تابعت أحداث المنصورة الأخيرة المترتبة على انفجار قنبلة بجوار مديرية الأمن حيث تقع عيادتي بالقرب من هذا المبنى وسمعت دوي الانفجار وأنا على مسافة قصيرة منه، ورأيت الحدث مباشرة بعد دقائق من وقوعه وشهدت حجم الدمار والرعب في مبنى المديرية وما حولها من البيوت والمحلات ورأيت عربات الإسعاف وهي تنقل الموتى والجرحى، وهو مشهد مؤلم لأقصى درجات الألم ويستحق فاعله والمحرض عليه والميسر له أقصى درجات العقوبة القانونية ويستحق فوق ذلك العقاب الأخروي من الله على ما روع من آمنين وما أزهق من أرواح.
وفي اليوم التالي خرجت مظاهرات متعددة في شوارع المنصورة تطالب بالقصاص ومحاربة الإرهاب، وهي مطالب عادلة، ولكن الأمر الخطير أن بعض هذه المظاهرات تحولت إلى هجمات على شركات ومحلات وبيوت ومؤسسات يظن المتظاهرون أنهم ينتمون للإخوان المسلمين على الرغم من أن كثير من هؤلاء – حسب علمي – لا ينتمون لأي فصيل سياسي أو ديني، وإنما يمارسون نشاطهم التجاري بشكل عملي جدا ومحايد وليست لهم اهتمامات سياسية خاصة، وحتى لو افترض أن لهم موقفا سياسيا فهل هذا مبرر لأن يحدث ما حدث، حيث رأيت بعيني جحافل من البلطجية يقتحمون المحال والشركات والعمارات ويعتدون بوحشية عل كل من يلقونه، حتى زوار هذه الأماكن أو المتعاملين معهم لم ينجوا من هذا الهجوم الكاسح وحدثت إصابات خطيرة للأشخاص المتواجدين، فضلا عن عمليات السلب والنهب وإشعال النيران والمطالبة بقتلهم وحرقهم ورحيلهم عن البلاد.
قد يقول قائل إنها أفعال جماهير منفلتة خرجت غاضبة بعد ماحدث من وفاة 13 شخص وإصابة العشرات وبعد تشييع جنازاتهم من مسجد النصر بالمنصورة في مشهد مهيب، ولكن للأسف الشديد لم يكن هذا المشهد ليحدث لولا عمليات الشحن والتحريض العنصري غير المسئولة والتي تتم ليل نهار، وتتهم الحكومة بالتردد والارتعاش وتطالبها بأقصى درجات العنف والقسوة حتى خارج إطار القانون أو بقانون خاص يتم تفصيله.
ونحن ننسى أن تجاوز القانون والتعامل بعنصرية واستئصالية تجاه أي فصيل لن يتوقف عند حدوده (وإن كان ذلك نفسه معيبا وخطيرا) وإنما سيمتد للجميع ونجد روح العنصرية متفشية في المجتمع تتوجه يمينا ويسارا حسب الهوى وحسب المزاج السياسي للحاكم أو من بيده السطوة. ورأينا كتابا كبارا يدفعون في هذا الإتجاه العنصري تحت ضغط كراهيتهم لتيار بعينه وينسون أن العنصرية نار تحرق الجميع وعدوى لا ينجو منها أحد، فاليوم نقصي الإخوان وغدا نقصي ونكفر الليبراليين والعلمانيين وبعد غد نتوجه نحو الشيعة وبعدها نتفرغ للأقباط وسيجد كل شخص وكل مجموعة هدفا عنصريا تنصب عليه موجات الانتقام والغضب.
لم أستطع النوم في هذه الليلة وأنا أرى الجموع الجامحة والغاضبة وقد اندست بينهم جحافل البلطجية يقتحمون المحلات والمؤسسات والشركات والبيوت أمام أعيننا ولا يستطيع أحد أن يوقفهم وسط حالة من الهرج والمرج والتراخي الأمني (أو الموافقة أو التساهل أو..... أو .....)، وبعض هؤلاء الضحايا أعرفهم جيدا أناس طيبين مسالمين، وحتى لو كانوا غير ذلك فلا يجب أو يجوز أن يتعرضوا لما تعرضوا له من ترويع وأن تتعرض ممتلكاتهم للنهب والسلب وبيوتهم وشركاتهم للحرق بهذه الوحشية. إنه منزلق عنصري خطر نتجه إليه، ويغيب العدل والقانون والأمن وسط هذه الموجة العنصرية البغيضة التي تزرع الكراهية والرغبة في الإنتقام والإنتقام المضاد بلا نهاية وخارج إطار الدولة والقانون.
إن العقل يفرض عدم إلقاء التهم على أحد بدون تحقيقات أو أدلة، ويقضي بأن يعاقب المتهم بشخصه على تهمته سواء كان منفذا أو محرضا، وأن تكون العدالة عمياء لا تنظر إلا في إطار القانون، وأن لايتحول عموم الناس إلى قضاة وجلادين وسيافين، وأن لا نتحول إلى العقاب الجماعي لأي تيار أو فصيل مهما كانت أخطاؤه إلا في حدود القانون، وأن نتذكر قول الله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى".