كل عام وأنتم بخير. جاء العيد ولا زالت السياسة تطغى على كل شيء آخر، وأحاول أن أفكر كتابةً لأعرف أين الحقيقة فيما يدور بمصر هذه الأيام، أسمع كثيراً شيئاً يسمى الاستقطاب. ويتحدث عنه بعض الصحفيين والسياسيين وخاصةً من يحاولون أن يكونوا حياديين تجاه ما يحدث، هم يقولون أن مصر ضائعة بين قطبين أحدهما متهم بالخيانة والآخر متهم بالإرهاب، ويرون أن الطبيعي في أي مجتمع أن يكون هناك أقطاب متعددة وهناك أطياف كثيرة ومتدرجة في المنتصف بين الأقطاب، وهذا ما نفتقده الآن فأكثر المصريين إما مؤيد للانقلاب وإما معارض للانقلاب ولا يوجد أي درجات وسط أو أقطاب أخرى، بل إن كل وسائل الإعلام والمتحدثين والسياسيين يزيدون من حدة هذه الاستقطاب مما يجعل هناك صعوبة شديدة في الوصول إلى حل سلمي للأزمة.
القطب المتهم بالخيانة هو قطب السلطة الحالية، هذا القطب يحظى بالقوة العسكرية وقوة القضاء والمخابرات وقوة الشرطة والإعلام الحكومي والخاص بالإضافة إلى جبهة الإنقاذ وحركة تمرد ويدعي تمثيله لمعظم أطياف الشعب، هذا القطب أخذ السلطة والشرعية بطريقة غير قانونية حيث خان السيسي قسمه أمام الرئيس وانقلب على السلطة المنتخبة، هذا القطب من خلال إعلامه يشوه ويتهم القطب الآخر بكل أنواع التهم وأشهرها تهمة الإرهاب في سيناء وإرهاب وتعذيب وترويع المواطنين في رابعة والنهضة.
هذا القطب من خلال قوته العسكرية والأمنية ودعم المسجلين خطر (البلطجية) هاجم القطب الآخر فأسقط منهم آلاف من المصابين ومئات من القتلى، هذا القطب كمم أفواه وسائل الإعلام الحكومية والخاصة حتى لا تذيع إلا ما يراه مناسباً، هذا القطب قام بالقبض على بعض قيادات القطب الآخر بطريقة غير قانونية حيث يؤكد السيسي في الواشنطن بوست أنهم تحت التحقيق وإلى الآن لا شيء عليهم، هذا القطب أرجع أمن الدولة والعديد من القيادات الفاسدة والفلول للسلطة والأدلة كثيرة، هذا القطب يرى أنه قطب الأغلبية المصرية ولكن لا يوجد دليل علمي قياسي يؤكد عدد مؤيدينه، هذا القطب يعلن وبصراحة شديدة على لسان السيسي في الواشنطن بوست عن حاجته لتدخل أجنبي للضغط على القطب الآخر ويرسل مراسيله للدول الأفريقية لمحاولة إقناعهم للاعتراف به، هذا القطب يعلن وبصراحة عن نيته التدخل الأمني ضد القطب الآخر.
أما القطب الآخر فهو القطب المتهم بالإرهاب أو القطب الذي فقد السلطة. هذا القطب يحظى بقوة التيار الإسلامي في الشارع المصري وعدد قليل من القنوات الفضائية غير المصرية وبعض الصحفيين والمتحدثين ويدعي أيضاً تمثيله لمعظم أطياف الشعب، هذا القطب عندما أخذ السلطة والشرعية كان بطريقة قانونية ومن خلال الانتخابات والاستفتاءات وفقدها بطريقة غير قانونية، هذا القطب من خلال إعلامه يتهم القطب الآخر بالخيانة والتآمر مع الغرب لإسقاط النظام الإسلامي، هذا القطب من خلال قوته في الشارع يتسبب في إرباك بعض الميادين والطرق ولكن لا يوجد أي دليل على إسقاطه لقتلى أو مصابين في القطب الآخر وحتى عندما كان في السلطة واتهمه البعض بالعنف فلم يمت ولم يصب هذه الأعداد الغفيرة التي سقطت في خلال الأسابيع الماضية.
هذا القطب لم يكمم أفواه وسائل الإعلام ولم يمنع مؤيديه من سماع وسائل الإعلام الغير مؤيدة ويرد على ما يلصق به من تهم من خلال وسائل إعلامه المحدودة. هذا القطب ضد أمن الدولة والقيادات الفاسدة والفلول . هذا القطب يرى أنه قطب الأغلبية المصرية ودليله فوزه في كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة وآخرها الدستور 64% بالإضافة إلى قدرته على مواصلة الاعتصام والتظاهر في الميادين تحت أقسى الظروف، هذا القطب يعلن وبصراحة عن نيته السلمية مهما كان هناك تدخل أمني ضده. هذا القطب يعلن وبصراحة شديدة أنه لا يرغب في وساطة أجنبية.
أنا كما تعلمون جميعاً متحيز لقطب التيار الإسلامي وأرى أنه على حق وما دونه على باطل ولا أقبل أن أكون حياديا وبعيداً عن الاستقطاب وأرى أن كل ما يثار ويدعى من سيئات وعيوب للإخوان والدكتور مرسي أقل خطورة من الوضع الحالي ولكن:
ما الحل؟ هل الحل أن يقتل أحد القطبين القطب الآخر؟ هل الحل أن يتراجع القطب الأول فيقوم الثاني بعمل مشانق للقيادات الانقلابية؟
هل الحل أن يستسلم القطب الثاني ويتنازل عن شرعيته الانتخابية والدستورية فيقوم القطب الأول بالزج بقيادات القطب الثاني في السجون كما كان يحدث سابقاً وكما يحدث حالياً؟
وبعيداً عن رقاب القيادات على الجانبين أين المصلحة العليا للبلاد؟ ماذا لو نجح هذا الانقلاب؟ هل ستتقدم البلد اقتصادياً في وجود هذا الاستقطاب الهائل؟ هل ستسمح لنا الفلول التي عادت بقوة بالعمل أم سيعودون لسرقتنا ونهب أموالنا؟ هل سيتحمس الشعب للذهاب لصناديق الانتخابات؟ هل نضمن ألا يستيقظ قائد الجيش في الصباح معكنن شويه فيقوم بالانقلاب على الرئيس الجديد؟ هل سيكون نجاح هذا الانقلاب مشجعاً لاستمرار الانقلابات بعد ذلك في العالم العربي والإسلامي والأفريقي؟
نجاح هذا الانقلاب يعد كارثة على مصر والعالم العربي والإسلامي والإفريقي ولن ينجح رئيس مدني في مصر مهما كان ولا يمكن أن تتقدم أو تستقر اقتصادياً بل على أقصى درجات التفاؤل سنستمر كما كنا في عهد مبارك.
ماذا لو فشل الانقلاب؟ هل يرضى بذلك شعب ميدان التحرير؟ وهل يرضى أهالي الشهداء بغير إعدام كل قادة الانقلاب؟ هل يعمل الرئيس مرسي بدون جيش وشرطة ومخابرات وقضاء؟ هل توجد حلول بديلة لهذه الأجهزة التي تمثل عماد الدولة؟
لقد تصدعت أدمغتنا ونريد حلا يرضي كل الأطراف البريئة على الجانبين في هذه المعادلة حتى لو ذهب بالأطراف غير البريئة إلى الجحيم فهم يستحقون .
إنها لعبة السياسة القذرة التي وضعتنا في هذا الموقف الاستقطابي السيئ، وأثق في قدرة الله سبحانه وتعالى أنه سيجعل لمصر بكل أطيافها مخرجاً من هذا الكرب الكبير فلندعوه ونحن متيقينين من الإجابة.
كل عام وأنتم بخير.
واقرأ أيضاً:
دور الشرطة المصرية في إفشال الانقلاب!/ الحالة النفسية للانقلابيين في مصر/ عودة الرئيس محمد مرسي!