أخشى أن المشهد العام الآن في مصر يوحي بأن أقباط مصر يحاولون بشكل جدي ومنظم استنساخ أسطورة المحرقة اليهودية. وأخشى أن ظاهرة "الخوف من الاتهام بمعاداة الأقباط" بدأت تنتشر وتأخذ بالتدريج شكل وحجم يوحي أننا في طريقنا إلى اصطناع نسخة خاصة بنا من أغرب تهمة عرفها التاريخ: "معاداة السامية"!!
الوضع في مصر مقلق جداً ومظاهرات ماسبيرو التي بدأت تكشف تدريجياً عن مواقف و آراء ومطالب وهتافات مثيرة للتأمل..وللقلق أيضاً. وفي نفس الوقت تجد أن الغالبية العظمى من المسيحيين في مصر إما مشاركون في الاعتصامات أو موافقون عليها صراحةً أو ضمنياً بالسكوت..
لماذا لم نسمع سوى أصوات ضعيفة وقليلة هي فقط التي اعترضت على التوقيت أو الأسلوب أو الهتافات العجيبة مثل: "الشعب..يريد..حماية دولية"؟؟ أو على التصريحات الغبية العنصرية مثل المطالبة بإقصاء الإخوان والسلفيين تماماً عن الحياة السياسية؟؟
المتأمل في تصريحات القساوسة أو قيادات تنظيمات ماسبيرو -أو حتى في الشارع- سيلاحظ أن هناك صورة يتم بلورتها بالتدريج ويتم تضخيمها يوم بعد يوم ككرة الثلج لمعاناة الأقباط في مصر. والكارثة أن من يرددون هذا الكلام يصدقون بالتدريج أنفسهم.
إن استمراء تقمص دور الضحية لعبة خطرة جداً -خاصة لو كان هذا الدور متجذراً في ثقافة الشخص الدينية- والمعضلة هنا أن المرء كلما تمادى في تقمص دور الضحية فإنه بالضرورة يزيد من التهم التي يلصقها بالآخر ويزيد بالتالي من العداء الداخلي الدفين نحوه. ومن ثم تزيد حالة الاحتقان والاستقطاب الديني. واضطهاد المسيحيين في مصر يكاد أن يتحول إلى حقيقة من شدة تبني الأقباط للفكرة و تصرفهم على أساسها, وما يستتبع ذلك من ردود فعل تضطرها الأفعال والأقوال إلى السير في نفس الاتجاه!!
(وسائل الإعلام..)
نظرة سريعة على وسائل الإعلام توضح سبب مخاوفي من تنامي ظاهرة "محاباة الأقباط أو الطبطبة خوفاً من الاتهام بمعاداة الأقباط"..
ببساطة لاحظ تغطية الإعلام المقروء أو المسموع لتظاهرات واعتصامات الأقباط وقارنها بتغطية نفس الوسائل لتظاهرات واعتصامات أي فئة أخرى.!!
قارن أيضاً حجم التغطية للجوانب السلبية للتظاهرات مثل الهتافات المتجاوزة لحدود الوطنية ومدى التركيز عليها, مع الهتافات المتجاوزة لأي حدود كانت وقعت فيها أي فئة أخرى. وكمثال بسيط جداً: لو ردد السلفيين هتاف "الشعب يريد حماية دولية" هل كان الأمر سيمر مرور الكرام كما حدث في مظاهرات ماسبيرو؟؟
وعلى الرغم من الفيديو الذي يوضح أن ترديد الهتاف أمام ماسبيرو كان بصورة جماعية إلا أنك تفاجـأ بالإعلام يهون المسألة ويبسط الموضوع إلى أنه مجرد غلطة من قلة مندسة لا يعنون ذلك في الحقيقة!! بالمقابل تجد الفيديو الذي ملأ الدنيا للرجل السلفي في أحداث إمبابة يتحول إلى أن هذا هو موقف "السلفيين" هل الرغم من أن الرجل لا يعبر إلا عن نفسه!!!
مطالب مشروعة؟؟
لماذا يحرص كل تقرير يرصد -على استحياء- تظاهرات ماسبيرو على الـتأكيد بمناسبة أو بدون مناسبة على أن "مطالبهم مشروعة"؟؟ وهل شهدنا اعتصامات فئوية مطالبها غير مشروعة؟؟ وهل كانت وقفات السلفيين المطالبة بتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء مطالبها غير مشروعة؟؟
ومن جهة أخرى: هل الحماية الدولية, وتدخل أمريكا, والحجر على التيارات الإسلامية, وفرض تعديل أو إلغاء المادة الثانية على الشعب "بدون استفتاء" تعد مطالب مشروعة؟؟
لماذا السكوت عن أخطاء الأقباط؟؟
هل كل الأقباط ملائكة؟؟ لماذا لا نسمع انتقادات للأصوات المتشددة من الأقباط كما نسمع طول الوقت انتقادات للأصوات المتشددة من المسلمين؟؟
هل القساوسة ورجال الدين المسيحي لا يخطئون؟؟ أم أنهم يخطئون ولكنهم فوق القانون؟ أم أنهم يتمتعون بحصانة خاصة ضد الانتقاد؟؟
أؤكد هنا أنني لا أنطلق في كلامي هذا من منطلق عنصري أو طائفي ولكن من باب الدفاع عن الحرية والمساواة والعدالة.. أخشى أن نبالغ في نفي تهمة التمييز ضد الأقباط عن أنفسنا فنقع في فخ التمييز الايجابي لصالح الأقباط.. ويجب أن نفهم أن "التطرف" معناه الابتعاد عن الوسط نحو أحد الطرفين.. فالتشدد تطرف وكذلك فإن التساهل تطرف.
ورقة ابتزاز
نحن اليوم نعيش المراحل الأخيرة من عملية اصطناع أسطورة الهولوكوست المصرية تحت أعيننا وسمعنا وبصرنا. وقفنا متفرجين عندما اتهم المصريون باضطهاد الأقباط.. وقفنا متفرجين عندما زعموا أننا نخطف بناتهم ونرغمهم على الإسلام (من يومين فقط مواطنة مسيحية أمام ماسبيرو تقول للتليفزيون أنها تخاف على بناتها من نزول الشارع!!) وقفنا متفرجين عندما تم استغلال كل خلاف بسيط أو طبيعي بين مواطنين -تصادف أن أحدهم قبطي- وتم تحويل الواقعة إلى دليل آخر يدعم نظرية التآمر ضد المسيحيين.. وقفنا متفرجين.. إلى أن صدق كل مسيحي أن باقي المسيحيين مضطهدين -رغم أنه شخصياً لحسن حظه غير مضطهد- والى أن بدأ شعورهم بالظلم والاضطهاد يدفع من حولهم إلى حالة من الاحتقان والاستقطاب.. ووقفنا متفرجين و أقباط المهجر يطالبون أمريكا بالتدخل.. وسكوتنا شجع أقباط الداخل أيضاً على طلب الحماية الدولية !!
والآن.. بدأ استثمار الأسطورة وبدأ استخدامها كوسيلة للابتزاز والضغط على الدولة لتحقيق مطالب "قد" يكون بعضها عادل إلى الآن.. لكن بعد نجاح أسلوب الابتزاز من يدري إلى أين سينتهي بنا المطاف؟؟ ربما إلى دولة يتحكم في قراراتها رجال الكنيسة مدعومين بالحماية الدولية؟؟
شعب الكنيسة.!!
أكاد أتفهم موقف رجال الكنيسة.. فهم قد اعتادوا أن يأمروا "شعب الكنيسة" فيطاعوا وبدون مناقشة لسلطاتهم الإلهية.. هكذا بنيت الديانة المسيحية من عهد بولس إلى اليوم.. والحقيقة أن هذا لم يكن يضايقني طالما كان محصوراً بين جدران الكنائس.. لكن إذا أغرت الحرية والانفتاح رجال الكنيسة على الخروج إلى الشارع وممارسة السياسة واستخدام "شعب الكنيسة" كأداة للضغط.. فهنا لنا وقفة..
الحقيقة أن هذا لابد وأن ينتهي بإحدى طريقتين.. إما أن يخلعوا زي الكهنوت ويمارسوا السياسة كمواطنين عاديين.. ولو لم يحدث هذا فالنتيجة معروفة مسبقاً وتاريخ أوروبا في القرون الوسطى متاح لمن يقرأ.. الثورة على الكنيسة و ولادة العلمانية في أوروبا كانت نتيجة مباشرة لأمر مشابه عندما أغرت السلطة الروحية للكنيسة الكاثوليكية على المسيحيين رجال الدين في أوروبا بأن يبسطوا نفوذهم على الحياة السياسية أيضاً.
صناع الفتنة
لو أنصفنا لقدمنا كل من طالب بالتدخل الأجنبي في مصر إلى المحاكمة بتهمة الخيانة. وعلى رأسهم رجال الدين المحرضين على الفتنة لما لكلمتهم من تأثير على الملايين.. مثل الأب يوساب صاحب الفيديو الشهير الذي خرج علينا باللباس الكهنوتي والصليب ليسخر من المجلس العسكري والحكومة ويصفها بأنها حكومة كي جي تو.. وخاطب المشير بتحدٍ لا يخلو من تهديد.. بل وأعلن التهديد صراحةً -وبصفاقة يحسد عليها- عندما وجه كلامه للشعب المصري قائلاً: "خافوا من الأقباط لأنهم لا يخافون الموت".!!!!؟؟.
ثم يتمادى في الغي ليطالب صراحةً في أكثر من موضع من كلامه بالتدخل الدولي في مصر!!!!
ثم يعود ليتهم المجلس العسكري والحكومة بالفشل والتواطؤ..ولا ينسى التعريض بتزوير الاستفتاء الدستوري السابق. وأخيراً يطالب بلهجة تهديدية بإضافة مواد في الدستور تحصن الأقباط وترفعهم فوق القانون وبإلغاء المادة الثانية دون استفتاء شعبي.!!!
ألا يستحق هذا الشخص أن يحاكم بتهمة الخيانة؟؟ أو على الأقل أن ينتقد كلامه على وسائل الإعلام؟؟
ألا يستحق مثل هذا الشخص أن يفرد له في الإعلام مساحة من النقد -ولو نصف ما أفرد لمشايخ السلفية الذين لم يقترفوا أياً من الجرائم التي اقترفها بمنتهى التحدي والوقاحة؟؟-
أم أن الخوف من تهمة "معاداة الأقباط" أصبح سيد اللعبة الآن؟؟
واقرأ أيضًا على مجانين:
على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية )/ قراءة في أحداث كنيسة الإسكندرية/ ذكرياتي في حارة الكنيسة (2)/ كنيسة القديسين أنا وصديقتي/ أحب مسيحية : رأي مجانين
التعليق: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : أعجبني هذا المقال كثيرا وأتفق معك لأنه حتى ولو كانت هناك فتنة لابد أن تبقى نائمة ونتحد كي نزيلها ولا داعي لإثارتها واشعالها مصر تستغيث وحتى الآن من محاولة إثارة المغرضين للفتن فيها ولي طلب أستأذن إدارة الموقع أن تسمح لي بنشر مقالاتي على الموقع أريد بيان الكيفية التي يمكنني بها إرسال مقالاتي وقصصي هنا على الموقع