قيل الكثير في الفعل الخياني، الجبان، الحقير والغادر الذي استهدف المتضامن الإيطالي (فيكتور أريجوني)، وربطه الكثيرون بتوجيه مباشر من المخابرات الإسرائيلية، على اعتبار إن (إسرائيل) هي الوحيدة، صاحبة المصلحة في تنفيذ هذه الجريمة. وفي الحقيقة أن المرء لا يحتاج أن يكون خبيراً أمنياً حتى يُدرك أنه بغض النظر عن طبيعة الخلفية التنظيمية والفكرية للأشخاص الذين نفذوا عملية القتل، فإنه بمجرد تنفيذها، سيما في هذا الظرف تحديداً فإن هذا يصب بشكل واضح في المصلحة الإسرائيلية. فلا أحد يُنكر مصلحة (إسرائيل) في تنفيذ هذه الجريمة، فعملية الاغتيال الغادرة جاءت تحديداً في ظل استعدادات الحكومة الصهيونية لإحباط تنظيم أسطول الحرية 2 إلى قطاع غزة، والذي تخشى (إسرائيل) من أنه سيُلحق بها أذىً استراتيجياً لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعافى منه، سيما في ظل تراجع مكانتها الدولية في أعقاب إجماع العالم بأسره على إن (إسرائيل) تتحمل وحدها المسؤولية المباشرة عن الجمود في العملية التفاوضية، وفي ظل رفضها مناشدات العالم تجميد الاستيطان. منفذو هذه الجريمـة النكراء يريدون أن يقولوا للعالم، وتحديداً لأوروبا والأوروبيين ـ نيابـة عن (إسـرائيل) ـ إن مئات الآلاف من المواطنين الفلسـطينيين المحاصرين في غزة في ظروف بالغـة القسـوة ـ "غير جديرين بالتعاطف الدولي، وإن هذه الجريمـة تؤكد أن ما تقوم به (إسـرائيل) ضد قطاع غزة وأهلـه ليـس فقط مبرر، بل يتوجب أن يلقى التأييد من العالم الحر"...!!!
ـ فض المتضامنين الأوروبيين
على ما يبدو فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) كان يعي ما يقول عندما قال مؤخراً إن (إسرائيل) "ستعمل كل ما في وسعها" من أجل إحباط تنظيم رحلة أسطول الحرية 2 إلى قطاع غزة، لكن المفاجأة الصادمة أن يتمكن (نتنياهو) عبر أجهزته الإستخبارية من الإضرار بالتحضيرات لتنظيم أسطول الحرية عبر توظيف الساحة الفلسطينية، وداخل قطاع غزة تحديداً. (إسـرائيل) تفترض إن حماس المتضامنين الأجانب، سـيما الأوروبيين للانضمام لأسـطول الحريـة، سيتقلص إلى حد كبير بعد اغتيال (أريجوني). إن اختيار (أريجوني) كمواطن أوروبي ليكون هدفاً للاغتيال لم يأتِ من فراغ، فـ (إسـرائيل) معنيـة أن يقتصر المشـاركون في الأسـطول القادم على المتضامنين القادمين من دول إسـلامية حتى يسـهل على ماكينـة الدعايـة الإسـرائيليـة شـيطنتهم، وسـيما المتضامنين الأتراك، الذين شـرعت (إسـرائيل) في تنظيم حملـة دعائيـة ضدهم، ومحاولـة ربطهم بما يعتبره الغرب "جماعات إرهابيـة"، وبالتالي إضفاء شـرعيـة على اسـتخدام العنف لدى تصدي قوات الاحتلال لمن يتواجد على متن سـفن أسـطول الحريـة.
من هنا فقد نجح منفذو هذه الجريمـة في مد ماكينـة الدعايـة الصهيونيـة بالكثير من الوقود لكي تواصل التضليل والتشـويـه. لقد سارعت إسرائيل لتوظف العملية الجبانة في الزعم أنها تُدلل على أن قطاع غزة لا يمثل بيئة آمنة بالنسبة للمتضامنين الأجانب الذين أعلن المئات منهم رغبتهم في الانضمام لأسطول الحرية.
ـ توطئة للتصعيد القادم
تأتي هذه الجريمة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وهو العدوان الذي جاء كمقدمة لعدوان أوسع على قطاع غزة تُعد له القوات الإسرائيلية العدة، من هنا فإن الصهاينة معنيون بأن يحصلوا على الشرعية الدولية لتنفيذ العدوان القادم. وبالطبع فإن لسان حال الصهاينة يقول: "إن كان الإرهابيون الفلسـطينيون يسـتهدفون على هذا النحو الرعايا الأوروبيين الذين قدموا من أجل التضامن معهم، فهل يسـتحقون أي قدر من التعاطف عندما تقوم (إسـرائيل) بممارسـة حقها في الدفاع عن النفـس كرد على عمليات القصف التي يقوم بها الفلسـطينيون ضد المسـتوطنات اليهوديـة"...!!!؟؟؟ هذا هو المنطق الذي تحاول (إسرائيل) الاعتماد عليه في التوطئة للعدوان الجديد على القطاع، استناداً لتوظيف هذا الاغتيال الجبان. هذه الفعلة الجبانة تأتي استكمالاً لنجاح (إسرائيل) في الضغط على القاضي اليهودي (غولدستون) وإرغامه على التراجع عما جاء في تقريره بشأن جرائم الحرب ضد الإنسانية التي ارتكبتها (إسرائيل) في قطاع غزة خلال عدوان "الرصاص المصبوب"، أواخر عام 2008.
وفي نفس الوقت فإن هذه العملية ستُمثل إحراجاً للحراك الجماهيري العربي والرسمي الذي تحرك لأول مرة بشكل فاعل احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي الأخير، سيما في مصر، لذا لا يمكن النظر لهذه العمليـة الجبانـة إلا كطعنـة في ظهر الجماهير العربيـة التي تحركت في مصر ضد (إسـرائيل) وطالبت بإغلاق السـفارة الإسـرائيليـة في القاهرة احتجاجاً على العدوان.
ـ مسوغات باطلة
المسوغات التي قدمتها المجموعة التي أقدمت على اختطاف واغتيال (أريجوني) لا تنطلي على أحد، فهذه الجماعة أعطت الانطباع أنها تنتمي إلى السلفية الجهادية (مع أن الجماعات التي تُمثل هذا التيار أنكرت أي صلة بالعملية)، وأنها قامت بفعلها من أجل إجبار حكومة غزة على الإفراج عن أحد المعتقلين. وبكل تأكيد أنه من السخف مجرد طرح التساؤل: هل يبرر هذا الأمر اختطاف شخص يحل ضيفاً على الشعب الفلسطيني وجاء لنصرته، وقتله!؟ لأن القتلة، أو من يُحركهم من وراء الكواليس، خطط في الواقع لقتل الضحية لتحقيق الأهداف التي تمت الإشارة إليها فقط.
إن النظام الأردني يعتقل المئات من الشباب الذين ينتمون لتيار السلفية الجهادية "الحقيقي"، ويتعرضون هناك لأبشع الممارسات، ومع ذلك فإنهم لا يلجئون إلى مثل هذا العمل المشين، بل قاموا بتنظيم مظاهرات سلمية تُطالب بالإفراج عن زملائهم، وهذا ما حدث أيضاً في المغرب.
ـ تقصير أمني
ليس من العدل والإنصاف التركيز على أهداف (إسرائيل)، وتجاهل حقيقة أن اختطاف وتصفية المتضامن الإيطالي جاء نتاج قصور أمني فلسطيني خطير...!!! فإن كانت هذه أهداف (إسرائيل)، هل يعقل أن يتم السماح بأن تتحول غزة إلى بيئة رخوة يسهل فيها على (إسرائيل) القيام بمخططاتها على هذا النحو الخطير والذي يُمثل مساً خطيراً بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا!؟
أن حكومة غزة مطالبة بإجراء حساب عسير للنفس والتحقيق في أوجه التقصير، إن وجدت ومعاقبة المسئولين عنها من رأس هرم المؤسسة الأمنية وحتى آخر كادر يمكن أن يُضبط متبلساً بجرم التقصير. أن ما حدث يمثل اختبار قيادة لرئيس حكومة غزة إسماعيل هنية، فهو المسؤول في النهاية أمام الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة عن توفير كل المقاومات اللازمة لبيئة أمنية صحيحة، وعليه عدم التواني في اتخاذ كل الإجراءات العقابية بحق المقصرين.
أن هناك دوماً من سيسعى لإعادة الفلتان والفوضى، بالتالي يتوجب أن تحرص المؤسسة الأمنية على عدم تمكين هذه الجهات عبر استخدام القانون وفرض النظام.
واقرأ أيضاً:
الاستبداد في خدمة الموساد/ وعد بلفور فلسطيني/ إسرائيل تُحاصر تركيا بالتحالف مع دول البلقان/ إسرائيل: البيئة السياسية كحاضنة للعنصرية/ فتوى يهودية بإقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين