ورد في الحديث الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل .. فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: «هَوِّنْ عليكَ، فإنِّي لَسْتُ بمَلِكٍ، إنَّما أنا ابْنُ امْرَأةٍ تَأْكُلُ القَديدَ»، وفي رواية أخرى: «لا بَأْسَ عَلَيْكَ إنَّما أنا ابْنُ أَمَةٍ تَأْكُلُ القَديدَ». ومن تواضعه عليه السلام أنه لم يكن يرضى قيام الناس تعظيمًا له، ونهى أصحابه عن ذلك، حتى أصبح ذلك خلقًا في الصحابة رضوان الله عليهم، مع شدة حبهم له، فما عرف عن أحد منهم أنه كان يقوم لرسول الله، وما ذلك إلا لعلمهم بكراهته لذلك.
لذلك كان الرسول الكريم يجلس مع أصحابه كواحد منهم، دون أي علامة تميزه، حتى إن الغريب الذي لا يعرف شكل الرسول إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يفرق بينه وبين أصحابه، فكان لا بد أن يسأل: أيكم محمد؟ هذا هو خلق الرسول الكريم، أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.
أما تواضع السيد المسيح عليه السلام، فحدث أيضًا ولا حرج، وقد جاء في الكتاب المقدس: "تواضع الروح مع الودعاء خيرٌ من قسم الغنيمة مع المتكبرين" (أم16 :19).
هؤلاء هم خير الخلق، كانوا آية في التواضع، فلننظر إلى رجالات دولتنا اليوم، سنجدهم آيات من كتاب الكبر والعجرفة والغرور والصلف!
واحد يقول لن أسمح لك بأن تقول كلمة "حكم العسكر"، والدبابات تملأ الشوارع، والدماء للركب، وواحد يقول لن نسمح لأبناء الزبالين أن يعينوا في الوظيفة الفلانية، ومؤسسة من مؤسسات الدولة تمنع المتفوقين من الوصول إلى ما يستحقونه من الوظائف بسبب فقر آبائهم (راجع قضية المرحوم عبد الحميد شتا مثلا). ومؤسسة أخرى مخصص كل ما فيها تقريبًا لأبناء العاملين في هذه المؤسسة، وأخرى لا بد أن يمر المتقدمون على (كشف الهيئة)، وهذا الكشف المزعوم هو الفيصل في التعيين، وهكذا أصبحت مصر دولة لإقطاعيين جدد، سلطهم الله على المتفوقين الذين تحتاجهم مصر، فطردوا الكفاءات الحقيقية إلى بلاد الله، وحرموا منها الوطن.
من هم هؤلاء الإقطاعيون الجدد؟
هذا أغرب ما في الأمر، فهم ليسوا أبناء ملوك أو أمراء أو باشاوات، ولو كانوا كذلك لحاولنا تفهم إيمانهم بتوارث المناصب، ولحاولنا إقناعهم بأن هذه المفاهيم قد عفى عليها الزمن، ولكنهم أبناء فلاحين وعمال وتجار، ويتنكرون لأصولهم البسيطة، ويتكبرون على قومهم، فأكبرهم ابن لتاجر ماني فاتورة (وهذا ليس عيبا)، وهكذا سوَّقه لنا إعلامه، أنه الرئيس (ابن البلد)، فأين أخلاق أبناء البلد؟ وأين التحيز لأبناء البلد؟ لماذا تتكبرون على هذا الشعب الفقير؟ علام تتكبرون أصلا؟
هؤلاء الذين يريدون احتكار المناصب والمؤسسات .. من أنتم؟
لو طُبِّقَتْ عليكم الشروط التي تريدون تطبيقها على الناس (مجاملة لأبنائكم الفاشلين) لما دخلتم أنتم من الأساس، ولما وصلتم للمناصب التي تتكبرون بها على الناس. يحتكرون كل شيء، ثم يطالبون الطلبة في الجامعات بأن يهدؤوا، وألا يتظاهروا، من أجل (حسن سير العملية التعليمية)، وماذا يجدي الطالب سير العملية التعليمية على أكمل وجه إذا كان التعيين في كل مكان حق لمن يحمل كارت توصية من فلان أو علان؟ ماذا يجدي الطالب سير العملية التعليمية على أكمل وجه إذا كان سيتخرج ليجلس على مقهى، أو ليعمل في غير تخصصه بفتات فتات ما يبقيه له السادة الذين رضي عنهم من اختبرهم في (كشف الهيئة)!
الطريق مسدودة في وجه أكثر من تسعين بالمائة من طلاب مصر، لا أمل لهم في أي حياة كريمة بعد التخرج، ولا وسيلة لهم لبلوغ أي منصب محترم مهما بلغ تفوقهم الدراسي، ومهما فعلوا من أجل إثبات جدارتهم بهذه المواقع. مسؤولون يسدون سائر طرق الحياة في وجه الغالبية الكاسحة من الطلاب، ثم يتساؤلون: "لماذا يثور الطلاب؟"، أي سؤال أحمق ذلك!
رسالتي الصريحة للطلاب: ثوروا، واستمروا في حراككم السلمي، ولا تقبلوا أن تظل هذه الدولة ملكًا لمجموعة من أبناء أناس (نسوا أصلهم)، وتكبروا على ذويهم، واحتقروا أمتهم.
هذه الدولة ملك لكم يا شباب مصر، فانتزعوها سلميًا ممن يحكمونها بقوة السلاح لينصروا قلة من الأغنياء على هذا الشعب الفقير.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
واقرأ أيضا:
مسار الثورة المعسكر الديمقراطي!! والجنرال في المتاهة / ها تسكت ولا أجبلك العسكري؟ / أين المسرح الطلابي.... اليوم؟ / المقال الممنوع: من سينتصر غدا؟