قلت في مقال سابق إن المواجهة بين طلاب الجامعة والسلطة في مصر هي أهم تمثيل لجوهر ثورات الربيع العربي، ويبدو أن متابعة تفاصيل وتطورات هذه المواجهات هي واجب الوقت لمن يتعلقون بالأمل في مستقبل مختلف لسكان هذه البقعة من العالم .. الممتدة من المحيط إلى الخليج.
تحاول السلطة عزل هذه المواجهات عن السخط العام والتململ الظاهر والمكتوم لدى مساحات متزايدة من الناس، كما تحاول تصفية هذا الحراك الغاضب بالإجراءات الإدارية والقانونية بحق الطلاب "المتمردين"، والاعتقالات الجماعية، وبالتشويه الإعلامي المستمر، ويبدو التفجير الغامض الذي وقع مؤخرا أمام بوابات جامعة القاهرة شكلا إضافيا من أشكال رسم صورة مخيفة لمشهد حقيقته أن الحراك الطلابي الغاضب المطالب بالحرية المعترض على طريقة سلطوية قاهرة قامعة في التعامل مع الطلاب، ومع الناس في مصر، يراد له أن يظهر بوصفه ساحة من ساحات مواجهة "الإرهاب" ذلك العدو الغامض، وتلك المواجهة التي ترتكب باسمها السلطات كل الممنوعات من واشنطن إلى القاهرة!!
كيف تتفاعل بقية الأطراف– غير السلطة- مع الحراك الطلابي؟؟
الإخوان ما زالوا يستثمرون خلو المساحات من الفاعلين السياسيين، أو بالأحرى من ماكينات أو أوعية تنظم وتوظف حركة الأجيال الطامحة لمستقبل مغاير، ويجدون في الغضب الطلابي بيئة مثالية لاستمرار معركتهم ضد تحركات نظام يوليو 2013، وفي مواجهة آلة عسكرية مدججة بإعلام، وأدوات قانونية تابعة ،وحالة نفسية عامة يختلط فيها الخوف بالإحباط مع الارتباك والعجز عن الفهم والتحليل والتصرف! وبدلا من معالجة هذا المشهد بفتحه على روافد وعي جديد يملأ العالم وتصل أطراف موجاته إلى مصر متمثلة في أنشطة ومبادرات وأفكار وتحركات غير تقليدية، يفضل الإخوان التصرف بنفس وعيهم الجاهز القديم الذي أوردهم المهالك ساحبين الحراك الطلابي إلى الاحتراق .. إلى "رابعة" .. متكررة .. بلا نهاية، ولا تعلم، ولا تغيير في وعي، ولا وعاء!
بقية الأطراف السياسية لا تملك حجما، وتناضل لتحافظ على وعي مختلف، لكنها في حسابات التنافس تبدو مستعدة بأي ثمن لمبادرات سلخ الطلاب عن محاولات الإخوان لقيادة الحراك الغاضب، وربما تدبر صفقة للتهدئة مقابل بعض المكاسب المنفردة، الأمر الذي يعني تفكيك الحراك، وتفريغه من مضمونه!
الأطراف غير السياسية تقف متفرجة على ما يحصل!! الآباء والأمهات في المنازل يتوقف سقفهم عند سؤال: هل تستمر الدراسة أم تتوقف؟؟ رغم أن المواجهة بين السلطة والطلاب تعكس –في جانب منها- نفس الفشل الموجود في البيوت، وأعني به الفشل في إدارة العلاقة بين الوالدين والأبناء بعيدا عن أسلوب الأمر والنهي، وأجواء الانصياع مقابل العصيان والتمرد!!
الباحثون عن وعي جديد يتجاوز الاحتراق في معارك السيطرة على السلطة لا يرون في الحراك الطلابي موضوعا يعنيهم أصلا!! وبالتالي يتجاهلونه تماما، وربما يكتفون بالمتابعة من بعيد! مبادرات فكرية وروحية وتنموية تنشط وتتناثر باتساع الوطن، وتفتقر لزخم وطاقة وانتشار الشباب، وبخاصة طلاب الجامعة .. فكيف لا يرون أنفسهم معنيين بهذا الحراك؟؟
المبشرون بأفكار ونضالات حقوق الإنسان صوتهم ضعيف، وصفهم مخترق مفكك مبعثر بين من اختاروا موالاة الوضع القائم، وآخرون مرتبكون في اختيار طرق وصيغ مواجهته، وبصدد الحراك الطلابي يكتفون بتسجيل موقف! وهؤلاء يحتاجون إلى سند مجتمعي وتمدد جماهيري وتجديد مصداقية، فما بالهم يغفلون عن التواصل الوثيق مع جموع الطلاب، وفتح مكاتبهم وصدورهم لهم لتبادل الآراء والأفكار والتعاضد المشترك!
المعنيون بالحريات الأكاديمية ووضع الجامعة كمنبر للتنوير وساحة للعلم ينكمشون وهم يرون المطاوي والسيوف وزجاجات المولوتوف تتحدث لغتها داخل أسوار وألواح الصلب التي أصبحت جدرانا تسد وتحجب الجامعة وما يحدث فيها عن الناس! والجامعة طالب وأستاذ وأهداف مشتركة وتعاون بينهما في سبيل الحرية والمعرفة،فكيف يترك الأستاذ طلابه لهراوات الأمن وخرطوشه ورصاصه الحي؟؟ وكيف لا يلوذ الطالب بمن يستحسنه ويتعرف عليه من الأساتذة المحترمين أنصار الحرية، وصناع المعرفة ولا يخلو من هؤلاء ركن في كل كلية!!
إذا ظل الحراك الطلابي يقتصر على الغضب ومقاومة التسلط والسيطرة بالقوة الجسدية وحدها، وفي سياق ما تقدم من بيئة تحيطه .. فمن السهل خنقه والتخلص منه، والقضاء عليه بمؤامرات أو مخططات القوة المضادة، والحيل والتحايل، والسبيل الأصوب هو في أن ينفتح هذا الحراك على محيطه المجتمعي المحلي وحتى الدولي فينتعش ويخرج من مصائد الإنهاك والتوهان، وأن ينفتح عليه هذا المحيط فيدعمه وينشطه ويرشده ويسنده .. فلا يتبدد في أتون المحرقة المنصوبة في مصر! ويلزم هذا أن نستفيق جميعا ونتفتح لتنمية واستقبال وعي جديد .. وممارسات مختلفة وأهداف وتكتيكات غير ما تعودنا عليه فأوصلنا إلى ما نحن فيه! وهذا للمفارقة بعض جوهر الهجرة التي نحتفل بها دون أن نتأمل معانيها!!
كل عام وأنتم طيبون.
25/10/2014
واقرأ أيضاً:
التربيط / المشروع الثوري ثورة داخل الثورة / فرصتنا للحياة / عقوبة أم نعمة