تعيش مصر وأهلها حاله من عدم التوازن، وذلك منذ سقوط النظام الغاشم يوم 11 فبراير2011 وحتى وقتنا هذا، ويجب أن نذكر أن المرور بهذه المرحلة هو أمر طبيعي، بعد نظام سعى لتجفيف كل منابع القيادات الصالحة وتشويه كل الصور والمفاهيم، وكان هذا هو خط الدفاع الأول عن النظام الفاسد وطريقا لإيقاع شباب الثورة في المحظور. وللأسف وقعوا فيه هم وعقائمها حتى إننا أصبحنا نسمع نعيق البوم ممزوجا بشعارات الثورة، لا يدعي عدم الشعور بنشازها إلا أصم أو مصموم.
ويتحدث البعض عن فشل مرسي، والبعض الآخر يعتبر ما نحن عليه ليس بفشل بل هو مخططٌ لإسقاط مصر ولأن الجبهات عديده، فقط تخبط العديد مسحوقة أفكارهم بإعلام ساقط يقوم بدوره بكل قوه وجد في الدفاع عن مصالحه المرتبطة بعودة النظام المخلوع.
والإعلام لا يقَاتل إلا بإعلام، وبالطبع الرئيس المنتخب ومن ورائه الإخوان المسلمون هم لا يعرفون شيئا عن الإعلام ولاعن فن مخاطبة البشر، فهم لم يتعلموا إلا الحديث لأنفسهم وفي خصوصياتهم، فكان من السهل أن يُقهروا أمام الإعلام الساقط. وكما قال أحد معلقي النيويورك تايمز: "... لقد بلغ الإعلام المصري في عصر مرسي حداً من الحرية فاقت كل إعلام العالم الغربي، ووصلت إلى حد الصفاقة التي تعاقب عليها كل القوانين...".
ومن سخريات القدر أن تجد تلك الأصوات النشاز التي تجمع من رفعوا يوما شعارات الثورة ومن عادوها دوما، يرددون كل المتناقضات، فمن طالب دوما بدعم القضية الفلسطينية لا ينزعج من اعتلاء المنصة يد بيد مع من يهاجم مرسي بحجه بيع سيناء للفلسطينيين وهو يعلم مدى كذب ذلك الادعاء، ولا ينزعج من ادعاء حلفائه بأن مقاتلي حماس هم من هاجموا الجنود المصريين في سيناء وهو يعلم تماما استحالة أن يقترب ذلك الادعاء من الحقيقة، ويدعون أنه يهدد الأمن القومي بتقاربه مع حماس وفي ذات الوقت يتهمونه بمحاربة القضية الفلسطينية لإغلاقه الأنفاق.
وعلى الجانب الآخر نرى التشنج حين يزور مرسي إيران والعويل لعودة العلاقات ولطم الخدود لعودة الطيران المباشر بين القاهرة وطهران في ذات الوقت الذي يؤيد المعارضة السورية ولكنه يدعو لحل الأزمة السورية بالحوار. ولأن مشروع تنشيط القناة هو من المحظورات التي لن تقبل العديد من القوى المحلية والأعداء تحقيقه، فتلاقت مصالح الصهيونية والإمارات لوقفه بأي ثمن كان، والثمن دائما رخيص في أعينهم فهو دم المصريين ومستقبلهم.
والعجب أن الجميع يدرك أن ما يفعله مرسي هو عين الصواب، فهو يسعى لدعم القضية الفلسطينية عن معتقد ويسعى لحماية الأمن القومي المصري من خلال الأمن المرتبط بالدوائر الثلاثة، الأفريقية والعربية والإسلامية، وثلاثتها بلا عنصرية وبلا طائفية.
وقد التقى السفه الإعلامي وفشل الإخوان مع الثقة المنعدمة، وانعدام الثقة هو أمر طبيعي ونحن نمر بمرحلة انتقاليه لم تنتهي بعد، ومن المعلوم أن المرحلة الانتقالية ستنتهي ببناء دعائم الدولة والتي لم تكتمل بعد، لإصرار البعض على التلكؤ في انتخاب مجلس النواب لتعطيل عملية البناء مقدمين مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.
ورغم قناعتهم بفساد المدعي العام السابق والقضاء إلا أنهم يحتمون بهم للهدم وليس للبناء، ولعل ظواهر العنف وابتداع حركات فوضوية مثل البلاك بلوك وعلو أصوات موتوره مثل أبو حامد وعبد العظيم والجبالي... وغيرهم، والعودة للحن الفاشل المتمثل في مقاطعة الانتخابات والنواح على حال الأمن والتنمية والفقراء وكأن المخلوع كان حاميهم.
ويعلو كل يوم نعيق البوم مزايدا بشعارات الثورة وكأنها ملكا لهم، فتطهير الشرطة هو مطلب جماهيري ضروري، وهو أمر هام ولكن هل حاول هؤلاء الاهتداء بتجارب الشعوب الأخرى والاستدلال بالوضع الحالي للشارع المصري، لو فعلوا ذلك لأدركوا أن عبثهم بالشارع المصري هو السبب في تعثر الكثير من الأمور، ولعل هذا هو هدفهم.
أم هل هدفهم هو إحداث الفتنه والوقيعة، أم إفشال التجربة، أم التباس الأمر فيُكره الإسلام والمسلمون، أليس هذا ما نعيشه في الغرب ونعاني منه ونحاربه ثم نقبله على أرض مصر ولشعبها، وتضمن ذلك محاولة إحياء وهم اضطهاد الأقليات، الأقباط تارة والنساء تارة وأهل النوبة تارة أخرى، ولا مانع من الخوض في حقوق الشواذ، وكل مباح ما دام الهدف إسقاط مصر مقابل دراهم الخليج.
وكما قال صديق تعليقا على إحدى المؤتمرات الخاوية التي عقدت بالقاهرة مؤخرا: ".... مع الأسف أفرزت ثورة المصريين نوعا جديدا من الدجل الأكاديمي الذي يمارسه حملة ألقاب الدكتوراه والأستاذية وصدمتي فيهم مريعة فأنا دوما كنت أرى مدى فساد ما يسمى النخبة المصرية لكنى ما كنت أتصور أبدا مدى فساد من كنا نعتبرهم بحكم ألقابهم أقرب إلى القداسة منهم إلى البشرية..."
إن المعارضة هي الأسهل دائما، ولكن الإقدام على تحمل المسئولية في ذلك الوقت هو الأصعب والأعلى سعرا والأقرب للخسارة الشخصية.
إن الزعامة ليست كلمات بل هي أفعال، ولذلك سقط عقائمها، البرادعي وحمدين وخذلوا مريديهم، وما زلت أتمسك بادعائي أن مرسي الفاشل إعلاميا ما زال يملك مقومات النجاح، وأقيمها صدق النية.
واقرأ أيضاً: