بدون إدراك الانطلاق المبهر لطاقة جديدة، والظهور المذهل لقوة جبارة.. كانت مخفية، أو مكبوتة، أو تائهة، هي قوة الناس، وطاقة الشباب.. في مصر، يصبح الحديث عن 25 يناير هو مجرد تقليب في مواجع، واجترار إحباطات، والندم على فشل متوالي لجميع الأطراف!!!!
في رسالته لنيل الدكتوراة أسماها الباحث الجاد سامح فوزي: "القوة الخفية"، ودرس في بحثه ذلك الرصيد، أو ما يسميه البعض "الرأسمال الاجتماعي"، والجديد منذ 25 يناير هو ظهور ما كان مخفيا، حيث صار في الشارع ثم في حياة الناس، والمجتمع.. يوميا!!
لكن أحدا ممن صدمهم هذا التجلي الآسر الذي انبهر العالم ببداياته في ميدان التحرير لم يفهم أن هذه الطاقة نفسها، ووحدها.. هي طريقنا للعبور إلى المستقبل!!
النتيجة.. لم ينجح أحد في استثمار هذا الزخم الهائل لإنجاز ما قامت الثورة لتحقيقه، ومن ناحية أخرى فإن صدام هذه الطاقة كان مروعا، سواءا مع من عمل ضدها، وكذلك مع من لم يفهمها، ولم يستثمرها!!
لم تفلح مذبحة ستاد بورسعيد
(حيث قتل العشرات من مشجعين شباب في عمر الزهور) في وقف تنامي زخم تطور تجمعات الأولتراس مثلا، كما لم تتطور الحملات الشبابية المؤيدة للمرشحين الرئاسيين، والتي وصل بعضها لضم مئات الآلاف، وربما أكثر، غطوا جدران مصر بالشعارات والملصقات.. حتى وصل بعضها إلى القمر.. في تهكمات البعض –حينئذ -تعليقا على الانتشار الواسع.. جدا!!
ولم تتحول المليونيات المتوالية كل جمعة تحت شعارات مختلفة إلى زخم مبادرات دائمة يتناول كل منها ملفا من الملفات المزمنة التي ما تزال تنتظر مثل : الأمن –العدل –الحريات –الإعلام –التعليم.. إلخ
وفي محنة عميقة أذهلت العالم أكثر –غالبا -بدا وكأن المصريين يفوضون الأجهزة التي ثاروا ضدها في حل المشكلات التي تسببت فيها!!
وبدلا من أن يضخ اللاعبون في الحلبة دماءا جديدة، ويطرحون أفكارا جديدة، ويبنون تشكيلات جديدة في الجسد العام، بحيث تستوعب زخم هذه الطاقات الجديدة الهادرة.. تنافسوا في تجاهلها، وهدرها، والاستخفاف بها، وأحيانا.. في تحطيمها عبر السير بالبلاد في مسارات العودة بها إلى قبضة العصابات المسيطرة على مقاليد الأمور في أجهزة السلطة، وتربيطات الثروة!!
بدلا من الاحتفاء بظهور قوة الناس، والتفكير الجماعي الإبداعي في استحداث قنوات متنوعة لاستثمارها بشكل يومي متطور.. فضل اللاعبون الأساسيون –وكلهم من القدامى-اللجوء إلى الطرق والقيادات والصيغ متصلبة الشرايين، وأفلحوا في "تطفيش" هذه الطاقة من هذه الشرايين، فصارت السياسة في مصر مجرد مسخ لا نفع فيه، ولا حياة، ولا أمل في استكمال بدايات ما جرى في 25 يناير!!
هذه الأمواج المتلاحقة فشل الإخوان في فهم منطقها، أو إنجاز طرح فكري أو حركي جديد يستوعبها، بل فشلوا في استيعاب منطق شبابهم.. أو المتماس منهم مع هذه الطاقات الجديدة، أصلا!! ولم يكن مدهشا ألا يفهموا –الإخوان -بعد ذلك أن حركة تمرد لم تكن سوى استثمار لبعض هذا الزخم المعطل المهمش المركون.. بل ربما لا يفهمون هذا الجزء من الصورة، حتى الآن!!
دكاكين الإعلام والسياسة الحزبية التي انفتحت في شكل أحزاب، أو جرائد، أو قنوات فضائية.. قدمت نفسها بوصفها تشكيلات جديدة.. لم تكن سوى واجهات بتمويل من نفس الممولين القدامى، والنتيجة هي تقديم نفس الأشربة القديمة العطنة، ولكن في كاسات تلمع، وتخدع البعض!!
أغلى ما يملك المصريون هو نفس ما يتبارون في هدره وتبديده!!
السلطة تعيد اسطوانة مبارك المشروخة في محاربة الإرهاب، وباسمها تقتل وتعتقل زهور الفجر الجديد، ونفس الشباب الثوري، أو من منهم ما يزال حيا –خارج المعتقلات -يقتل نفسه كمدا، أو إحباطا، أو يكتفي بمتابعة حلقات برنامج فكاهي، أو إطلاق حملات تعريض بالقادمين القدامى/الجدد.. بديلا عن بناء ما تأخرنا، ونماطل في بناءه!!
لكن الصورة تضم أيضا محاولات مبهرة ومبادرات واعية متناثرة، لكنها واعدة في تحريك، وتأسيس وعي جديد، وإطلاق إبداعات في الفعل، والحوار، والمعرفة، والتعبير بأنواعه، والتثقيف، من شباب وأعمار مختلفة يسعون في الأرض عمارة، ويسيرون تأملا، واعتبارا، وبذلا لجهود تحتاج إلى زخم الملايين المحبطة.. الفاقدة للأمل.. بينما هي الأمل.. والقوة، والمستقبل!!
الجمعة, 04 أبريل
ويتبع >>>>>>>>: كسر الصمت
واقرأ أيضاً:
فيما يرى الحالم المختبر.../صفحة جديدة.. ممكنة/ التربيط/ البنية التحتية للبؤس المستدام/ التحرر من البرمجة