من حق السيد السيسي، والأستاذ صباحي احتراما لمبدأ المعاملة بالمثل أن يقر كل منهما، على حِدِهَ، أنه يقبل أن ما سرى على سلفه يسري عليه، هذه شهادة مقبولة وشريفة من حيث المبدأ. لكن حتى لو تشابهت الألفاظ، فالأمر يحتاج وقفة ويقظة، واحتراما لاختلاف التوقيت، واختلاف السياق، وتطور الوعي، وضرورة تطوير طرق الجهاد والخطاب، حتى لا يستغل الكارهون الحاقدون في الداخل والخارج هذه التصريحات لخدمة ألعابهم ومؤامراتهم.
قال المشير السيسي في لقائه برؤساء التحرير: "لو الشعب قاللي ارحل سأنفذ فوراً، فأنا مستدعى من المصريين" ثم أضاف: والوطن الآن في خطر ويحتاج من جميع المصريين أن يتحملوا المسئولية معنا، المهمة كبيرة جدا وتحتاجنا جميعا". كما قال الأستاذ حمدين صباحي في برنامج "مصر تنتخب الرئيس": "إنه سيرحل إذا خرج ضده المتظاهرون وطالبوه بالرحيل" وتحفّظ بوضع شرط وهو: "إذا كان عددهم مثل 25 يناير و30 يوينو".
بالنسبة لما قاله المشير السيسي من أن الوطن في خطر ويحتاج من جميع المصريين أن يتحملوا المسئولية معنا، فقد وصلني أنه يؤكد ثقته في جميع المصريين وأنهم لن يقولوا له "ارحل" إلا إذا قصَّر أو خانَ أو ظلم أو أهان، ومع ثقتي في يقينه ببعده عن كل ذلك إلا أنني خشيت من تصور قوي الشر أنها قادرة على تمثيل "الشعب" الذي لم يَعْنِه سيادة المشير، أقول بصفتي مواطنا يحاول أن يتعلم من الخبرة السابقة أننا أصبحنا في مرحلة أخرى لا تحتمل تكرار النص، ولا التثبيت على آلية انتهى عمرها الافتراضي المحدود، هذه المرحلة الجديدة تحتاج إلى مناهج جديدة، وآليات جديدة، وإبداعات جديدة، وكل هذا يتطلب أبجدية جديدة تعيد تعريف الكلمات التي نكررها مثل "الشعب" و"المتظاهرون" وأيضا "يريد".
لم يعد كافيا أن يجتمع مئات الألوف أو أكثر لنطمئن أنهم يمثلون "الشعب" كما لم يعد مقبولا أن نعد المتظاهرين بصور الكاميرات حتى لو التقطتها طائرات الهليوكوبتر، حتى الصناديق لا تمثل إلا ما في الصناديق، فما بداخلها ليست مسلمة مقدسة إذْ علينا أن نضع في الاعتبار أعداد من ذهبوا إليها أصلا قبل أن نقدس ما تحتويه وكأنها تحتوي "الشعب" نفسه داخلها. في الأبحاث العلمية لا يمكن أن نعمم النتائج بحجم العينة فقط، وإنما بمدى تمثيلها لمن سنعمم عليهم نتائج البحث.
لابد من إعداد مقاييس متعددة ومتكاملة تدلنا على تصنيف من يندرج تحت كلمة "الشعب" في أوقات مختلفة بتصنيفات مختلفة، لقد امتهنت كلمة الشعب واستولى عليها أعداء الشعب وراحوا يستعملونها بما يهينها ما بين الاستسهال والفكاهة، بل إن قنوات خصصت برامج ثابتة باسم "الشعب يريد" مثل: قناة التحرير، وقناة القاهرة والناس.
ليس هذا فحسب، بل خذ عندك ما وصل إليه امتهان تعبير "الشعب يريد" ليستعمل في عكس ما يريده الناس، وما عليك إلا أن تستشير العم جوجل وتكتب "الشعب يريد" ليأتيك سيل مضروب من ادعاءات ما يريده الشعب، بلا توكيل لكل هؤلاء اللصوص الأدعياء.
نقرأ معا بعض ما سرَّبَهُ إلي "العم جوجل"، وقد سمحت لنفسي بإضافة ما بين قوسين بعد ما جاء فيه حتى أوجز رأيي:
الشعب يريد تطهير الإعلام (نصف نصف)
الشعب يريد إسقاط النظام (ي نظام؟)
الشعب يريد الحرية (أية حرية؟)
الشعب يريد عيشة حلوة (يا حبذا لو مُسْتَورَدَة)
الشعب يريد إسقاط المشير (ورّونا شطارتكم!)
هل رأيت إلى ي مدى وصل امتهان كلمة "الشعب يريد" وسوء استعمالها؟
مطلوب الاتفاق على ترجمة كلمة الشعب إلى حجم وضبط وربط يتجاوز الصناديق ولا يهملها، ويتجاوز الميادين ولا يحتمي ضدها بما يشل حركتها.
لابد أن نتفق على الجمع بين مختلف المستويات وأن يكون المقياس هو استمرار وجود الدولة واحترام الوقت اللازم للتغيير، والتعمير، والإنتاج والاستقلال على كل مستوياته.
نقلا عن موقع أ.د يحيي الرخاوي
15/5/2014
واقرأ أيضاً:
في حب مصر: شطْحٌ ودموعْ / سنة أولى سياسة، وورطة الرئيس! / من سيقول "نعم"، ومن سيقول"لا": على ماذا ؟؟ / الاستفتاء على الدستور مادة! مادة!!