’’الخطوة الأولى: لا يمكنك أن تصبح إلهاً قبل أن تتوقّف عن الذهاب للتسوّق‘‘.
ذاك كان أول سطر، وقد جعلني أقضي بعض الوقت أتخيل منظر إله يحمل أكياس المعلبات، أو يفاصل بائع الخضار، أو يقف في طابور أمام المخبز على ناصية الشارع. صحيح أن الأخير سيكون إلهاً بروليتارياً، إلا أنني شعرت بخوف هائل يجتاحني. أغلقت الكتيب ووضعته على الكومود كيفما اتفق، أو أياً كان، بسرعة كي أتفرغ لإطفاء المصباح ورأسي مدفون في الوسادة.
لا أدري متى نمت، لكني أدركت ذلك بعد فترة. أكياس فارغة تملأ الغرفة تم استخدامها في التسوق. أركض فزعاً عبر الباب فقط لتكبر الأكياس كلما توغلت في الردهة أكثر. الردهة سرمدية، والأكياس تكبر. عندها تأكدت من أنني قد نمت.
ركلني المنبّه خارج الردهة نحو السابعة صباحاً. تركت الفراش. وبينما كنت أنظف أسناني تذكرت أنني لا أملك بيضاً في الثلاجة; شعرت بالكثير من الهم لدرجة أدهشتني. في الشارع: أفكر أن ابتياع البيض قبل الذهاب إلى العمل مضيعة للوقت. وطالما فكرة اصطحابي إياه إلى هناك، وقضاء يوم حميمي برفقته يرمقني من فوق مكتبي ليست بالضبط الأكثر عملية، قررت تأجيل الأمر برمته إلى لاحقاً.
في التاسعة مساءً كنت أجلس على الأريكة أتأمل الجدار. ألقيت نظرة على ساعة الردهة، ودخلت إلى المطبخ. نسيت كم كان الوقت بينما كنت أشرب، فعدت إلى الردهة لألقي نظرة أخرى. أعدت الكأس إلى المطبخ وتوجهت إلى الفراش معلناً نهاية اليوم. الحادية عشرة: بينما كنت أعيد وضع الكتاب الملقى على الأرض إلى الكومود، تذكرت أنني لم أرَ أي بيض في الثلاجة عندما تناولت الزجاجة، وهو ما يعني أنني، قطعاً، قد نسيت شراء بعضه في طريق عودتي. فتحت الكتاب وأنا أتثاءب. أقرأ أول سطر كي يعيدني إلى السياق الذي قطعته ليلة أمس.
’’الخطوة الأولى: لا يمكنك أن تصبح إلهاً قبل أن تتوقّف عن الذهاب للتسوّق‘‘.
انتفض جسدي بعنف. قشعريرة تصيب عنقي وأكتافي سرعان ما غمرها دفء الدماء وهي تعود إلى أماكنها. مددت يداً مخدّرة لتطفئ المصباح على الكومود.
أتقلب في الفراش.. أحاول أن أركل المشهد من رأسي. أشحذ كل حواسي لأحسم الأمر وأهمس لنفسي أن قد نسيت، قد نسيت..، فقط لأكتشف أن محاولاتي تلك تعيد استدعاء الصورة أوضح. نحو السابعة: أحمل أكياس التسوق التي قضت ليلتها على وسادتي إلى العمل، وسرعان ما أملؤها بالخوارزميات والدوال.. الحديث عن التحول إلى دعم يونيكود كحل سحري لمشاكل حزمة التطبيقات. قررت البقاء في العمل حتى السابعة مساءً.
في التاسعة كنت أجلس على الأريكة أرشف بعض القهوة بينما أحاول عد أصابع قدميّ. سبعة، ثمانية، وأشعر بحضوري يتمدد. أعود لأكتشف أنني قد نسيت أي قدم فرغت من عد أصابعها، فلا أعرف أيها الثامن وأيها الثالث، لأبدأ من جديد. في الحادية عشرة صببت القهوة في الحوض، وبينما كنت أشرب تذكرت أنني لم ألمح بيضاً في الثلاجة. الكثير من الكآبة تظلم بصري.
أطفأت المصباح على الكومود. أغمض عينيّ لفترة أستشعر الدفء. فجأة شعرت بقلبي يخفق أسرع. كأن روحي تحاول أن ترتفع داخلي باحثة عن مخرج فترتطم بجبهتي في فزع. ركلت البطانية وركضت بسرعة أشعر بشيء على وشك الطيران مني، وهل أنهته ضغطة على زر الإضاءة بعثت الضوء من جديد. أجلس مستنداً إلى الجدار. الكثير من الإرهاق، والكثير من الحرارة في الجو. تذكرت الضباب على كوب القهوة بينما أبعد البلل الذي يجتاح جبهتي بكفي. كان التعب قد احتفر لي مكاني فقررت المبيت من باب المجاملة.
نحو السابعة نهضت. قررت أخذ دوش سريع قبل نزولي. كنت قد غيرت خط سيري كي أتفادي الجانب التجاري من الشارع الذي أقطنه. اكتشفت أن الوصول إلى العمل أسرع حينها. على مكتبي: لم أتمكن من إيجاد مكان في رأسي لدس الجداول الستعشرية لعناوين ترويسة البيانات. قضيت اليوم في رسم المستطيلات على سطح المكتب باستخدام مؤشر تحديد الماوس.
قررت العودة في الموعد استثنائياً اليوم. اجتاحني تمدد غريب للرؤية لم ينتشلني منه سوى صوت الجرس الصغير فوق باب المخبز على ناصية الشارع الذي أقطنه معلناً مغادرة زبون ما. انتابتني رجفة قوية وأنا أقف أمامه وقد أفرغ أحشاءه من الزوار واستعد للإغلاق. ركضت، ربما سقطت أو تعثرت مرة أو مرتين. دفعت باب حجرتي. رفعت البطانية وألقيتها على الجدار المقابل. رميت الوسادة في الهواء. اقتلعت الكتيب الذي كان يقبع بين الكومود والفراش. نظرت إليه عاقداً حاجبيّ بقوة. لم يبدُ عليه رد فعل.
في التاسعة كنت أجلس على الأريكة أتأمل الجدار. أشعر أنني فقدت الجاذبية، وأنني أجلس على الهواء. طرقت الباب ودخلت. نظر لي من فوق عويناته وهو يقرأ ملفاً به ورقة وحيدة. سألني عن المشكلة. شعرت أنني أؤدي امتحاناً. الكثير من الخوف أن أخطئ في الإجابة. كنت أومن أنني لو أدخلت أمراً فاحش الخطأ في نظام تشغيل دوس بشاشته السوداء، أن كفاً ستخرج من وحدة المعالجة ترتدي قفازاً أبيض يشبه قفازات الرسوم المتحركة لتصفعني. كنت أشعر بالدماء تحتشد محتجة تحت وجنتيّ تستعد كلما أظلمتْ الشاشة وبدأ المؤشر أمام حرف المحث يرمش عينيه منتظراً في ضجر إجابتي. أخبرته.
في الحادية عشرة مددت يدي إلى داخل الغرفة وأنا أغمض عينيّ. ضغطت زر الإضاءة. دخلت. بدلت ملابسي. وقفت أمام الفراش للحظة. عدت إلى زر الإضاءة، وضغطته ليسود الظلام. ضغطته سريعاً لتعود الإضاءة من جديد. اندسست في الفراش وأضأت المصباح على الكومود. التقطت الكتيب من تحت الوسادة عازماً على متابعة قراءته حسب نصيحة الطبيب. أقرأ أول سطر كي يعيدني إلى السياق..
’’الخطوة الأولى: لا يمكنك أن تصبح إلهاً قبل أن تتوقف عن الطعام‘‘.
شعرت بالراحة تحتشد وتجبرني على فتح فمي لتخرج دفعة واحدة، مرخية توتر أصابعي. سقط الكتيب على صدري متمنياً لي نوماً هنيئاً، بينما علت وجهي ابتسامة وقد شعرت بالخدر يسري إليه.
لا أدري متى نمت، لكني أدركت ذلك بعد فترة. كانت إضاءة الغرفة تعمل يدعمها مصباح الكومود. رفعت يداً لتطفئ المصباح، ونهضت محتفظاً بالبطانية على جسدي. ضغطت زر الإضاءة ليسود الظلام. كان رأسي يطير وكأنه معبأ بالهيليوم. في الطريق إلى الفراش خطرت لي فجأة فكرة أحدثت لي دغدغة أرغمتني على ضحكة قصيرة. أجتاز حاجز الفراش.. فجأة أشعر بروحي تصطدم بسقف رأسي. أنفاسي تتلاحق. من بعيد، أرى إلهاً يجلس إلى طاولة يتناول وعاءً من الخضر المسلوقة.
واقرأ أيضا:
زمن الحب انتهى.. / تحت المطر / خريف لم يرى الشمس / قبل قلبك أحبك.... لأنك / اعترافات امرأة !