وجهت الجامعة المركزية الأوروبية في بودابست بعض التوجيهات للثورات العربية تتلخص فيما يلي:
أولاً: إن تسويق الديمقراطية أصبح صعبا الآن مقارنة بما حدث منذ عشرين عاماً في المجر، وبولندا، والتشيك، ففي تلك الآونة تحققت معادلة تواكب الرخاء والديمقراطية معاً، وقد نجحت الولايات المتحدة في تعميم هذه المعادلة. ولكننا لا نستطيع الجزم بصحتها الآن، خاصة بعد نجاح التقدم الاقتصادي في مناخ يسوده الاستبداد كما حدث في الصين، وعلى النقيض لذلك نرى أن التدهور الاقتصادي في الغرب وأمريكا قد أضعف العلاقة بين الديمقراطية والرخاء.
ثانياً: بالرغم من تفوق التكنولوجيا في إنجاح الثورات ضد الحكام والنظم الاستبدادية، فإن تفوقها لم يكن بنفس الجدارة التي تجعلنا نعتمد عليها في بناء ديمقراطية قوية وأسس سياسية سليمة لاستبدال ما كانت عليه الأحوال في الماضي المستبد، ويقال إن ثورة الاتصالات قد خلقت فراغات في الساحة الشعبية، فبدلا من أن تتسع الساحة للنقاش والحوار، أصبح الإنترنت والميديا الاجتماعية هما المقياس لكم المعلومات التي تميز هذه الحقبة، فالفائدة منها واضحة في تجميع الشعوب من أجل إسقاط حاكم أو نظام شمولي وديكتاتوري، ولكن عندما يجتمع الشعب لإرساء مبادئ الديمقراطية الفعالة تظهر هنا الصعوبة جليا في استخدامها والاعتماد الكلى عليهاً.
ثالثاً: يشير أحد قيادات الصحافة النشطة في بولندا إلى أن نجاح ثورات بولندا، والمجر، والتشيك كان يرجع لأملهم في الانضمام للاتحاد الأوروبي وقد عملوا بكل جدية للالتحاق بالناتو والاتحاد الأوروبي، وبعد تحقق الأمل بالانضمام للاتحاد قل الحماس بشكل ملحوظ، مما أصاب عملية الإصلاح بالبطء الشديد.
أخيراً: يقول سوروس، الملياردير العاشق لعمل الخير، إن اندلاع الربيع العربي هو أهم ما حدث في العالم بعد ثورة ١٩٨٩ التي انتهت بتفكك دول الاتحاد السوفيتي، وإن تضحية الشباب لهدف قومي واحد هو حدث تاريخي لا يمكن الرجوع فيه للوراء، ويضيف أنه عادة ما تنتهي الثورات بمأساة لكنها تغير من السلوك الوطني ليرتقى نحو الأفضل، ولكنه يخشى من كتابة نعى الربيع العربي مثلما حدث حين تكاتف الاستبداد السوفيتي ضد المجر والتشيك عامي ١٩٥٦و ١٩٦٨، حتى قامت الثورة الحاسمة بعد ذلك بثلاثين عاماً. كما ينصح «سوروس» الاتحاد الأوروبي بالموافقة على انضمام تركيا لتعطى الريادة وتكون المثل الذي يجب أن يحتذى به في تطبيق الإسلام الوسطى وتفعيل الديمقراطية لكل الثورات العربية، على أن يحتذى أيضا أصحاب المليارات في العالم العربي بحذو «سوروس» في تبنيه لقضية الربيع العربي من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية.
وإذا ما قمنا بتطبيق توجيهات الجامعة المركزية الأوروبية على الوضع الراهن في مصر، نرى أن أهم ما يعوق تقدم الثورة هو الغياب الأمني واتساع الفجوة بين الشعب والشرطة، لذا فإن تمكين الشرطة من أداء واجبها في مصر هو واجب قومي، وتعود أسباب الفجوة التي حدثت بين الشعب والشرطة إلى عدم المساءلة وإحساس بعض أفراد الشرطة بقدرتهم على التعذيب، والإهانة والاستخفاف بحقوق المواطن دون التعرض للمساءلة، نظراً للسلطة التي يكفلها لهم القانون، ولكن الآن وبعد قيام الثورة يجب إرساء مبادئها في تغيير شكل العلاقة بين الشرطة والشعب، فالاحترام وخشية المواطن من الشرطة واجب على أن تظلل هذه العلاقة الخشية والحب وليس الخشية والكراهية.
لم تتدرب القوات المسلحة على حماية المدنيين في القرى والمدن بل تدربت على الدفاع عن الوطن وحماية أراضيه، ولذا فلن يسود الأمن في البلاد إلا بتمكين الشرطة من القيام بعملها. إن مستقبل الاقتصاد والاستثمار والسياحة وتوقف حال الملايين الذين انقطعوا عن العمل لغياب الأمن لن يبدأ إلا بتفعيل دور الأمن. فلن تكون نهضة في أي أمة إلا بسيادة الأمن فيها، والالتزام بالقانون وشرعيته وتنفيذ أحكام القضاء، ولن يتم ذلك إلا بتمكين الشرطة من تطبيق القانون بحزم واحترام للجميع، أما ترويع المواطنين بواسطة البلطجة، وتوهم البعض أن الديمقراطية ستتحقق بانتشار الفوضى وأن يفعل كل واحد ما يحلو له دون ضابط للأمر، وانهيار كل القيم الأخلاقية والقانونية فلن تردعها إلا شرطة قوية حازمة، والكل يطالب بها الآن.
إن حرق وتدمير ٦٠ قسماً للشرطة، والهجوم على السجون في آن واحد وإطلاق سراح المسجونين بها يستحيل حدوثها دون أن تكون وراءها عملية مدبرة ومنظمة، وكما قرأت في «المصري اليوم» وشاهدت على شاشات التليفزيون بثاً لهروب أحد الفارين من السجون المصرية والذي كان ينتمي لحركة حماس، ويعلن وصوله لفلسطين بعد ٨ ساعات فقط من فراره من السجن. لاشك أنه توجد أجندة خاصة تشير إلى المساعدة الخفية من بعض الموتورين من الشرطة الذين خانوا أمانة حب الوطن في سبيل الوصول إلى تلك الأجندة الخاصة. لا يمكن أن نسمح لشرذمة من البلطجية والمجرمين والخارجين على القانون والمستهترين بالتقاليد والأعراف والذين يتبعون مذهب اللذة الفورية أن يروعوا ثمانين مليون نسمة، لذا فإن واجبنا هو الوقوف بجانب الشرطة ومحاولة إيقاف هذا العبث بمستقبل الوطن وردع كل من تسول له نفسه هدر القانون وزعزعة أمن واستقرار البلاد.
إن الديمقراطية تبدأ بالقدرة على الحوار واحترام الرأي الآخر لأن ثقافة الحوار هي أساس الديمقراطية والعدل الاجتماعي وبعد أن كان الشباب في ميدان التحرير قادرين على التجمع بالرغم من اختلافاتهم العقائدية والفكرية، بدأت الآن ردة في هذه الثقافة فنجد كل جماعة لا تستطيع إقناع أو احترام رأى الآخر والكل يعتقد أنه الصائب والآخر هو المخطئ. بل إن البعض وليس الأغلبية يحاول أن يملى أفكاره وعقائده على الجميع وهذا أخطر ما يواجه الثورة، بل إنه قد يقضى على نجاحها. لذا وجب على كل مصري أن يتحمل واجبه نحو وطنه، وأن يبدأ في تعلم الديمقراطية التي تظهر في قدرته على الحوار والالتزام برأي الأغلبية، حتى إن كان مخالفاً لرأيه حتى يستطيع أن يقتنع بالآخر ويقبله رغم اختلافه.
إن نجاح ثورة ٢٥ يناير يعتمد على ثلاثة محاور أساسية هي: الأمن، والقدرة على الحوار والمرونة، وحب مصر دون أجندة خاصة تتبع أفكار مجموعة عقائدية أو أيديولوجية أو اجتماعية.
فدعونا نبنى مصر المستقبل في ظل العدل، والقانون، والديمقراطية، ولنكمل ما بدأنه بثورة ٢٥ يناير تحت رعاية شرطة تحترم المواطن المصري وترعاه، ومواطن يقدر ويحترم دور الشرطة ويلتزم بتطبيق القانون.
واقرأ أيضاً:
حشود الإسلاميين ومخاوف الأوصياء/ باستيل مصر/ منظومة الحرية/ الرؤية المستقبلية لمصر