*منذ دخول عالم العلوم كقارئ متحمس، شغفت بعلم خواص المادة، وأثناء دراسة الطب قرأت عن الضعوط strain) & stress) كعامل جوهري في إحداث الأمراض، ثم قرأت عن وجود علم فرعي من علوم خواص المادة بعنوان هندسة الطب الشرعي فازداد تعلقي بهذا العلم وتفرعاته. واتخذته استاذا لي لفهم طب الضغوط فهما أشمل وأعمق. كطبيب كنت كالببغاء أردد stress & strain , stress & strain دون فهم عميق ودقيق حتى قرأت في خواص المادة شرحا علميا وأيهما هو سببٌ للآخر.
استعنت بمفاهيم هذا العلم في وضع فرضية "إجهاد الذهن المصري" بسبب استمرارية تاريخه الطويل دون انقطاع كاف يتيح له استرداد صحته النفسية والذهنية، وإنما واصل تحمله المرهق لعدد كبير من الثقافات خلاف ثقافته وكلها من نتاج بدو صحراء وجبال صاغتها ندرة العيش والجفاف والقحط عكس وفرة الطبيعة والغذاء والماء حتى أن ثقافة المصري لم تحتج لسماء تضع فيها جنتها وإنما وضعتها أرضا ضمن بساتينها وغيطانها الخضراء الوفيرة.
الإجهاد ( stress ) يعني كثاقة (كمية) القوة القامعة على نفس فرد ما. بينما الانفعال ( strain ) أو التوتر هو تشوه النفس نتيجة للإجهاد (القمع والقهر) الواقع عليها. في الرسم يمثل العمود الأسود الرأسي قوة الإجهاد أو القمع الواقع فوق النفس ( psyche )، ويمثل الخط الأسود الأفقي درجات انفعال النفس تحت مختلف الضغوط.
ومن علم خواص المادة وبعد تغيير بعض المصطلحات يمكن عرض التعريفات التالية:
1- أقصى قمع أو قهر: هو أقصى إجهاد أو ضغط يمكن للنفس تحمله .
2- مقاومة الخضوع: هو كمية القمع التي تبدأ عندها عملية تشوه النفس وتتصلد آلياتها (تصير لدنة) بحيث لا تعود إلى طبيعتها المرنة الحرة الأصلية (قصور ذاتي في صورة قمع وقهر ذاتي أي كبت).
3- نقطة الانهيار: وهي النقطة التي تنهار عندها إرادة الفرد فتنكسر نفسه بعد بلوغ انفعالها أقصى انفعال ممكن لكن الإجهاد أو القمع والقهر تكون قوته أقل بقليل من القمع الأقصى.
الخضوع هو قيمة الضغط أو القمع والقهر الذي عندها يتم تغيير سلوك النفس المجهدة من المرونة إلى اللدونة (الصلادة المهددة بالقصف والانكسار). وأثناء مقاومة الفرد للخضوع لابد من ضرر يصيب النفس في صورة تشوه ما في وظائفها الحيوية، وتحسم معركة مقاومة الخضوع إما بالاحتفاظ بمرونة النفس مع بعض التشوه (ندوب المقاومة) وإما مع زيادة الإجهاد أو القمع تزداد لدونة النفس وتستسلم للانكسار.
الانكسار fracture : تحرم النفس من المرونة وتصاب باللدونة والتعصب والعدوانية.
المرونة elasticity : قدرة النفس على الرجوع إلى وظائفها الأصلية قبل التعرض للتوجيه والتشكيل وهما أدنى درجة من الإجهاد وكلما وصل الأمر إلى حد الإجهاد كلما اهتز الفرد وتعرض لصعوبة العودة إلى صورة النفس التي كانت ومن ثم يفقد حد الرضا النفسي satisfaction .
اللدونة plasticity : وأبسط تشبيه لها، الأستك مرن فإذا شددته وتركته يعود إلى طوله الأصلي أما البلاستك فإذا غرست فيه أداة حادة لا يعود إلى حالته الأصلية بعد نزعها. واللدونة مثل الصلادة فالصلب مرن لا ينقصف بينما الحديد الزهر والزجاج صلد (لدن) ينقصف. وقد وعى الإنسان بفطرته معنى مرونة النفس حين نصح بالانحناء مثل العشب الضعيف أمام العواصف للاحتفاظ بمرونة النفس. ومرونة النفس تكون ممكنة للفرد طالما الإجهاد أو القمع والقهر والكبت دون حد الانكسار، الذي يجبر النفس على التغير والتحول في وظائفها من طور المرونة إلى طور اللدونة.
نتائج تعرض الفرد للإجهاد، والذي يبدأ بمجرد التوجيه القهري في صورة نصح ثم التشكيل بالتلقين المجتمعي فإذا عمدت السلطة إلى تولي أمر الأفراد فإنها تعمد مباشرة إلى القمع والقهر وهما قمة وغاية الإجهاد؛ بل قد يعمد الفرد إلى تبني نظرية "القط يحب خناقه" فيباشر بنفسه الكبت الذاتي وهو المعادل للقمع والقهر ويؤدي إلى نفس النتيجة أي الإجهاد الذهني.
الاهتراء Wear : تغير سطحي للنفس نتيجة الاحتكاك بنفس مماثلة مما يؤدي إلى الاستهواء وسهولة الإيحاء، بينما لو كان الاحتكاك بنفس معاكسة فإنه يؤدي إلى الإجهاد القامع القاهر.
الانكسار or break down Fracture : هو انفصال أو انفصام لمكونات النفس وفقد تكاملها العضوي تحت تأثير الإجهاد أو القمع والقهر.
نقطة الخضوع حيث ينتهي عندها السلوك المرن السوي ويبدأ السلوك اللدن الصلد المتعصب.
قوة الصدم Impact force : هي صدمة من القمع والقهر عالية مطبقة خلال زمن قصير جداً، مثل ما يحدث عند محاولة فك مظاهرات جماهيرية. حيث يعتبر تأثير هذه القوة أشد من تأثير القوة الساكنة التي تؤثر لفترات طويلة نسبياً
فرط التحمل القمعي Suppress overload : تعني الفشل أو الانكسار للنفس خلال مرحلة وحيدة.
قوة الإجهاد Stress strength : هي مقياس لمقدار الإجهاد الذي تتعرض له النفس عند وصولها لنقطة الانهيار، التي عندها تنكسر أو تفقد تماسكها، أي هي أقصى إجهاد يمكن للنفس تحمله بدون أن تنهار.
الزحف: هو التغير الدائم في وظائف النفس نتيجة التعرض لإجهاد ثابت لفترة طويلة. (خواص مادة: زجاج النوافذ يكون سمكه من أسفل أكبر من سمكه في الأعلى وذلك نتيجة الزحف تحت تأثير وزنه وذلك خلال عدة سنوات).
الكلال أو التعب أو الإرهاق أو الإجهاد Fatigue : هو التشوه البنيوي المتدرج والمركز الذي يحدث عندما تتعرض النفس إلى ضغط دوري ومتكرر، وتكون قيم الإجهاد العظمي أقل من حد الإجهاد العادي، وقد يكون أيضا أقل من حد إجهاد الخضوع.
___________________________________________
*فقرة من كتابي: (فرضية لنظرية الإجهاد الثقافي الجمعي! (تحليل خرائط) (Collective cultural fatigue theory! (Analysis of maps)
واقرأ أيضاً:
ثقافة الحكي وثقافة الفهم! / الثقافة المصرية أحد روافد الحداثة ! / ثلاثة ساهموا في الحداثة! زولا، أورويل، فوكو1