(قراءة نفسية في علاقة الطفل المتمرد بالأب المدّعي)
الأباصيري وسلطان واللمبي.. صدمة حضارية في باريس:
كنا نتناول العشاء منذ ستة شهور في أحد مطاعم باريس وكان معنا مجموعة من أساتذة الطب النفسي رجالا ونساءا، ودار نقاش (وأحيانا جدال) حول الشخصية المصرية وما اعتراها من تغيير سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها، فذكرت أن الأعمال الفنية كانت أسبق في قراءة التغيرات والتوجهات النفسية للمصريين من تحليلات المتخصصين، وإلى هنا كان الانطباع جيدا عند المستمعين المتخصصين (جدا)، ولكن هذا الانطباع تغير حين أعلنت أن أفضل الأعمال الفنية في الربع قرن الأخير تعبيرا عن المجتمع المصري (وربما العربي أيضا) في رأيي: مسرحيتيّ "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت" وفيلم "اللمبي"....؛
وما أن انتهيت من هذه العبارة حتى لمحت نظرات استفهام واستنكار (وربما استحمار أو ازدراء أو اشمئزاز مهذب) من المستمعين أو على الأقل بعضهم أو بعضهنّ، وأحسست أنني جرحت وقار ورقي وتحضر ومشاعر النخبة العلمية بذكر هذه النماذج الفنية الشعبوية في محفلهم العلمي الاجتماعي الراقي وفي مطعم باريسي غاية في الجمال، ولكن هذه النظرة ربما خفت قليلا (أو هكذا أطمئن نفسي) حين استشهدت بنظرية إريك برن في التحليل التفاعلاتي لقراءة المشهد المصري العربي، واستشهدت أيضا بكثافة عرض تلك الأعمال على الفضائيات المصرية والعربية خاصة في الأعياد والمناسبات وكأن الناس ترى صورتها الحقيقية أو المشوهة في هذه الأعمال.
والآن وبعد تنامي ظاهرة باسم يوسف في برنامجه الشهير "البرنامج" والذي أصبح يحبس الناس في بيوتهم يوم الجمعة لمشاهدته، ويحدد مواعيد خروجهم وحركتهم، فتخلو الشوارع وتعمر المقاهي (كما لم يحدث إلا في حفلات أم كلثوم الشهرية قديما أو مباريات الكرة الهامة حديثا قبل أن تحل علينا كآبة ما بعد الثورة وأحداث مذبحة بورسعيد ووقف الدوري)، أستطيع أن أضيف ذلك البرنامج إلى نفس السلسلة الأكثر أهمية في الأعمال الفنية المصرية، وأضيف عليها عربيا مسرحية "كاسك يا وطن" وفيلم "الحدود" وكلاهما لمحمد الماغوط ودريد لحام.
نظرية التحليل التفاعلاتي:
وقبل الدخول في القراءة التحليلية النفسية لتلك الأعمال الهامة والمؤثرة، نستعرض باختصار شديد (جدا) نظرية "التحليل التفاعلاتي" لعالم النفس الشهير "إريك برن" التي سنتستخدمها للقراءة، وهي تفترض أن الإنسان (أي إنسان) يتكون من ثلاث ذوات: ذات الطفل Child Ego State وذات الراشد Adult Ego State وذات الوالد Parent Ego State ، والمفترض أن كلا من هذه الذوات تظهر في الظروف التي تحتاجها، فأنت حين تلهو وتلعب بعفوية وتلقائية مع أصحابك القدامى تستخدم ذات الطفل التي تتميز بالانطلاق والمرح والعفوية والتلقائية والإبداع والمشاغبة والتهور والاندفاع،
أما حين تذهب إلى عملك وتجلس في مكتبك فأنت تتعامل بذات الراشد والتي تتميز بالعقلانية والموضوعية والمنطقية والحيادية والاعتماد على حسابات المكسب والخسارة، أما حين تذهب إلى بيتك وتكون وسط أبنائك فأنت تتعامل بالذات الوالدية من حيث التوجيه والإرشاد وأحيانا النقد وأحيانا الرعاية والحب والحنان.
وقد قسم "إريك برن" ذات الطفل إلى نوعين نراهما في الحياة: أحدهما الطفل الحر (ويتميز بالحرية والتمرد على أي سلطة والمشاغبة والاندفاع والتهور والتلقائية والإبداع) وثانيهما الطفل المتكيف (ويتميز بالطاعة والخضوع والاستسلام لإرادة وخيارات الكبار سواء كانوا أبا أو أما أو مدرسا أو رئيسا في العمل أو أي سلطة أعلى)، وقسّم أيضا ذات الوالد إلى نوعين : أحدهما الوالد الناقد (ويتميز بالميل للنقد والتوجيه والنصح والإرشاد والزجر والتوبيخ) وثانيهما الوالد الراعي (ويتميز بالحب والحنان والرعاية والاحتواء).
تحطيم السلطة الأبوية وضياع الطفل الحر المتمرد:
والصورة الأكثر شيوعا في المجتمعات العربية كانت هي السلطوية الاستبدادية على المستويات المختلفة بدءا بالمستوى الأسري ثم انتقالا إلى مستوى المدرسة ثم مستوى العمل إلى أن تصل إلى السلطة السياسية وذلك بدرجات متفاوتة من بلد إلى آخر. وفي الوقت الذي ظهرت فيه مسرحية مدرسة المشاغبين لم تكن فكرة الثورة على السلطة الأبوية (ذات الوالد الناقد المستبد المدّعي الكاذب الهش الضعيف والقاهر في نفس الوقت) واردة أو ممكنة أو متخيلة لذلك كان التعبير الفني غير المباشر هو الوسيلة الوحيدة لتعرية ونقد وتجريح وتسفيه الذوات الوالدية في المجتمع، فظهر ناظر المدرسة يغطي نفسه بغطاء من الوقار الوظيفي السلطوي ويحمل عصا في يديه يظن أنه يخيف بها هؤلاء الطلبة المشاغبين المتمردين بينما هو في داخله شخصية مهزوزة مضطربة كاذبة.
أما المدرس "عباس الملواني" فكان أقرب للأراجوز المضطرب عقليا، والأب ظهر بشكل الغافل أو المتغافل المشغول بأعماله وتجارته ومكاسبه عن العالم الحقيقي الذي يعيشه ابنه "بهجت الأباصيري"، وهنا اكتملت الصورة المشوهة لرموز السلطة في حياة تلاميذ المدرسة الذين تحولوا في مواجهة تلك الرموز الوالدية المضطربة إلى تبني شخصية الطفل المتمرد الذي يرى جوهر السلطة التي تلبس قناع الجدية والوقار بينما هي في داخلها تحوي كل مخزون الضعف والكذب والادعاء، وتدور أحداث المسرحية (الأكثر إضحاكا بين الأعمال الفنية العربية) حول هذا الصراع، إلى أن تأتي مدرسة الفلسفة والمنطق فتتعامل مع هؤلاء المشاغبين من منطق ومنطلق "ذات الراشد" وتحاول أن تنضج شخصياتهم لكي يتعاملوا من منطق الرشد فتنجح أحيانا وتفشل أحيانا لكنها تواصل الطريق لتخرج بهم من صراعهم العبثي مع السلطة الوالدية غير المنطقية.
وتأتي بعد ذلك مسرحية "العيال كبرت" وبها كثير من أبطال مسرحية "مدرسة المشاغبين"، وهي تقوم أيضا على نفس الفكرة (صراع "الطفل المتمرد" مع "الأب الناقد المدّعي"، ولكن المشهد هنا تغير وأصبح في وسط أسرة مصرية، يمر الأب فيها بأزمة منتصف العمر ويدخل في مغامرة عاطفية يحاول إخفاءها عن أولاده ويلبس قناع المربي الجاد والموجه والناقد والناصح، ولكن أبناءه المتمردين الضائعين (والذين لم تتح لهم فرصة النضج والرشد في هذا البيت) يكتشفون كذب وادعاء وزيف الذات الوالدية فيتخذونها مادة للسخرية والعبث؛
أما الأم فكانت أقرب إلى الأمومة الراعية التي تمنح الحب والحنان والرعاية بلا حدود، ولكنها على الجانب الآخر أم ساذجة غريرة لا تفهم شيئا في الحياة وهي مخدوعة ومحتقرة ومهملة من زوجها، وهنا تهتز صورتها في عين أبنائها، وبالتالي يفقدون الدور الأبوي والأمومي الرشيد في حياتهم فتضطرب مسالكهم وخياراتهم ولا يملكون إلا التمرد ولكن كلا بطريقته.
وفي المسرحيتين الأشهر نجد أن الأبناء المتمردين نجحوا في كشف عورات السلطة الأبوية المشوهة والمستبدة وتحطيم صنم هذه السلطة المقدسة أو شبه المقدسة ونزع أقنعتها المتعددة واحدة تلو الأخرى، ولكن الأبناء لم يكونوا قد وصلوا إلى حد النضج الذي يستقلون فيه عن تلك السلطة المنهارة ولذلك تشعر في نهاية كل مسرحية أنهم ما زالوا في خطر إذ أزاحوا سلطة الأب أو حطموها ولكنهم لم يصلوا بعد هم أنفسهم إلى الرشد الذي يديرون به حياتهم (ربما هذا هو تلخيص لحالة ثورة 25 يناير حتى الآن).
وفي فيلم "اللنبي" يحاول الرمز الشعبي البسيط أن يتكيف مع السلطة الأمومية والسلطة المجتمعية والسلطة الحكومية (البلدية) فيتشوه ويواجه واقعا صعبا يحاول تجاوزه بالسخرية اللاذعة، والفيلم في النهاية يعكس لنا صورة المجتمع المصري العشوائي الفقير وكأننا نرى مصر في مرآة مكسورة. وتمضي مسرحية "كاسك ياوطن" وفيلم "الحدود" على نفس النهج ولكن السخرية والمشاغبة هنا موجهة مباشرة نحو السلطة السياسية العربية غير المنطقية بل والعبثية في مجملها.
باسم يوسف.. علامة الاستفهام في عينيه:
ونأتي إلى محطة باسم يوسف، الذي أصبح ظاهرة في الإعلام المصري والعربي بجاذبيته الشديدة لملايين المشاهدين كل أسبوع، فنراه ينجح باستخدام "ذات الطفل الحر المتمرد" في تعرية تشوهات وتناقضات الحياة المصرية، وتعرية وفضح رموز سياسية أو دينية تكتسي بقناع الوطنية أو الدين بينما هي تعيش تناقضات مخزية وتحمل ادعاءات تنفض عنها كل احترام أو توقير فضلا عن القداسة التي تسعى إليها أو تتطلبها من مريديها ومن عموم الناس بحق أو بغير حق.
ولما كانت السلطة المنتقدة (سواء كانت سياسية أو دينية أو مجتمعية) غير منطقية في أقوالها وأفعالها بل تصل إلى حد العبثية، لذلك كان مقبولا أن يكون نقدها ونقضها غير منطقي وغير موضوعي وغير محايد وهزلي (حسب ما هو مكتوب في مقدمة البرنامج) وذلك من خلال السخرية اللاذعة وأحيانا استخدام الإيحاءات الجنسية لمزيد من التجريس والتجريح والإهانة.
وكل ذلك يتم من خلال عرض أقوال وأفعال الأشخاص المتناقضين مع أنفسهم والمدّعين للقيم الوطنية والدينية والأخلاقية بينما هم عكس ذلك على طريقة المثل الشعبي "من ذقنه وافتل له"، وهذا يشكل مصدر قوة وحماية لباسم يوسف فهو يحتمي من القانون بأنه لا يقول شيئا بل الشخص المنتقد والمنتقض هو الذي يقول ويفضح نفسه بنفسه ويكشف زيفه وكذبه بلا مساعدة من أحد (اللهم إلا بعلامة الاستفهام المرتسمة على وجه باسم).
وعيناه بتعبيراتهما المختلفة هما مصدر عبقريته، وهما مثار الجدل فالبعض يراهما: ملونتان وجميلتان، والبعض الآخر يراهما: شفافتان مشعتان خارقتان للأقنعة والحجب البشرية، وفريق ثالث يراهما عينان أسطوريتان مليئتان بالغموض والسحر المخيف. وأيا كان الرأي والرؤية فهما إحدى وسائله الهامة والحيوية في لغته الجسدية العبقرية والبسيطة يتآزر معهما حركات الجفنين ارتفاعا وانخفاضا، تساويا واختلافا، وحركات الفم وعضلات الوجه وحركة اليدين والذراعين، والإطراقة والابتسامة والضحكة والصمت. وهذه اللغة الجسدية تغنيه عن اللغة اللفظية التي ربما كانت توقعه كثيرا تحت طائلة القانون أو تجعل نقده مباشرا عاديا نمطيا فجا.
وقد أحدث باسم زلزالا هائلا لصنّاع القنوات الدينية وروادها ومريديها، لم تصنعه مقالات المفكرين والمثقفين المناوئين لتوجهات تلك القنوات، إذ كان الأسلوب الساخر المحمل بالإيماءات والإيحاءات الجنسية محطما بقوة وبعنف حالات القداسة والوقار التي كانت تلك القنوات والشخصيات تظهر بها أمام الجمهور، كما دفعتهم للخروج من دائرتهم المعتادة والرد المباشر على سخريته منهم فتورطوا في ألفاظ وأفعال لا تليق فخسروا قطاعا من جمهورهم، إذ رآهم يترنحون أو يتهاوون أو يتورطون بينما هم يحاولون دفع سخريته اللاذعة والكاشفة للعورات والسوءات ونقاط الضعف والتناقضات الصارخة. وقد كان أمام هؤلاء فرصة للاستفادة من النقد الساخر وعمل كثير من المراجعات والتصحيحات المطلوبة لنجاح عملهم ولكنهم لجأوا للدفاع والتبرير والتكفير فخسروا كثيرا من معاركهم.
وباسم إذ يفعل ذلك يتجاوز الخطوط الحمراء بجرأة شديدة ومغامرة محفوفة بالمخاطر، إذ يخترق التابوهات السياسية والدينية والأخلاقية ويحطم تماثيل وأصناما، وربما دون أن يقصد يقترب من مقدسات أو رموز حقيقية أو ثوابت دينية ومجتمعية، أو يجرح أشخاصا أبرياء، أو يشهر بهم، أو يصورهم بشكل يدعو إلى ازدرائهم، فكأنه يمشي في حقل ألغام، ومع هذا فموهبته وجسارته وسكرة نجاحه تدفعه لاستكمال الطريق مهما كانت التهديدات والمخاطر. وهو قبل وبعد كل شيء نتاج لثورة 25 يناير (بحسناتها وأخطائها) إذ اكتشف موهبته ومارسها على نطاق ضيق على اليوتيوب ولاقى استحسانا هائلا فانتقل إلى شاشات الفضائيات ليخاطب وعي الملايين في ساحة أوسع من حرية لا تمنحها أي سلطة قائمة، وإنما يحميها الشعب الذي تخلى عن خوفه ولم يعد يرغب في تقديس حكامه ولم يعد يتقبل فكرة الرموز المقدسة في الدين أو في السياسة أو في المجتمع، ولم يعد يتقبل السلطة الأبوية في أي صورة من صورها.
ومن المعروف في كل الثقافات أن رجال الدين يرتدون عباءات سميكة وأغطية للرأس ومعظم الوجه (حتى في البلاد ذات الطقس شديد الحرارة) وهذا يعكس الرغبة في الاحتماء بالزي المقدس "السميك" من تطفل المتطفلين ومن أعين الناقدين، وإخفاء الداخل بكل ما يحويه عن أعين المحبين والكارهين لكي تظل الصورة "المقدسة" قادرة على توليد مشاعر الرهبة والهيبة والوقار اللازمين لممارسة دور الأبوة الدينية والروحية والاحتفاظ بالسلطة على القلوب والأرواح.
وهنا تظهر الذات الطفلية لدى باسم يوسف ويمارس أقصى درجات شقاوته ومشاغباته بنزع هذه العباءات والأغطية والأقنعة ليظهر الشخص ذات الشكل الديني على طبيعته وأصله فيبدو مختلفا تماما عن الصورة التي عرفه الناس بها من قبل، ولهذا يسبب باسم إزعاجا شديدا لطائفة من الدعاة ورجال الدين وأنصاف نجوم الفضائيات الدينية خاصة من يعيشون حالات تناقض صارخة بين هويتهم كرجال دين (أستعمل هنا كلمة رجال دين قاصدا حيث أن هذه الفئة تتصرف بالمفهوم الكهنوتي التسلطي لرجال الدين وليس بالمفهوم العلمي الموضوعي لعلماء الدين) يجوبون المساجد والفضائيات والأحزاب وبين حقيقتهم كأشخاص براجماتيين أو انتهازيين.
وفي مقابل حرص هؤلاء الناس على إخفاء دواخلهم يقوم باسم يوسف بتعرية عوراتهم بعنف دون أن يتورط في مشكلات قانونية من الاتهام بالسب والقذف وذلك لامتلاكه قدرة هائلة من اللغة غير اللفظية (لغة الجسد) التي يوصل بها الرسالة بنظرة عين مستنكرة أو مستفهمة، أو برفع حاجب مندهش أو بحركة ذراعين مفاجئة، أو بابتسامة طفولية مشاغبة، أو باستخدام الألعاب المخفية تحت المكتب ذات الدلالات المستهزئة. وهو إذ يفعل ذلك يخترق حاجز الكآبة التي يعيشها الناس هذه الأيام، ويخترق حاجز القداسة المصطنعة، ويخترق حاجز الأبوة الوهمية الكاذبة الخاطئة، ويخترق حاجز السلطة العبثية غير المنطقية.
وعلامة الاستفهام المرسومة على وجهه تحرك الوعي العام ليستكشف ويرفض هذا الركام من العبث واللامعقول والغش والخداع والتحايل، للدرجة التي أصبح فيها مصدر تهديد لكل شخص يمارس أيّا من هذه السلوكيات مهما كان موقعه، فهو لم يترك مستوى لم ينتقده بدءا من مواطنين بسطاء وانتهاءا بأكبر سلطة في البلاد. وباسم يوسف ينقل عالم تويتر وفيس بوك (الخاص بالمثقفين وأنصاف المثقفين) إلى شاشة التليفزيون لعموم الناس، فهو إذن يمثل هذه الروح الشابة الساخرة من الكبار (خاصة بعد الثورة وبعد عودة السلطة الأبوية التي ثار ضدها الشاب ولكن بغطاء ديني هذه المرة)، وأسلوبه يتفق مع هذه الروح حيث يزيح التفاصيل والكلام الكبير ويدخل في جوهر الموضوع مباشرة، وبلغة الشباب "بيجيب من الآخر".
مآخذ على "البرنامج" الشهير وصاحبه:
ويؤخذ على باسم يوسف (رغم نجاحه الباهر في تعتعة الوعي وهز المقدسات الزائفة واختراق التابوهات) ما يلي:
1- استخدامه للرموز والإيحاءات والتعبيرات الجنسية بشكل أقرب للغة العشوائيات وتلميحاتهم دون ضرورة فنية حقيقية لذلك (بدليل نجاحه الأصيل في موسمه الأول دون استخدام هذه الأشياء)، وبما يتجاوز الحدود ويخرج عن روح الفن الراقي، ولم تضف إليه شيئا بل خصمت من رصيده عند بعض الناس وجعلت القناة المضيفة تحذف أشياء من الظهور الصوتي.
2- اقتطاع كلمات بعض الأشخاص من سياقها بما يعطي معنى مختلفا عما كان يقصده الشخص وذلك بهدف صنع ال"إفيه" على حساب حقيقة الموقف بما يظلم هؤلاء الأشخاص ويؤثر على صورتهم أمام الرأي العام.
3- "الأفوره" بلغة الشباب وهي تعني المبالغة غير المبررة وغير اللطيفة في بعض الأشياء مما يصعب استساغتها، وهو يفعل ذلك حين يكون هدفه صنع الإفيه بأي ثمن وبأي شكل، بينما هو لا يحتاج لذلك لأن في حياتنا متناقضات حقيقية هائلة ومتجددة تعطيه مادة لسنين طويلة قادمة.
4- الأوقات التي يتخلى فيها عن الشكل الفني الساخر ويلجأ إلى التعبير اللفظي الخطابي المباشر (يتكلم بجد) شعرا أو نثرا.
5- الجزء الغنائي أو الحواري في البرنامج ليس له أي داع إذ يبدو وكأنه شئ زائد على الفكرة الأساسية ومقطوع الصلة بها وكأنه استكمال للوقت بأي شيء.
6- إعلانه الصريح عن استقطابه السياسي ومعاداته أو معارضته لتيار بعينه يحرمه من فرصة القبول من كافة المشاهدين على اختلاف توجهاتهم السياسية.
7- الغرور الذي يبدو عليه أحيانا، وتزيد جرعته تدريجيا مع ازدياد شهرته وتأثيره يوما بعد يوم، ويكاد هذا الغرور لو استمر تصاعده بهذا المعدل أن يقضي عليه أو على الأقل يؤثر في شعبيته ونجاحه.
8- تورطه بقصد أو بغير قصد في ضرب بعض الثوابت الدينية أو الوطنية الأصيلة والبنّاءة.
وسواء اتفقت أو اختلفت مع ما ذكرناه عن أعمال فنية وبرامج وشخصيات تليفزيونية شهيرة ومثيرة للجدل، فإنه يبقى الأثر الذي تركته وتتركه هذه الأعمال وهؤلاء الأشخاص، ونبقى نحن ندور كمجتمع عربي في نفس دائرة الصراع بين سلطة أبوية (سياسية أو دينية أو أسرية) حاكمة ومتحكمة وبين محكومين مقهورين نمارس لعبة الطفل المتمرد مع الأب المتسلط دون الوصول إلى حالة من النضج والرشد والاحترام بين الأب وأبنائه وبين الحاكم والمحكوم، وذلك هو لب الاضطراب في المجتمعات العربية بما فيها تلك التي قامت بثورات للتخلص من الدكتاتوريات العتيقة.
واقرأ أيضاً:
السيد الرئيس... لا تمش في الأرض مرحا / الصورة المزدوجة للرئيس / الشيخ المبتسم دائما! / العريفي يعرفنا بمصر التي لانعرفها