كانت هذه كلمات مأثورة للكاتب الراحل نجيب سرور، كان يصف بها حالة كثير من رفاق العمر، الذين انتهى بهم الحال في أحضان السلطة بكل ما تمثله من سياسات كانوا يناضلون ضدها في شبابهم. وهي كلمات تحمل في طياتها رسالة تحذير قوية لكل من يعنيه الأمر، من أنه لا يكفي أبدا أن يحمل المرء تاريخا وطنيا ونضاليا مشرفا، وإنما الأهم أن يثبت على موقفه المبدئي الذي يؤمن به حتى النهاية، فإن تراجع نفاقا أو طمعا أو خوفا ـ ولو في لحظاته الأخيرة ـ فإنه سيمحو كل تاريخه، وينضم إلى زمرة لا يشرف أحد أن يكون منها.
لقد كانت كلماته في حقيقتها، دعوة للصلابة والصمود في مواجهة كل الضغوط والمغريات، في مواجهة عصا السلطان وجزره، في مواجهة كل حملات الترويع والترهيب والمطاردة والعزل والحصار والتشهير والشيطنة، في مواجهة كل ضجيج قطعان النفاق والانتهازية والارتزاق. ولقد رأى بعض معاصري وأصدقاء "سرور" أن هذا المقياس الحاد والقاسي الذي وضعه "سرور" كان بسبب كثرة ما شاهده من ضعف وسقوط في صفوف رفاق النضال على امتداد حياته.
لقد كانت كلماته في حقيقتها، دعوة للصلابة والصمود في مواجهة كل الضغوط والمغريات، في مواجهة عصا السلطان وجزره، في مواجهة كل حملات الترويع والترهيب والمطاردة والعزل والحصار والتشهير والشيطنة، في مواجهة كل ضجيج قطعان النفاق والانتهازية والارتزاق. ولقد رأى بعض معاصري وأصدقاء "سرور" أن هذا المقياس الحاد والقاسي الذي وضعه "سرور" كان بسبب كثرة ما شاهده من ضعف وسقوط في صفوف رفاق النضال على امتداد حياته.
***
لم أجد أفضل من هذه الكلمات لنجيب سرور لأنعي بها المناضل الراحل أحمد سيف الاسلام، الذي استحق عن جدارة في يوم رحيله شهادة تاريخية بأنه عاش ومات ثوريا مناضلا لم يتراجع، لم يخن، لم يجبن، لم ينحرف، لم يُشتَرَىَ. لقد كان سيف مثالا نادرا للإنسان النبيل الصادق المناضل الثائر الشجاع الصلب المؤثر الولّاد، المحترم من الجميع. ولقد ظل على مواقفه ومبادئه وقناعاته ومعاركه حتى آخر نفس، في أشد المراحل العصيبة والفارزة في تاريخ المعارضة السياسية في مصر، وفي وقت سقط فيه الكثيرون.
***
العزاء الكاشف :
وفي عزاء " أحمد سيف " سترصد هذه الظاهرة بوضوح، حين ذهب الجميع من سياسيين ومناضلين "سابقين" ومناضلين صامدين جدعان من ذات مدرسة الفقيد، ليجتمعوا تحت سقف واحد في سرادق العزاء، فكان المشهد ـ سبحان الله ـ كاشفا وفاضحا، كنت تستطيع أن تصنفهم وتفرزهم من نظرات أعينهم الغاضبة أو تلك المكسورة الزائغة خجلا من النفس، ومن انتصاب قاماتهم الأبية، أو تلك المنحنية وكأنهم عاملين عاملة، ومن ملامح الحزن الحقيقي والرغبة الصادقة في دعم الأهل والوقوف بجانبهم في هذه الظروف العصيبة، أو ملامح العزاء المزيف المنافق الراغب في إبراء الذمم وغسيل الضمائر الذي هو من عائلة غسيل الأموال.
***
المشهد الأخير :
المشهد الأخير :
ولقد ذكرني المشهد الأخير في العزاء بفيلم الحدود لدريد لحام، حين عقدوا له مؤتمرا حاشدا حضر فيه كافة القوي والمسئولين الذين تباروا في إدانة التجزئة والحدود المصطنعة وسايكس بيكو وقوانينها التي تحرم المواطن العربي من التنقل بحرية في الأرض العربية بدون جواز سفر وتأشيرة، ولكنهم في نهاية المؤتمر تركوه على الحدود ومنعوه من الدخول.
شئ من هذا القبيل حدث في نهاية العزاء، فمصر السياسية كلها تقريبا كانت هناك، بأخيارها وأشرارها، يبدون تعاطفهم مع الأهل والأبناء، ويشدون على أياديهم ويعتصرونهم في أحضانهم، ويتمتمون لهم بكل كلمات الدعم والتأييد، والشهادة بنبالة ونضالية "الفقيد الراحل" وبالظلم والقهر الواقع على "علاء" و"سناء" ورفضهم وإدانتهم لقرارات الاعتقال والمحاكمة، ولكن في النهاية رحل الجميع وتركوهما لسيارة الترحيلات لتعود بهما إلى السجن.
واقرأ أيضا: