في الوقت الذي كان فيه الحزب الوطني مشغولاً بطبخ الانتخابات وتزويرها استبعاداً لكل رموز المعارضة كان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة يزور القاهرة لمدة ساعتين لأداء واجب العزاء لأسرة معلمه المصري "أحمد منصور"، وهو عمل إنساني راق ونبيل، وتكريماً لهذا المعلم قرر الشيخ حمد بن خليفة بناء دار لتحفيظ القرآن الكريم في الدوحة تحمل اسم معلمه. وفي نفس التوقيت كانت لجنة الفيفا تجهز لإعلان فوز قطر في استضافة مونديال كرة القدم لعام 2012م، بعد منافسة شرسة انتصرت فيها قطر على الولايات المتحدة الأمريكية واليابان واستراليا وكوريا الجنوبية .
ولابد وأن حدث فوز الملف القطري يستدعي فشل مصر في استضافة مونديال 2010 م، للعبرة والاستفادة، ويذكرنا بالصفر الذي حصلت عليه مصر إذ لم يصوت لصالحها أحد، بينما حصلت قطر على 14 صوتا في الوقت الذي حصلت فيه أمريكا بجلالة قدرها على 8 أصوات.
لم يكن هذا هو النجاح الدولي الوحيد لقطر فقد سبقته نجاحات كثيرة، فمثلا تمتلك قطر قناة الجزيرة وهي أقوى قناة فضائية عربية على الإطلاق، وهي واحدة من أكثر المحطات التلفزيونية مشاهدة في العالم، وتتميز تلك القناة بالمهنية العالية جداً وبارتفاع سقف الحرية مما جعل عدد كبير من الدول العربية ومنهم مصر يقلقون من هذه القناة ويحاولون عرقلة جهودها وعملها في كشف عورات الأنظمة العربية ويمارسون تضييقات على مكاتب الجزيرة في دولهم بل وربما يغلقونها في بعض الدول. وقد صمدت قناة الجزيرة لكل محاولات التشويه والتضييق وبقيت هي القناة العربية الأقوى وخاصة بعد التضييق الإعلامي في مصر وخفض سقف الحريات قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة مما جعل الإعلام المصري يتراجع ثلاثين سنة للوراء خاصة بعد إيقاف برنامج القاهرة اليوم للإعلامي البارز والناجح والمتألق عمرو أديب والاستيلاء على جريدة الدستور وطرد رئيس تحريرها إبراهيم عيسى ومحرريها الشرفاء، ووضع محاذير هائلة أمام البرامج الحوارية مثل برنامج العشرة مساءً وبرنامج تسعون دقيقة وبرنامج بلدنا بالمصري وغيرها من البرامج والقنوات.
وعلى المستوى التعليمي قفزت قطر قفزات هائلة في العقود الثلاثة الأخيرة (التي تدهور فيها التعليم في مصر تدهوراً شديداً) حيث أنشئت مدارس وجامعات ذات مستويات جودة تعليمية عالية، وبدأت الكثير من الجامعات الأمريكية والكندية تفتح فروع لها في قطر مثل جامعة تكساس وجامعة كارنجي ميلون، وجامعة كومنولث فرجينيا، وجامعة جورج تاون، وجامعة نورث وسترن، وكان هذا ترجمة لسياسة البلاد الانفتاحية وخاصة بعد إنشاء المدينة التعليمية في قطر. إضافة لذلك فقد رحبت قطر بأفكار الدكتور أحمد زويل لبناء قاعدة علمية عالمية في قطر (بعد أن تعثر ذلك المشروع في مصر بسبب البيروقراطية الحكومية وأسباب أخرى).
وفي المجال الاقتصادي حققت قطر قفزات هائلة أدت إلى تحسين أحوال المعيشة للمواطن القطري وإلى انتعاش الاقتصاد وارتفاع معدلات التنمية (في الوقت الذي يعيش فيه 44% من المصريين تحت خط الفقر). وقد نجحت قطر في شراء محلات هارودز الشهيرة ببريطانيا من مالكها المصري محمد الفايد بمبلغ مليار ونصف جنيه استرليني.
وتحتل قطر المرتبة التاسعة والعشرين عالميا بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأثرها على عملية التنمية. واحتلت أيضا المرتبة الثانية والعشرين عالميا من حيث جاهزية القطاع الحكومي في المجالات التالية: أولوية التكنولوجيا في القطاع الحكومي، شراء أحدث المعدات التقنية، وأهمية التكنولوجيا بالنسبة لرؤية الدولة المستقبلية (في الوقت الذي يعاني فيه المصريون من توحش البيروقراطية والفساد في جنبات القطاع الحكومي مما يجعل الحياة في مصر شديدة الوطأة إلى الحد الذي يدفع إلى العنف والانتحار بشكل زائد).
واستضافت قطر العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ومنحته الجنسية القطرية بعد أن ضيقت عليه مصر سبل الحياة والدعوة على أرضه، وأصبح القرضاوي رئيسا للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو يشكل المرجعية الإسلامية الموثوق بها على مستوى العالم، خاصة بعد السيطرة الحكومية المصرية على المؤسسات الدينية وإضعاف دورها وتأثيرها ومصداقيتها.
هذه هي قطر وهذه بعض نجاحاتها التي ربما لا يعرفها الكثير من الناس في الوطن العربي، ولهذا فوجئوا بفوز الملف القطري في استضافة مونديال 2022 م، تلك الدولة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 11 ألف كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها مليون ونصف مليون نسمة. هي قصة نجاح حقيقية بمعنى الكلمة اعتمدت على استخدام العقل في التخطيط الجيد ومتابعة التنفيذ، وقوة الانتماء وحب البلد لدى القيادة والمواطنين، والجدية في العمل والصدق في الأداء والصبر والمثابرة والطموح العالي.
وإذا عدنا إلى التجربة المصرية في ملف مونديال 2010 م نجد أن من قدموا هذا الملف اعتمدوا على الفهلوة وظنوا أن وجود 40% من آثار العالم في مصر كفيل بأن يسيل له لعاب أعضاء اللجنة لأن تقام البطولة الدولية في مصر، وغفلوا عن أن ثمة معايير منضبطة يتم على أساسها تقييم الملفات، وكلها للأسف غائبة عن مصر، حيث الزحام الشديد في الشوارع والإنسدادات المرورية الخانقة في كل مكان، والتلوث الشديد والسحابة السوداء، ونقص الوسائل التكنولوجية اللازمة لتغطية هذا الحدث، وتردي حال المرافق والأندية، وفقر الإمكانات، واضطراب العلاقة بين النظام وتيارات كثيرة من الشعب المصري يدلل عليها جحافل الأمن المركزي التي تحيط بالجامعات والنقابات وسائر أماكن التجمعات، وضعف الأداء الأمني.
كل هذه الاعتبارات جعلت الملف المصري ينال صفراً كبيراً يفضح كل وسائل الفهلوة والتزييف لدى قطاع كبير من المسئولين في مصر، وهو ما تكشفه نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى بشكل واضح وفاضح يثبت بأن الحياة المصرية تتدهور لأنها حياة مزورة لا تقوم على الصدق، وحياة عشوائية لا تقوم على التخطيط. وإذا أضفنا لذلك تلك العلاقة السلبية بين السلطة والشعب بسبب معاناة الشعب الدائمة من قرارات السلطة التي تخلّلت عن رعايته بل واحتقرته وأهملته، كل هذا أدى إلى حالة من العدوان الظاهر والعدوان السلبي المتبادل وأدى إلى تدهور الكثير من جوانب الحياة المصرية خاصة مع تغول الحزب الوطني واستحوازه على السلطة بشكل مطلق، وتغول السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية، مع تضييق هامش الحرية إلى الحد الذي لا يسمح بإقامة حياة ديمقراطية سليمة ويستبدل ذلك بانتخابات مزيفة تلوث وعي الناس وتزرع في نفوسهم الأحقاد والسلبية واليأس من التغيير السلمي وفقدان الأمل في الإصلاح عبر صناديق الانتخابات.
وأخيرا مبروك لقطر و"هارد لك" لمصر، وقوانين الحياة لا تحابي أحدا.
واقرأ أيضا:
الرئيس الموظف / سلوك القذافي... هل هو جريمة أم مرض؟ / الانشطار الديني وخطر المواجهة الطائفية / ضبط إيقاع العلاقات الإنسانية