عبــاسٌ وآلُهمـا
وجعفــرٌ وعقيــلٌ سادةٌ خيـرَهْ
أولئكَ الناسُ آلُ المصـطفى وكفى
وصحبـُه المقتدون السـادةُ البررَهْ
وفي خديجـةَ والزهرا وما ولدتْ
أزكـى مديحي ما أُهدي دائمًا دررَهْ
عن كلِّ أزواجِه أرضى وأوثرُ من
أضحتْ براءتُها في الذِّكرِ منتشـرَهْ
أقسمتُ لا زلتُ أهديهمُ شذا مدحِي
كالـرَّوضِ ينثـرُ من أكْمَامِه زَهْرَهْ
مِن كتاب "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب"
للمقري التلمساني قصيدة في "التورية" بأسماء القرآن الكريم
إخواني وأخواتي وأساتذتي الأعزاء.. كل عام وأنتم بخير بمناسبة المولد النبوي الشريف، هذه قصيدة لـ"ابن جابر" تتضمن "التوْرِية" بأسماء سور القرآن الكريم، ومن محاسنه أيضًا البديعية المشهورة؛ وهي المعروفة بـ"بديعية العميان"، ولو لم يكن من محاسنه إلا قصيدته التي في التورية بسور القرآن ومدح النبي صلى الله عليه وسلم.. لكفى! وهي من غرر القصائد، وكُثرٌ من الناس ينسبها للقاضي الشهير عالم المغرب؛ أبي الفضل عياض، ولكنها ترجع للناظم "ابن جابر"...