أثير في الآونة الأخيرة الكثير من الانتقادات لطريقة ملبس زوجة محمد مرسي رئيس الجمهورية، كما انتقد الكثيرون أيضاً قولها أن أحب الألقاب إليها أم أحمد أو الحاجة أكثر من مناداتها باسمها نجلاء. لقد غالى هؤلاء في نقدهم للسيدة حرم رئيس الجمهورية إلى درجة فرضت الرغبة في تأمل المشهد وباستخدام منهج إعادة التركيب وهو أحد مناهج البحث في التاريخ وجدت ما يلي:
أولاً: أن عضوات مجلس الشعب من جماعة الإخوان المسلمين كلهن دون استثناء يلبسن بنفس طريقة السيدة حرم الرئيس. كما لاحظت أيضاً على المستوى الشخصي أن غالبية زوجات أصدقائي من الإخوان يلبسن الخمار الذي ترديه السيدة مع ما يطلق عليه وفقاً لخطوط الموضة "الشوال أو جيب وبلوزة"، تماما كما تفعل السيدة حرم الرئيس.
ثانياً: أن السيدة حرم الرئيس ليست هي الوحيدة التي تفضل بأن تُلقب بـ "أم أحمد"؛ فهناك أم أيمن عضو مجلس الشعب؛ فهي الأخرى فيما يبدو تفضل ذلك، حتى أن كثيرين يجهلون أن اسمها في شهادة الميلاد هو عزة الجرف.
ثالثاً: أنه في الستينات وما قبلها لم يكن الحجاب منتشراً في مصر، ولم يبدأ الحجاب في الانتشار إلاّ في السبعينات مع حكم السادات عندما أطلق سراح أعضاء الجماعة وأعطى لهم ولغيرهم من الجماعات السلفية المساحة بهدف ضرب الناصريين والشيوعيين.
رابعاً: قال محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان في أحد البرامج التليفزيونية معلقاً على انتشار المظهر الإسلامي فقال ضاحكاً أنه بالتدريج سيلتحي المصريون. ثم ضرب مثلاً على إمكانية حدوث ذلك ودون إجبار أو لي للذراع، فقال أن الجماعة عندما بدأت في التخطيط لنشر الحجاب، قامت بنشره في الجامعات بأسعار زهيدة جداً، وبالتدريج صارت الآن الغالبية العظمى من المصريات محجبات.
خامساً: عندما بدأ الحجاب في الانتشار في مصر كان ذلك في شكل الخمار بنفس الطريقة التي تلبسه زوجة الرئيس ونساء الاخوان، وأخذ في الانتشار بسرعة فائقة في الاحياء الشعبية وفي الأرياف لأسباب أهمها رخص سعره ولسهولة وضعه على الرأس ونزعه في ثوان معدودة، ثم لإمكانية وضعه على جلابية البيت للصلاة أو حتى للخروج بهما خارج البيت لقضاء بعض الحوائج. إضافة إلى ميزة أن الحجاب يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال الذي يحتاجه العناية بالشعر في حال عدم التحجب. لهذا كان قول الرافضون للهجوم على خمار السيدة حرم الرئيس بأنها تذكرهم بوالدتهم، وهذا حق فوالدة أياً منهم عندما بدأت في لبس الحجاب كان في السبيعنيات وبنفس الطريقة التي نشره بها الإخوان.
سادساً: واكبت خطوط الموضة النسائية الخمار لتكون متناسقة معه فظهر "الشوال" أو "الجيب الماكس". ثم بدأ الحجاب في التطور وظهرت منه أشكالاً أكثر شياكة وتناسقاً مع خطوط الموضة المعاصرة من "بنطلون" أو "جيب ميدي"، فظهر أولاً "البونيه" وهو أشبة بالكاب الذي يسهل أيضاً وضعه على الرأس وخلعه، ثم ظهر الإيشارب والطرحة بأنواعهما المختلفة، والتي تتسق بشكل أكبر مع خطوط الموضة المعاصرة.
سابعًا: إنتهي الأمر الآن ليكون مكان انتشار الخمار بالأساس في الأرياف والمناطق الشعبية وذلك لملاءمته للوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة هناك، وذلك كما أشرنا لرخص سعره ولسهولة وضعه وخلعة، ولإمكانية وضعه على الجلابية سواء الفلاحي أو حتى في المنزل لأداء الصلاة أو للخروج لقضاء بعض الحوائج التي تحتاجها ربة المنزل.
ثامناً: ظهر النقاب في التسعينيات من القرن الماضي ليغزو المجتمع المصري منافساً أنواع الحجاب التقليدية من خمار وغيره، وذلك بسبب إنتشار الجماعات السلفية الواردة مع المصريين العائدين من دول الخليج النفطي، وتأثرهم بنمط الحياة وبالفكر الديني هناك. وقد أخذ النقاب بدوره في التطور بما يتناسب مع ثقافة المجتمع فظهر الاسدال على الطريقة المصرية بتعددية ألوانه ودون الانتقاب وإخفاء الوجه كما هو الحال في النقاب ذو اللون الواحد الأسود والذي يخفي المرأة تماماً فتصير وكأنها تتحرك تحت خيمة سوداء.
يمكن لنا استخلاص أمرين مما سبق طرحه من ظواهر، أولهما أن لقب "أم أحمد" في تصوري يعبر عن إيمان الجماعة بأن اسم المرأة عورة ولهذا فليكن لها لقب تنادى به غير اسمها. كما أن اختيار لقبها بأن تكون "أم ..." إنما يعد نكوصاً وارتداداً للوراء لما كان عليه الحال قبل ثورة يوليو وإبان أيام حسن البنا، عندما كان كثير من النساء لا يملكن القدرة على استكمال تعليمهن ولا يملكن فرص الالتحاق بسوق العمل في وظائف بدولاب الحكومة البيروقراطي، أو في مهن تحتاج لمستويات عالية من التعليم العالي. فأدى ذلك بأن يكون للمرأة دور واحد فقط تعتز وتفخر به وهو دور "الأم" التي تنجب الأطفال وتقدم لهم أولاً ولزوجها ثانيا الرعاية. ومن ثم كان من الطبيعي أن تحب المرأة وتفخر بكونها أماً فتنعت نفسها بأم أكبر أبنائها وحبذا لو كان هذا الكبير ذكر. لقد أدى هذا الدور بالمرأة المصرية أن لا تهتم بمظاهر أنوثتها بعد الإنجاب وذلك لغلبة دور الأم على دور الزوجة، فاهتمامها بأولادها يأتي في مقام أعلى وأولى من إهتمامها بنفسها وأنوثتها وحياتها الزوجية. الحال كذلك مع الرجل فمازال الرجل يُنعت في كثير من دول الخليج "بأبو فلان" تقديراً مؤسساً على دوره الذكري الأبوي الذي يعلو على وظيفته ودوره الاجتماعي أياً كانت وظيفته.
أيضاً إن رغبت المرأة غير الخليجية عامة وغير السعودية خاصة، كالمرأة المصرية مثلاً في المزيد من التميز فيمكن نعتها بما هو غير متوفر لعموم جيرانها من النساء وبما هو في ذات الوقت أجل وأكرم من كونها أم وذلك بأن تكون "حاجة" تمييزاً لها بأنها قد نالت شرف حج بيت الله الحرام. فهذا اللقب له امتيازه خاصة وأن الحج ليس بالأمر الهين لزيادة تكلفته ومشقته التي لا تتأتي للكثيرين من غير الخليجيين. الحال كذلك أيضاً مع الرجل المصري، فأن تكون حاجاً، فإنه يعني الكثير من التميز مادياً ودينياً.
الأمر الثاني الذي نخلص إليه هو أن جماعة الإخوان لاترى في المرأة سوى أنها عورة، فكما كان اسم المرأة عورة يجب مواراته، فإنه من الطبيعي أن يكون جسدها عورة ومن ثم فيجب عليها أن تخفيه بالخمار. كما ترى الجماعة أيضاً أن صوت المرأة عورة ومن ثم فليتحدث الرجل نيابة عنها، وأكبر دليل على صحة هذا الادعاء هو أن المرأة في الجماعة حتى الآن لا يحق لها التصويت في شئون الجماعة، كما أن الجماعة لم ترشح لعضوية مجلس الشعب من النساء إلاّ ما يكفي ليبعد عنها تهمة اضطهاد المرأة من قبل منظمات المجتمع المدني. وأخيراً فالمرأة المسلمة في مفهوم جماعة الإخوان المسلمين لا تخرج للتظاهر فنضالها داخل البيت، والرجل هو الذي يناضل من باب الجهاد وليس المرأة، وليس هناك أدل على صحة هذا الادعاء أكثر من رفض عضوات مجلس الشعب المنتميات للإخوان من خروج النساء في المظاهرات جنباً إلى جنب مع شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى وصل الأمر لوصفهن لمن تخرج للتظاهر بأنها منحلة، وقد استنكرت عضوات مجلس الشعب خروج "ست البنات" للتظاهر والتي تم سحلها على أيدي رجال الجيش في ميدان التحرير.
يمكننا إجمالاً القول بأن المصريين قد وقعوا الآن بين مطرقة الإخوان وسندان الجماعة السلفية، بين فرض خمار الإخوان كما تلبسه زوجة الرئيس وتروج ضمناً له هي وغيرها من عضوات مجلس الشعب وما يستجد من إخوانيات سيظهرن على الساحة الإعلامية، وبين نقاب السلفيين وارد الخليج النفطي. علينا أن نحذر فقد ينتهي المطاف ليفضل المصريون تحت وطأة الإلحاح الإعلامي واتباعاً لدين ملوكهم خاصة وأنه الأقل كآبة من النقاب. علينا أن نحذر كل الحذر إذ سيسعى مفكروا الإخوان لاستغلال موقف انتقاد الخمار لجلب الكثير من التعاطف مع "أم أحمد" لتصبح خطوط الموضة الحديثة متسقة مع خمارها نكاية في منتقديها.
يبدو أنه كما كان على المصريين تحمل مسئولية تكوين التيار الثالث الذي لا هو مع النظام السابق ولا مع تيار الإسلام السياسي، فإنه سيكون عليهم أيضاً مسئولية دعم التيار الوسطي الاسلامي الذي لا هو مع فكر الإخوان ولا مع فكر السلفيين، ويتطلب هذا من مؤسسة الأزهر أن يكون لها وقفة واضحة لدعم هذا التيار الوسطي، ورفض أي تسيس للأزهر حتى لا نجده يوماً يمتدح خمار أم أحمد وينعته بأنه هو الزي الرسمي للمرأة المسلمة، أو نجده يوماً يخضع لأكاذيب الإخوان من أنهم هم التيار الوسطي للإسلام في مقابل التيار المتشدد السلفي، فكلاهما غير وسطي في تصوري مهما ردد الإخوان من أكاذيب.
أنهي للقول بأن ما يحدث من السيدة حرم رئيس الجمهورية لم يكن عفوياً، وإنما هو سلوك متعمد يجسد فكر الإخوان الذي تسعى الجماعة لنشره في مصر، ليصبح المصريون دون أن يدروا متأخونين، فنسائهم بالخمار ورجالهم باللحية الإخوانية. وقد يأتي يوماً في ظل حكم الإخوان نشاهد فيه المذيعة في نشرة أخبار التاسعة مساءً تقول بأن الوزيرة "أم فلان" قد أدت اليمين الدستورية أمام السيد رئيس الجمهورية "أبو أحمد".
3/7/2012
اقرأ أيضا
دولة الإخوان في مصر وصعود الإسلاميين / قراءة في أول خطاب رئاسي للدكتور مرسي / حكاوي القهاوي
التعليق: أتابعك في مقالاتك وحكاويك منذ فترة ... وحقيقة كنت وكما أزال معجبا بأسلوبك ... اللهم إلا حين ينحرف بك الكلام لتصف أو تنتقد أي تيار من التيارات الإسلامية
فحينذاك تأتي بأبشع وأقصى الأوصاف لا تبالي وهو موقف يبدو أكثر التهابا مقارنة حتى بموقفك من العسكر .....
في البداية بدوت لاذع النقد للسلفيين ووصلت حد التطاول والسباب عبر حكاويك ... والآن أنت تكيل السباب والنقد للإخوان !
لا يخفى على الفطين أنك ذو ميول يسارية إلا أن كل هذا لا يبرر كمية الغل والغيظ الموجودة داخلك تجاه الإسلاميين .... ألا تخبرنا لماذا؟