لست أدري ما هو موقف الذين تطاولوا على الرئيس مرسي في الفترة الماضية وقالوا عنه أوصافا ليست فقط تخرج عن حدود اللياقة المهنية لهم كإعلاميين وإنما تخرج حتى عن الحدود الأخلاقية والقانونية .. ما موقفهم الآن بعد هذه القرارات الشجاعة التي تعبر عن إرادة الشعب وعن روح الثورة الحقيقية. ألمح هذا في الفرحة التي أقرأها في وجوه كل من ألقاهم بعد أن أذيعت قرارات رئاسة الجمهورية بتقاعد المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وغيرهم من القيادات العسكرية, ومن قبلهم عزل رئيس الحرس الجمهوري ومدير المخابرات العامة وقائد الشرطة العسكرية. وتوقيت هذه القرارات كأنما يشير إلى مسئولية البعض (بشكل مباشر أو غير مباشر) عن حادث نقطة رفح الحدودية الذي شكل طعنة مؤلمة للعسكرية المصرية وللدولة المصرية وللشعب المصري بأكمله. إنها بكل معنى الكلمة قرارات تحقق أهداف ثورة 25 يناير وتجعل الشهداء يسعدون بتضحياتهم من أجلنا فقد بدأ النظام القديم يتهاوى.
إنها قرارات خطيرة وتستدعي يقظة وانتباها خاصة وأنها تصيب رؤوسا طالما خشي الناس من الاقتراب منها أو استثارة غضبها, وإنها لشجاعة هائلة أن يصدر الرئيس مرسي مثل هذه القرارات, وهو بذلك يخرس الأصوات التي وصفته بالضعف والتردد والتخاذل على مدى شهور وتلك الأقلام التي قالت عنه: الرئيس الفاشي والرئيس الخادم والرئيس العميل والرئيس المرمطون وغيرها من الأوصاف التي يستحق قائلوها العقاب القانوني والعقاب الأخلاقي لأنهم لم يتعدوا فقط على شخص الرئيس مرسي ولكن تعدوا أيضا على رمز الدولة المصرية وعلى رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة. ومنهم من لم يكتف بسب الرئيس وقذفه بل حرض على قتله بشكل خسيس ومناف لأي حس إنساني سوي. هؤلاء كانوا يتحركون بنزعات عنصرية بغيضة ترفض الرجل وكل ما يأتي منه حتى ولو كان صوابا, وكانوا يقومون بدور كبير لخدمة الثورة المضادة على الرغم من ادعاءاتهم بنصرة ثورة 25 يناير .
إن هذه القرارات الشجاعة تكتمل بتغيير النائب العام وبقية القيادات القديمة خاصة المحافظين ورؤساء المدن والمجالس المحلية بحيث تكتمل المنظومة التي تتحرك نحو تحقيق أهداف الثورة (حقا وصدقا), إذ كانت خطة المرجفين والمعوقين والمناهضين والمعادين للثورة أن يقوموا بإحباط كل محاولة لمؤسسة الرئاسة أو للحكومة لإصلاح أحوال الناس بحيث يكفر الناس بالقيادات الجديدة كلها ويترحمون على أيام مبارك ويتمسكون بالمجلس العسكري وبالنظام القديم .
إنها الثورة يا سيادة الرئيس تحتاج لمثل هذه القرارات الثورية الشجاعة والحاسمة والقاطعة والناجزة لتتحرك العجلة إلى الأمام بعد فترة تعثر طالت لعدة شهور وكانت الأيادي فيها مرتعشة والنوايا ملتبسة والمصالح متضاربة. الآن حصحص الحق وتحقق النداء الثوري الصادق "يسقط يسقط حكم العسكر" , وهذا ليس كراهية للعسكر (فهم حماة الوطن ورعاة الكرامة ومشاريع الشهداء وأبناء الوطن الأبرار الشجعان) ولكن رفضا لانشغالهم بالسياسة التي لاا يجيدونها عن وظيفتهم الأساسية في حماية أمن البلاد . وتكتمل أهمية القرارات بتوقيتها فقد جاءت بعد حدث جلل راح ضحيته 16 شهيدا من أبناء القوات المسلحة .. راحوا ضحية إهمال وتقصير وانشغال بالمصالح والمكاسب والمناصب ... وكان الحدث جارحا لكرامة الجندية المصرية ووصفه البعض بأنه أشبه بهزيمة 67 , إذ لم يواجه الهجوم الإرهابي بما يستحقه في الوقت المناسب وبالشكل الذي يتناسب مع الاستعدادات والاستحكامات العسكريةة (على عكس ما فعلت القوات الإسرائيلية اليقظة في التو واللحظة) ... وكان لابد من تصحيح هذه الأخطاء, وأن يتحمل المقصرون مسئوليتهم, وأن يقود الجيش رجال محترفون لا ينشغلون بالمناصب السياسية أو المصالح التجارية, وإنما ينشغلون بكرامة الوطن وأمنه بصدق وتجرد ومهنية واحتراف. وجميل أن يكون وزير الدفاع في سن الشباب ليعبر عن روح الثورة وعن نبض الحياة الجديدة الذي لا يعرفه من شاخوا في السلطة وتيبست مفاصلهم في ظل النظام القديم.
وقد أحسن الرئيس حين منح المشير ورئيس الأركان قلادة النيل تقديرا منه لدورهم في مراحل الثورة, وهذا أمر مشكور, فقد وقف الجيش المصري موقفا مشرفا حمى الثورة وحقن الدماء, ولكن هذا لا يمنع المحاسبة القانونية على أخطاء ارتكبت تستدعي تقديم ملفات أمام قضاء نزيه يضع الأمور في نصابها ويحاسب كل من تسبب في قتل الثوار أو محاولة وأد الثورة أو وضع البلاد في حالة فوضى أو ارتباك.
والأمر في حاجة إلى تأييد شعبي واسع للرئيس حتى ترتدع القوى المضادة للثورة, والتي ربما تحاول أن تثير فتنا أو توقظ صراعات أو تحرض على تمرد أو انقلاب هنا أو هناك, فالرئيس المنتخب يعبر عن إرادة شعبية طالما طالبت بتغيير واسع, ولم يكن الناس يحلمون بمثل هذا المستوى في التغيير بمثل هذه السرعة والجرأة, ولكنها الأقدار وشجاعة صاحب القرار, والحذر الحذر من الثورة المضادة التي مازال لها أذيال تتحرك هنا وهناك.
واقرأ أيضًا: