أرض التاريخ تخط كل يوم سطر جديد في أطهر كتب التاريخ – كتاب تنير سطوره دماء شهدائنا وجرحانا. إن خروج الجماهير كل يوم ومنذ الخامس والعشرين من يناير، هو الدليل على إصرار الثورة على أنها حية لم ولن تموت ولن تروض لصالح بقاء النظام البائد وأذنابه المنتشرون على أرض الكنانة وخارجها يحاكون فلسفة شمشون في هدم المعبد على رؤوس شعب مصر أعدائهم الطبيعيين. إلا أن ذلك لن يكون لأن التاريخ لا يعود للوراء وعجلة الزمن تسير دائما للأمام.
إلا أنه وجب علينا أن ندرك أن هناك فارقا كبيرا بين إشعال الثورة وإدارتها، فالثورة اشتعلت والنظام قد سقط ولن يعود مهما توهم زبانية جهنم وبقايا ذلك النظام العفن. وبالإضافه إلى أن خروج الآلاف للشارع هو دليل ملموس على ذلك السقوط فهناك عدة أدلة أخرى:
أولها: أن قيود الخوف قد سقطت ولن تستطيع أي قوة مهما كانت إعادة فرضها على الشعب، ومن ثم فلن تحكم مصر أبدا مثلما كان الحال عليه يوم 25 يناير يوم الثورة.
ثانيها: إن الشعب هو شريك حقيقي فعال في ثالوث الحكم، مشاركة كاملة مع عصام شرف والمجلس العسكري، وهو المثلث الذي ذكرنا في مقال سابق ضرورة استمرار التوازن بينه حتى تستمر الثورة في تحقيق أهدافها.
ثالثها: أن محاولات النظام السابق الالتفاف على الثورة لن تنجح لأن أعين الشعب لن تنام ولن تترك لهم الساحة ليعاودوا التجمع للانقضاض على الثورة.
رابعها: أن الحكومة المنتخبة القادمة ستكون ائتلاف حقيقي يمثل كل القوى الوطنية ولن يتاح لأذناب النظام الساقط بالقفز عليها.
وها نحن نخوض في أول مراحل إدارة الثورة، وأعتقد أننا ما زلنا وحتى الآن نديرها بجدارة، حيث كل طرف من الأطراف الثلاثة يقوم بدوره على خير وجه، فالجيش ممسك بزمام الأمور وهو غير ثوري بطبعه، وعصام شرف يدير وزارة من التيكنوقراط عديمي الخبرة، والشعب يوجه الجميع وحين يرى تباطؤا أو انحرافا يثورعن حس وليس عن خبرة.
إلا أننا يجب أن ندرك عدة حقائق سوف أعيد تأكيدها لقناعتي بأهميتها:
أولها: أن الجيش المصري لم يخذل الثورة وأن المجلس العسكري لن يجرؤ حتى على التفكير في ذلك.
ثانيها: أن محاكمات النظام السابق هي ضرورية ولكنها ليست هدفا في ذاتها، ولن تعود بالكثير ويجب أن لا نتوقف عندها كثيرا لأن هؤلاء اللصوص يحاكمون بقانون وضعوه هم ليحميهم.
ثالثها: إنه يجب على الحكومة والمجلس العسكري الاستماع لنبض الشارع المصري فهو الحس الحقيقي ولذا فإنه يجب تطهير جميع مستويات الدولة بقررات وليس بمحاكمات لا تصمد أمام دفاع مبتدئ.
لقد ولد في مصر عصر جديد، ولقد عرفت مصر معنى الثورة ومعنى التغيير بإرادة شعبية، وللثورة حلاوة لا مثيل لها، ولنجاحها بهجة لا يضاهيها شيء، ولقد أنجبت الثورة ولابد من أن ترعى وليدها حتى ينضج، ولكن ذلك يجب أن يتم في إطار من العقل والحكمة والتي يجب أن لا نفقدها.
فالاحتكام للشارع هو جزء من فن إدارة الثورة، ويجب أن تدرك أطراف الحكم الثلاثة أن ذلك الاحتكام يجب أن يراعي الخطوط الحمراء التي يجب أن لا يعبر كل منها خطه وحدوده، فالمجلس العسكري عليه أن يستمع ويحاور وأن يستجيب لصوت الشعب مفجر الثورة كل الشعب وليس قطاعا واحدا منه.
وللمجلس العسكري الحق في أن يرفض أن يتهم بالخيانه، فلو لم يستجب للشعب في 11 فبراير لاختلف الحال، ولقد سطر المجلس العسكري مكانه في التاريخ بخلعه مبارك ورجله القوي –عمر سليمان- ولو أراد المجلس العسكري لاستولى على الحكم يومها، اختلفنا معه أو اتفقنا فهذا ما حدث وتلك هي الحقيقة، ولكن عليه أن يتجنب السقوط في مصيدة تخوين الآخرين.
وعلى عصام شرف ألا ينساق وراء البيروقراطية وألا يستقطب في دهاليز الخطط واللجان، وألا يستجيب لمثبطي الهمم رافعي شعار البورصة، الشعار الواهي الهزلي والذي لا معنى له ولا طعم، فقد ازدهرت البورصه الوهمية حين كانت أموالنا وثرواتنا تنهب.
ووجب علينا نحن الشعب المصري والحاكم الفعلي، أن لا نتصور أن المجلس العسكرى أوعصام شرف سيخون الثورة ولأننا الحاكم الفعلي علينا أن ندرك أن الثورة تختلف عن الحكم وأن هناك مراحل لتحقيق حلم الثورة وأن حلمنا ببناء الدولة الحديثة يحتاج سنوات وليس سته أشهر، فما دمرته العصابة الملعونة في أكثر من ثلاثين عاما لا يمكن بناؤه في ستة أشهر وأنه إن لم نتكاتف جميعا يدا واحدة فلن نستطيع الصمود أمام الفتن والدسائس الداخلية والخارجية وهي كثيرة وعلى رأسها تبادل التخوين وعودة مخطط تقسيم مصر للظهور على السطح.
ولذا وجب علينا أن نتقدم نحو البناء وأن لا نقاطع الحوار مع شريكينا في الحكم وأن لا نستجيب للادعاءات المخربة بإسقاط المجلس العسكري، فلن نكون ليبيا، فالمجلس العسكري والجيش المصري خط أحمر المساس به هو خيانة للثورة .
لقد جعلت ثورة 25 يناير من ميدان التحرير مثالا للثورة في العالم كله وأصبح اسمه يتردد بكل لغات العالم، وتفوق بذلك على هايد بارك والفارق كبيرفهايد بارك هو أرض للخطابه والتنفيس الأجوف الذي يمثل الديمقراطية الغربية، إلا أن التحرير أصبح مثالا لفرض الإرادة الشعبية سلميا.
إلا أن ما يحدث الآن من انقسام بين القوى السياسية قادر على أن يجهض الثورة لو لم نتنبه ونعود لوحدة الصف التى بدأنا نفقدها
لقد رفضنا توقيت وبنود الاستفتاء ولكن ما أن تم كأول تجربة ديمقراطية حقيقية فعلينا أن لا نسقطه، بل وجب علينا أن نتعامل معه كمعبر لأول مراحل بناء الدولة، ذلك لمن أراد المشاركه في بنائها.
لقد بدأ البعض يردد نداء بتأجيل الانتخابات، ويطالب ذات البعض المجلس العسكري بالتنحي وتسليم الحكم لإدارة مدنية، فأين هي السلطة المدنية التي يسلم لها إدارة البلاد. يجب أن ندرك أن سقف المطالب قد بلغ أعلى نقطة يوم رفض الشعب الانسحاب من الميدان قبل سقوط مبارك فسقط ويجب أن ندرك أن سقف المطالب يجب أن يتناسب مع المرحلة. فالإدارة الحكيمة للثورة هي مرحلة اليوم وليس الاستمرار في نشوة إشعال الثورة ولذا فإن بدء العمل والاستعداد لدخول الانتخابات وأيدينا متحدة هو الطريق، ولا ينقص من نجاح الثورة أن نوقف التظاهر ونمتنع عن تصور أن إسقاط المجلس العسكري هو استكمال لإسقاط النظام لأن في ذلك النداء إسقاط لدرع الثورة الواقي وعصب مصر الوحيد والذى إن سقط، سقطت الثورة وسقطت معه مصر، وهذا لن يكون.
23 يوليو 2011
واقرأ أيضاً:
المستقبل الدستوري لصاحب السيادة/ ثورة 25 يناير وعرس الاستفتاء/ حشود الإسلاميين ومخاوف الأوصياء/ باستيل مصر/ منظومة الحرية/ الرؤية المستقبلية لمصر