هو شخصية تتمتع بكاريزما شخصية عالية وجاذبية جماهيرية طاغية، وقد جاء هذا الزعيم في ظروف تاريخية أو سياسية أو اجتماعية خاصة جعلته يستقبل على أنه المنقذ والمخلص والبطل الأسطوري، واستطاع هو أن يتجاوب مع الأحلام والأمنيات والطموحات الشعبية وبذلك أصبح بطلا شعبيا تعامل معه الناس على أنه ملهم يتوجه نحو الصواب دائما ولديه بوصلة خفية وسحرية تهديه الرشد، فهو محق في كل ما يراه ويقرره ويفعله.
وهذا الزعيم يخدمه ويهئ لبروزه مجيئه في لحظات ضعف وانكسار أو قلق وخوف واضطراب ثم قدرته على تحقيق بعض الانتصارات المبهرة للعامة، ومن هنا ينشأ الاعتقاد في تفرده وإلهامه وتنشأ الرغبة لدى الجماهير في اتباعه والانقياد لكل ما يراه، وإضفاء كل صفات البطولة والقدرة الخارقة عليه؛
وهم يفعلون ذلك بدافع خفي واحتياج نفسي لديهم وهو أن يعفو أنفسهم من مسئوليات التفكير وبذل الجهد والحيرة والقلق والفعل ويلقون بكل شيء على أكتاف بطل أسطوري ملهم وقادر يعرف ماذا يفعل ومتى وأين يفعل، وغالبا ما يقع الزعيم الملهم في الفخ فتتضخم ذاته أكثر وأكثر ويحكم قبضته على عجلة القيادة ويتخلص من كل من يعارض توجهه أو توجه رعيته، ويتواصل تضخم الذات لدى الزعيم الملهم حتى تبتلع الوطن بأكمله ويصبح هو والوطن شيئا واحدا، بل قد تتجاوز الذات حدود الوطن الضيق فتحاول التمدد خارج هذه الحدود.
والزعيم الملهم غالبا ما يتصف بالطلعة المهيبة واعتدال القامة وقوة البنيان ولمعة العينين وعمق الصوت وسحر النظرة وحسن الملبس، فهو يمثل صورة البطل التي يرى فيها البسطاء أنفسهم.
وهو قادر على مخاطبة الجماهير بصوته الدافئ العميق ونبرته الحماسية التي توقظ بداخلهم الإحساس بالكرامة واحترام الذات وتنتشلهم من حالة اليأس والانبطاح والاستذلال والخوف من الأعداء الداخليين والخارجيين. والخطاب الجماهيري الحماسي من ضرورات وجود الزعيم الملهم خاصة وسط جماهير تزيد فيها نسبة الأمية وتعلي من قيمة الكلمة المسموعة وتشكل اللغة أحد أهم دعائم وجودها التاريخي.
وصمت الزعيم لا يقل بلاغة وتأثيرا عن كلامه بل يزيده سحرا وغموضا لذيذا لدى الجماهير. وهو يبدي حبا عاما للجماهير التي رفعته وترفعه على أعناقها ومع ذلك فهو غير قادر على حب أحد من الناس بشكل شخصي وذلك بسبب تشككه في ولاء من حوله وتوقعه الغدر والخيانة في أي لحظة ومن أي إنسان، ولذلك تجده كثيرا ما يتخلص من المحيطين به أو يستبعدهم عند أي بادرة شك في ولائهم (حتى ولو كانوا من أقرب الناس إليه أو ممن ساعدوه على ارتقاء السلطة)؛
وتعرفه حين يتكلم فيأخذ وضع العظمة والكبرياء وتصدر منه الكلمات وكأنها كلمات مأثورة أو حكم خالدة يتناقلها الرواة عبر الأزمان، وربما يوحي هو لتابعيه أو يتطوعون هم دون إيحاء بكتابة أقواله وآرائه على الكتب المدرسية والكراسات وعلى الجدران والصفحات الرئيسية في الصحف والمجلات، وتبدأ نشرات الأخبار بأقواله وأفعاله وتحركاته، وتملأ صوره وتماثيله الشوارع والميادين والبيوت والقلوب.
والزعيم بما له من فعل السحر في الجماهير وإيقاظ مشاعر الكرامة الوطنية عندهم ورفع صورة الذات لديهم وإنقاذهم من الهزيمة النفسية التي يعيشونها أو عاشوها في مراحل الانكسار فإنه ربما يأخذهم بعيدا عن أرض الواقع فتنتابهم نشوة الانتصار ولا يلتفتون إلى ما يجري على أرض الواقع، ويزيد من خطورة هذا الموقف شعورهم الطاغي بأن الزعيم أسطورة لا تهزم وأنه قادر على تحقيق كل شيء لهم بقوته الذاتية وبكلمات سحرية منه؛
وإذا حاول الزعيم في لحظة صدق تمر به أن يعيد الجماهير إلى رشدها فإن الجماهير ترفض ذلك وربما تعلن غضبها وتؤثر الاستمرار في الحلم اللذيذ على العودة إلى الواقع المؤلم، ويجد الزعيم نفسه مضطرا لمجاراة الجماهير في حلمها اللذيذ وهذا يؤكد ما يقال من أن شخصية الزعيم تأسر الجماهير ثم ما تلبث أن تصبح هي أسيرة للجماهير.
ولا بد من توافر سمات خلقية للزعيم مثل الشجاعة والإخلاص والحب الشديد للوطن والإيمان العميق بقدراته الشخصية وقدرات وطنه وقدرات شعبه وحبه الأصيل لكل هؤلاء، وأن يكون نظيف اليد واللسان، متواضعا في شموخ وكبرياء، حالما يتجاوز حلمه قيود الواقع المعاش، ولديه إحساس مرهف بالجماهير التي تحبه، وهو حريص على الاستجابة لتلك المشاعر والتفاعل معها طول الوقت؛
وهو إذ يفعل ذلك يفعله بصدق في الأغلب حيث أنه منتميا إلى أهله وناسه وفخورا بذلك الانتماء وخاصة للبسطاء منهم، ولذلك نجده متسقا مع معتقداتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وصورة البطل عندهم، ويسعى لإرساء العدل الاجتماعي لصالح الفئات المعدومة. والزعيم قادر بحكم كاريزميته وصفاته وكلماته على انتشال الجماهير من مشاعر التخاذل والهزيمة واليأس، ثم تحريك الساكن والكامن من طاقاتهم وشعورهم الإيجابي بذاتهم وكرامتهم واستعلائهم.
وفي هذه الظروف تفقد الجماهير قدرتها على التفكير النقدي الموضوعي العقلاني وتسلم نفسها للأماني والأحلام فتبتعد شيئا فشيئا (هي والزعيم) عن الواقع. وفي قمة لحظات انتفاخ الذات (الشخصية للزعيم والوطنية للجماهير) وتمددها وفي قمة الانبهار والاستلاب والسحر لدى التابعين النائمين الحالمين يحدث الانهيار عند أول اختبار حقيقي على أرض الواقع وهنا تهتز الأرض من تحت أقدام الجميع (الزعيم الملهم والجماهير المنبهرة والمستلبة)؛
وربما يبحثون عن تفسير أو تبرير يعطيهم مزيدا من الوقت والحلم ولكن إن آجلا أو عاجلا يختفي الزعيم الملهم (بالموت أو بغيره) فيخرج أبناءه أو رعاياه اليتامى يبكونه ويبكون يتمهم وضياعهم، وما أن يفيقوا حتى يبحثوا عن أب جديد وزعيم جديد يقودهم في دورة (أو دورات) جديدة من القيادة والانقياد.
واقرأ أيضاً:
إرهاب المعتدلين/ أرجوك لا تترشح للرئاسة/ هشاشة النظام/ لماذا يقتل المصريون رؤساءهم ؟/ الترويج السياسي تحت مظلة الخوف