الحرية، الحريات، معاني جميلة في واقع معذب يحمل في باطنه مستقبل غامض، من أصعب الأفكار التي يمكن الكتابة عنها، تلك التي نحاول معها أن نزرع فكرة الحرية في عقول الشباب، فما أن نكتب حتى تهجم الأسئلة المتلاحقة تجرحنا جميعا وتثير الريبة حول الثقة والقناعات بالمستقبل القادم، ونجد أنفسنا منحازين تماما لمطالب جيل سحقته أدوات التجهيل والتذويب والانقسام؛ حين نكتب علينا أن نكون على مقدرة ومسافة قريبة جدا من تشخيص الأخطاء وقراءة الأحداث والأمور الخارجة عن المنطق، علينا أن نُعري كذب كل النظريات التي تتحدث عن أفكار العدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وأباطيل مزخرفة بمعسول الكلام.
ليس المطلوب أن نحرر أقلامنا فقط، بل الهدف هو كسر قيود الجمود الشبابي أو لنكن صادقين انعدام أفق المستقبل لديهم، الصدق والصراحة والرؤية السليمة والأدوات المنطقية والزخم الواقعي هو الذي يؤسس لثقافة القبول والبدء في البناء، وهذا يحتاج إلى إعادة قراءة معمقة في تساؤلات الشباب عن مصيرهم، وأحوالهم وهمومهم ورغباتهم وأرائهم وميولهم وصرخاتهم وحزنهم ومرضهم وتعاستهم وسعادتهم وانفراج أحوالهم، هؤلاء الشباب هم هدف أساسي لكل عمليات الاستقطاب، وهم أيضا وعلى اختلاف شرائحهم الاجتماعية يعانون من فقدان الأمل والضياع؛
يتخرجون من الجامعات ليواجهوا مشاكل البطالة والفقر والانهيار الكامل في الثقة وتطلعهم إلى الهجرة بحثا عن فرصا للنجاة من واقعهم الصعب والمتفاقم، وأمام عدم مقدرة المؤسسات الحكومية على استيعابهم، لا توجد تلك المؤسسات الوسيطة القادرة حقاً على تمثيل الشباب اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، والقادرة على احتواء الشباب ورعاية مصالحهم وقضاياهم الحقيقية واستغلال قدراتهم ومواهبهم، فتضييع قدراتهم وتغلق أمامهم فرص الاندماج والتطور والمشاركة الحقيقية مما يتسبب إلى قمع تطلعاتهم وأحلامهم وانعدام أي فرصة لرسم استيراتيجية لمستقبلهم.
وحين نطرق جدار الصمت فإننا نتسلح بالإحصائيات التي تفيد بأن نسبة الشباب في الأرض الفلسطينية ومن هم في سن (15-29) سنة، بلغت حوالي 30% من إجمالي السكان، وأن ثلاثة أفراد من كل عشرة في المجتمع الفلسطيني هم من الشباب وان قرابة الثلث منهم يعانون من البطالة، ومن القراءات المثيرة للاهتمام أن تسعة شباب من بين كل عشرة يستخدمون الحاسوب، وهناك حوالي واحد من بين كل اثنين من الشباب يستخدم الإنترنت، وثلث الشباب في الأرض الفلسطينية يمتلكون بريد الكتروني، وأكثر من ربع الشباب الذكور مدخنون...
أمام كل هذا على المسئولين أن ينظروا إلى واقع الشباب من منظور واقعي وبل عليهم أن يعملوا على تطويع الخلافات السياسية وإنهائها لأجل إضاءة محيط الشباب المظلم، فهؤلاء الشباب يتوقون إلى الحرية والى نهار جديد والى أن يأخذوا دورهم في مجتمع يضيق بهم وتضيق فيه فرص الحياة المستقرة، إنهم التحدي الحقيقي أمام الجميع.
الشباب بحاجة إلى مؤسسات موحدة واستثمار قوي واستقرار وأمن مجتمعي وتوفير سبل العيش الكريم، ومخطئ من يظن أن هؤلاء الشباب لا يملكون القرار، وسواء اتفقنا أو اختلفنا في تفسير الربيع العربي، فهؤلاء الشباب شاركوا في صنعه وبالتالي لقد هزموا التردد وذهبوا إلى المربع الذي يعتقدون أنه يؤسس لحضورهم وإثبات الذات؛ وقبل عشرين عاما سمعت من معلمي في الجامعة أن الجامعات موطن دولة الثورة وأن الشباب وقودها، وحين نعلم أن72.2 % من شهداء انتفاضة الأقصى في الأراضي الفلسطينية من الشباب.
يمكننا أن نفهم أن الحرية التي ينشدها الشباب في العالم العربي جعلت منهم وقودا للاعتصام والانتفاضات، وبذلك يؤكدون أنهم جزء لا يتجزأ من الوطن وأنهم شركاء فيه ويتحملون مسؤولياتهم ومن حقهم أن يبحثوا عن حرياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وهنا علينا أن ننصح بأن يمارس الشباب حرية الرأي والتعبير والمشاركة في صنع القرار بعيداً على الانجرار وراء المصالح الفئوية الضيقة أو التأثر بالنظريات الخارجية ويجب أن يكون لديهم الوعي المجتمعي لواقعهم كي لا يعملوا من غير قصد إلى إضافة تعقيدات إلى حياتهم.
إن للجميع حق التعبير بحرية عن آرائهم بالقول والكتابة، دون الإضرار بحرية ومصالح الغير، وبالمقابل يجب تفعيل برامج التنمية والنهوض السليم بدور منظمات المجتمع المدني لخدمة مستقبل هؤلاء الشباب، وإيجاد حلول واقعية لما يعانون منه، إن من أبسط الحقوق الإنسانية أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه، ولكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.
الشباب ينشدون حريتهم وبناء كيانهم الشخصي وتأمين مستقبلهم ومستقبل ذويهم والعيش في ظل حياة كريمة يثبتون فيها ذاتهم ويشاركون في صنع القرار والقيادة، فلنقرأ بوضح رسائلهم واحتياجاتهم وقدرتهم على صنع التغيير لكي نعيش جميعا في مجتمع التعاون والمصالحة والانتماء والحرية والشباب.
واقرأ أيضاً:
ثورة الشباب العربي، ثورة الأمل / كيف تجمّع وعي الشباب، وكيف يعاد تشكيله؟ (1 من 2)