لم يكن الدور المصري في حرب غزة الأخيرة عاديا، ولم يكن سلوكها مألوفا في التعاطي مع الملف الفلسطيني للمجتمع الدولي الذي تعود من مصر مساندة المخططات الغربية في المنطقة دون تحفظ بل بشراكة فيها إلى أبعد مدى.
راسم السياسة في (إسرائيل) ظل يرقب حراك المكتب الرئاسي بعيون مفتوحة وباتصالات على أعلى مستوى لمعرفة التوجهات المصرية التي كانت خطواتها سريعة في الفعل، وفي سقف الخطاب الذي أربك المستوى الأمني خاصة بعد نجاح مصر في جر العرب إلى مربع نصرة غزة من خلال زيارة وفد الجامعة العربية في ظل الهجوم على غزة.
في حديثنا عن دور مصر في حرب غزة يكفي إحالة القارئ إلى ما كتبته صحيفة معاريف، هآرتس، يدعوت أحرنوت، ثم لغير قارئ العبرية يمكن استشفاف ما كتب من صحيفة جورزليم بوست والتي أجمع كتاب الأعمدة فيها على أن دور مصر بقيادة الرئيس محمد مرسي هو من وفر الحماية لغزة، وشجع نارها، بل شبه فيها بالقبة الحديدية التي كفلت لغزة إعادة ترميم مقاومتها والاستعداد لجولة نار جديدة أشد أثرا وأعمق في الفعل من حيث الوسائل المستخدمة.
المحلل السياسي للقناة العبرية العاشرة والمختص في الشؤون الشرق أوسطية وفي لقاء مطول حول دور مصر في حرب غزة خلص إلى نتيجة مفادها "أن حماس وغزة فهمت معادلة المنطقة فأدارت معركتها وفق هذا الفهم الذي ساندها في تحقيق صورة المنتصر في معركة لم تنهي بعد"، ذات المحلل تحدث في اليوم التالي الذي شهدت فيه الشوارع المصرية تظاهرات قادتها بعض قوى المعارضة ضد الرئيس مرسي "من أن إسرائيل يمكن لها التأمل جيدا في الوضع المصري وثبات القيادة الجديدة التي وضعت حكومة نتنياهو في أزمة وقف إطلاق النار التاريخي".
هذا الحديث عن الدور، لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى نقاش عميق في المؤسسات البحثية الإسرائيلية حول دور مصر في المنطقة بعد نجاح الرئيس محمد مرسي في حرب غزة، فالعودة بمصر كدولة قادرة على الفعل والتحرك بحيوية أجبرت الرئيس الأمريكي على رفع هاتفه طالبا الرئيس المصري في ست مكالمات مطولة مناقشا، ومستمعا لتصورات مصر الجديدة عن الحرب على غزة.
هذا الحال لمن يفهم طبيعة المنطقة وملف إسرائيل وحساسيته شكل اختراقا واضحا لكل الخطوط الحمر المألوفة في السياسة التي دجن عليها العرب طوال العقود الماضية.
هذا الإنجاز لمصر تهدمه اليوم معارضة يقودها البرادعي حامل لواء الغرب في الحرب على العراق ورئيس الوكالة الذرية التي عملت على شرعنة تفكيك الوطن العربي وحرقه في مجزرة سيظل أثرها على الأمة طويلا.
ثم يضاف إليه السيد عمرو موسى ربيب النظام السابق والوجه الأجمل الذي ساند نظام مبارك طيلة ثلاثين عاما كوزير للخارجية، كمنظر بارع في تنميق توجهات مصر وسياستها.
مدعوما توجههم من خلال لعب على الطائفية ومستميلين جموعا محسوبة على النظام السابق تعودت على مصر مزرعة لشهواتهاومآربها الخاصة.
هذه الحقائق لا تحتاج إلى كثير إمعان للتوصل إليها، لكن ما وجب الوقوف عليه هو : هل يمكن إغفال عنف التحرك المعارض للرئيس مرسي من حيث التوقيت الذي يجيئ بعد نصر سياسي للأمة ضد إسرائيل؟
سأزعم وأنا مطمئن أن ضجيج ما يحدث اليوم في مصر يطرب كثيرا نتنياهو الذي يتمنى كيانه رحيل الرئيس مرسي اليوم قبل الغد.
لذلك على المعارضة المصرية فهم دور مصر في مرحلة لم يعد العرب قادرين على انتكاسة جديدة بعد أمل بات راسخا في التغير في منطقة لا يحمل عبئها سوى مصر شاءت هي ذلك أم أبت.
لذلك بات الواجب على الشعب المصري تعرية كل الجهات المشبوهة التي تدعي كذبا أنها سليلة ثورة ماجدة نعشقها أكثر من المصريين أنفسهم، فإن لم يفعل ذلك شعب مصر فسيتحمل وزر ارتكاسة سيطول بعدها أمل النهوض إلى قرن آخر أو يزيد لا سمح الله.
واقرأ أيضاً: