"... وفتَّحتْ حانةُ القمر أبوابَها للسنابل والأكواخ والنَّخيلِ .. فراح يشرب سرَّها من أنين المناجل في يد الفلاَّح الحزين:"
****
سيّانِ في جَفْنه الأَغْفاءُ والسَّهَرُ نامَتْ سَنابِلُهُ واسْتَيْقظ الْقَمَرُ!
نَعْسانُ يحْلُمُ والأَضواءُ ساهِدَةٌ قَلْبُ النَّسيم لها وَلْهانُ يَنْفَطِرُ
مالَ السَّنا جاثِياً يُلْقى بمَسْمَعه هَمْسًا منَ الوَحْي لا يُدْرَي له خَبَرُ
وأَطْرقَتْ نَخْلَةٌ قامتْ بتَلْعَتِه كأَنَّها زَاهدٌ في الله يَفْتَكِرُ
إنْ هَفَّ نَسْمٌ بها، خِيلَتْ ذَوائُبها أَناملاً مُرْعَشاتِ هَزَّها الْكِبَرُ
كأَنَّما ظِلُّها في الْحَقْلِ مُضْطَهَدٌ صَمْتُ السُّكون إلَيْه جاء يَعْتذِرُ!
الدَّوْحُ نَشْوانُ! فاخْشَع إنْ مَرَرْتَ به فضَيْفُه الْبَاطشانِ: الّلَّيلُ، والقَدَرُ!
كأَنَّ أَغْصانَهُ أَشْبَاحُ قافِلَةٍ غابَ الرَّفيقَان عنْهَا: الرَّكْبُ، والسَّفَرُ
مَبْهورَةٌ شخَصَتْ في الجوِّ ذاهلَةً كأَنَّها لِحَبيبٍ غابَ تَنْتََظِرُ!
أَوْ أَنَّها نَسيَتْ عَهْداً، وأَنْعَشَهَا شَجْوُ الرَّياح فََهَاجَتْ قَلْبَها الذِّكَرُ
أَوْ أَنَّها والأَسَى المَكْبُوتُ في فمها بَنَاتُ وَعْدٍ بها عُشَّاقُها غَدَرُوا
عَجْماءُ تَنْبِسُ كالتَّمْتام عاتبَةً ومِلءُ أَوْفاضِهَا التَّهْوِيمُ والْخَدَرُ
يا ساكبَ النُّورِ لا يَدري مَنابعَهُ لأَنْتَ قلبٌ يَشِعُّ الحُبَّ، لا قَمرُ!
هَيْمانُ تَحْملُ وَجْدَ اللَّيلُ أَضْلُعُه والليلُ تَقْتُلُه الأْشجانُ والفِكَرُ
كأَنَّه زوْرَقٌ في الخُلْدِ رحْلَتُه تَاَّرُه منْ ضفَاف الحُورِ مُنْحَدِرُ
يا طائراً في رُبَى الأفْلاكِ مُخْتَفياً يَمْشي على خَطْوه الأجْفالُ والحَذَرُ
أَرخِ اللئِّامَ، فمَهْما سرْتَ مُحْتَجباً نَمَّتْ على نُوركَ الأسْدالُ والسَّتُرُ
عَلاَمَ ضَنُّكَ بالأَنْوارِ في زَمَنٍ إليكَ يَظْمَأُ فيه الرُّوحُ والبصَرُ!
اَلأَرضُ مَقْتولةُ الأَسرار ساخرةٌ كأَنَّها شَيْخَةٌ بالنَّاس تَتَّجِرُ
تَقَبَّلتْ كُلَّ مَوْلُودٍ بِقَهْقَهَةٍ وقَهْقَةَ اللَّحْدُ لَمَّا جاءَ يَنْدَثرُ
يا طائِفاً لم يَنَمْ سِرٌّ على كبِدٍ إِلاَّ وحَفَّكَ مِنْ أحلامه أثَرُ
تَمْشِي الهُوَيْنَا، كما لو كُنْتَ مُقْتْفِياً آثارَ مَنْ دَنَّسُوا مَغْناكَ واْستَتَروُا
لَيْلاتُكَ البِيضُ والأَيَّامُ تَحْسُدُها عَرائِسٌ عنْ صِباها انْحَلَّتِ الأُزُرُ
سَمِعْتُ سِحْرَكَ في الأَضْواءِ أُغْنِيَةً حَيْرَى تَأَوَّهُ عَنْها الرِّيحُ والشَّجَرُ
وَعَيْتُها ونقَلْتُ السِّرَّ عَنْ فَمِها لِمَنْ أَبوحُ به والنَّاسُ قد كَفَرُوا؟!
آمَنْتُ بالله!كُّّل الكَوْن في خَلَدِي هاَدٍ إليه الْحَصَى، وَالذَّرُّ، والْحَجَرُ
ذَرَتْ عُيونُكَ دمعاً لَيْسَ يَعْرفُه إلاّ غَريبٌ بصَدْري حائرٌ ضَجِرُ
قلْبٌ، كقَلبكَ مَجْروحٌ... وفي دَمِه هاَلاتُ نُورٍ إليْهَا يُنْصِتُ البَشَرُ
إنَّ العذابَ الذي أَضْناكَ في كبِدي من نارِه جَذْوَةٌ تَغْلِي وتَسْتَعِرُ
سَرَى كِلاناَ وَنَبْعُ النُّورِ في يَدِهِ أَنْتَ السَّنا، وأَنا الأنْشادُ والوَتَرُ
وأَشْربْتنا اللَّيالي السُّودُ أَدْمُعَنا وأَنْتَ سَالٍ، ونَفْسي غاَلها الشَّرَرُ!
كأَنَّ وَجْهَكَ في الشُّطآن حينَ غَدَا إلَيْكَ يُومئ ُمن أَدْواحِها نَظَرُ،
مُبَشِّرٌ بنَبىِّ....... ذاعَ مُؤُتَلِقَا على الْعَوالِم منْ أَضْوائه الْخَبَرُ!
الله أَكبرُ! يا ابْنَ الليلِ، يا كَبِداً لم يُضْنِ أَسْرارَها التَّطْوافُ والسَّهَرُا
بكَى الحَيارَى على الدُّنْيا مواجِعَهُمْ وصَرَّعَتْهم بلايا الدَّهرِ والْغِيَرُ
وأنتَ حيْرانُ مُنْذُ المَهْد.. لا وَطَنٌ ولا رَفِيقٌ، ولا دَرْبٌ، ولا سَفرُ
لكِنَّ طَرْفَكَ نَشْوانُ السَّنا، ذَهَبَتْ منَابعُ السِّحْر من بَلْواهُ تَنْهَمِرُ!
****
قفْ مَرَّةً في سَماءِ النِّيلِ، واْصغَ إلى مُحَيَّرِينَ سَرَوْا في الحَقْل وانْتَشَرُوا
قَوْمٌ هُمُ الدَّمعُ والآهاتُ تَحْملُها أَقْفاصُ عَظْمٍ لهم من خَطْوِها نُذُرُ!
كادَتْ منَاجِلُهُمْ واللهُ مُشْرِبُها بَأْسَ الحَديد منَ البَأْساءِ تَنْصَهِرُ!
مَشَوْا بها في مَغاني النُّورِ تحسَبُهمْ جَنائزاً، زُمَرٌ أَنَّتْ لَها زُمَرُا!
جاسُوا الحُقُولَ مساكيناً، جلاَبِيُهُمْ تَوْراةُ بُؤسٍ عليها تُقْرَأُ الْعِبَرُ
يَجْنُونَ أيَّامَهم ضَنكاً ومَسْغَبةً ممَّا أَفاءَ لهم واديهمُ النَّضِرُ
ساءَلْتُ سُنْبُلَهم: ما سِرُّ شقْوَتهمْ ومن غُبَارِ يَدَيْهم مَرْجُكَ العَطِرُ؟
فَمالَ واسْتَرْجَعَتْ عيدانُهُ نَغَمًا يَلْغُو منَ المَوْت في أَصْدائهِ سَمَرُ!
وإذْ بها في تُراب الحَقْلِ نائمةً تَحْكي تَوابِيتَ لم تُوجَدْ لها حُفَرُ
بَكى الْحَصيدُ على أَحزان غارسة مَتَى سيُحْصَدُ هذا الدمعُ يا قَمَرُ؟!
عِندَ السقوطْ! / وجوهٌ شتي!! / عرفت السِرَّ!! / مَعْـشوقَةُ الأحزانِ!!