يؤكد الواقع الحياتي أن الخناقات الزوجية بديهية وربما حتمية (شر لا بد منه) طالما أن الزوجين بشرا يجري عليهما ما يجري على البشر من قوانين وقواعد نفسية، فالاختلاف (والخلاف) جزء من الطبيعة البشرية، وهو دليل صحة العلاقة ومؤشر على أن الطرفين (مهما كان الحب بينهما) مايزالان متفردان في تفكيرهما ووعيهما، ويستخدمان عقلهما دون تبعية عمياء.
والخناقات الزوجية قد تكون أحد مؤشرات نجاح أو استمرار العلاقة الزوجية، وقد تكون على الجانب الآخر أحد مؤشرات قرب الانفصال، والفيصل هنا هو القدرة على المحافظة على القواعد الصحية اللازمة لحدوث "خناقة صح" أو "خناقة ناجحة" تحقق أهدافها وتقوى بعدها العلاقة الزوجية. ففي دراسة أمريكية على 450 زوج وزوجة ممن اعتادوا الخناقات بصفة مستمرة تبين أن الأزواج المحبين والمتفاهمين غالبا ما يحتفظون بمساحة من الود في العلاقة حتى في أثناء الخناقة على عكس مجموعات أخرى تصل إلى أقصى درجات العدائية.
وفي العموم لا توجد علاقة زوجية مثالية (بمعنى خالية من الخلافات والخناقات)، ولكن توجد علاقة زوجية ناجحة ومستمرة (رغم الخلافات والخناقات). إذن فالحياة الزوجية أشبه بسفينة تمخر عباب البحار، ولا يظن أحد أو يدّعي بأن البحر بلا أمواج وعواصف ونوّات... والزوجان يعيشان في السفينة رغم وجود الأمواج والعواصف والنوّات، والقبطان الماهر تظهر كفاءته في البحر الهائج وليس في المياه الهادئة.
والخناقات المنضبطة أشبه بالمباريات الرياضية العنيفة لها أصول وقواعد وأخلاقيات وروح رياضية على الرغم ممابها من خشونة (وأحيانا عنف). أما الخناقات المنفلتة فهي أشبه بعراك الشوارع قد تؤدي إلى إصابات بالغة أو حتى قتل.
في أي مراحل الزواج تكثر الخناقات الزوجية؟
تكثر الخناقات الزوجية في السنوات الخمس الأولى من الزواج وتكثر بصفة خاصة في السنة الأولى، وربما يعود السبب في ذلك إلى اختلاف الطباع والتوجهات والخلفيات الثقافية والاجتماعية والدينية لكلا الزوجين مما يستدعي عمليات تطبيع ومحاولات للتوفيق بين موجتين مختلفتين لكي يحدث التناغم (أو لايحدث)، ولهذا يوصي خبراء العلاقات الزوجية بالصبر من كلا الزوجين حتى يتحقق هذا. وقد ينشغل الزوجان بالحمل والولادة وتربية الأطفال بعد ذلك وتتراجع خلافاتهما وخناقاتهما تحت تأثير محبة الأطفال ورعايتهم، وهذه تسمى المرحلة البيولوجية في الزواج..... ثم تعاود الخناقات الظهور مرة أخرى في مرحلة منتصف العمر حيث يتفرغ الزوجان نسبيا من مسئوليات الأولاد وينتبها إلى احتياجاتهما المحبطة أو المؤجلة ويبحث كل منهما عن إشباعات داخل الأسرة أو خارجها.
ما هي دوافع وأهمية الخناقات في الحياة الزوجية؟
٠ قد تكون دليلا على حب كبير يواجه إحباطا أو تهديدا لذا يهب الطرف المحبط غاضبا ومدافعا عن حبه.
٠ وقد يكون نوعا من التواصل، خاصة حين تصبح العلاقة الزوجية باردة أو يعتريها الفتور والملل، وكأن الخناقة هنا تذيب الجليد وتطرد الملل وتحاول إعادة التوهج في العلاقة.
٠ قد تلجأ الزوجة للخناقات لصرف انتباه زوجها عن التفكير في امرأة أخرى، أو لجذبه للحياة الزوجية إذا كان منشغلا بعمله أو بأصدقائه أو بعائلته.
٠ وهي فرصة لتفريغ شحنات الغضب المتراكمة لدى أحد الطرفين أو كليهما. فقد أثبتت إحدى الدراسات أن الزوجات اللائي يلتزمن الصمت في الخلاف مع أزواجهن يعرضن أنفسهن للمرض أكثر من غيرهن بأربع مرات. إذن فالخناقات هي أحد آليات تفريغ التراكمات السلبية في الحياة الزوجية، فهي أشبه ب "شكمان السيارة" الذي يصرف العادم، وأشبه ب "محطة الصرف الصحي" في أي مدينة، وأن انسدادها يؤدي إلى عواقب وخيمة.
أصول وقواعد الخناقات الزوجية الناجحة:
1– أن نعترف ببديهية الخلافات وحتمية وجودها وبالتالي لا نخشاها.
2– نحن لسنا في حلبة مصارعة يصر أحدنا أن يهزم الآخر بالضربة القاضية ويطرحه أرضا ويفرح لهزيمته.. فنحن لا نتخانق مع شريك الحياة لهدمه بل لبنائه.
3– نسعى إلى أن نخرج من الخناقه إلى مستوى أفضل في العلاقة بعد أن فرّغنا شحناتنا السلبية المتراكمة.
4– نتأكد بأن الله مطلع علينا وأنه حكم بيننا.
5– ضرورة الاحتفاظ بمساحة من الود والإبقاء على خط للرجعة.
6– لنبتعد عن الكلمات الجارحة والمهينة والشخصية.
7– لا نوسع دائرة الخناقة بإدخال أطراف أخرى فيها.
8– نستخدم عقلنا أكثر مما نستخدم أحبال صوتنا أو عضلاتنا.
9– لا نستدعي الخلافات القديمة أو الملفات القديمة (احنا في الخناقه دي وبس).
10– لا نهين أسرة الطرف الآخر.
11– محاولة كبح جماح الغضب قدر الإمكان (فرملة قطار الغضب).
12– التمس العذر للطرف الآخر وحاول وضع نفسك مكانه وحاول أن تتفهم ظروفه وأحواله.
13– حوّل جزءا من الخناقة إلى عتاب، فمثلا تقول : "كلمتك دي جرحتني".. "ماكنتش أتوقع منك كده".. "كنت أتمنى تقف جنبي في محنتي".. "كنت أتمنى تدافع عني وتنصفني".
14– لا تتورط في الجدال بلا نهاية.
15– استمع للطرف الآخر بعض الوقت.
16– انتبه إلى لغة جسدك (السبابة السلطوية العدائية.. إشارات العنف والتحقير والتهديد).
17– إذا أمكن تخير الوقت والمكان المناسبين للخناقة (ابتعد عن الصباح الباكر أو الوقت المتأخر من الليل، وابتعد عن الخناق أمام الأطفال أو أمام الناس أو في الأماكن العامة).
18– حاول التعرف على دوافع الخناقة.
19– ابتعد عن الكلمات القطعية : "أنا عمري ماهاعيش معاك ولا يوم بعد النهارده".. "أنا أنهيتك من حياتي".. "كان يوم إسود يوم ماعرفتك".
20– كف عن معايرة الطرف الآخر : "ناسيه اللي عملتهولك".. "أنا ضحيت كتير عشانك".. "أنا ضيعت عمري عليك وانت ماقدرتش".
21– الإنصات المتفهم قد يكون أفضل تفاعل مع شريك شديد العصبية.
22– انتقد أفعال شريكك لا شخصه.
23– اضبط ترموستات الغضب لديك ولدى الطرف الآخر حتى لا تصلا إلى درجة الغليان والانفجار الخطر.
24– حاول استخدام الفكاهة في بعض تعليقاتك لتخفف من حدة التوتر كلما أمكن.
25– لاتفقد معالم رجولتك (الشهامة والصدق والأمانة والرعاية والاحتواء والمسئولية وضبط النفس).. ولا تفقدي معالم أنوثتك (الرقة والطيبة والحنان واللين).
26– لا تذكر أو تذكري كلمة الطلاق أو الانفصال حتى لا تبدو كخيار أثناء الغضب.
27– تجنب الإيذاء اللفظي (السب والشتم) والإيذاء الجسدي (الضرب).
28– لا نتوقع حل كل المشاكل فورا.
29– لا تواصلي خناقة مع شريك تحت تأثير مخدرات أو مرض نفسي أو منفلت الأعصاب (فكري في مساعدته بالعلاج أولا).
30– لا تنس في لحظات الغضب مزايا وتضحيات شريكك والأوقات الحلوة بينكما.
31– تجنب العبارات التعميمية: "دايما تكسفيني قدام الناس".. "انت قرفتني في عيشتي".. "انت غبية وطول عمرك ماهاتفهمي".. "انت طول عمرك عصبي".. "انتي مفيش فايدة فيكي".
32– العناد يحول الخناقة إلى حرب دائمة.
فن الصلح بعد الخناقة:
الزوجان الناجحان الذكيان يجيدان فن الصلح ويصلان به إلى حالة من التوافق الجميل والانسجام العاطفي والجنسي بعد أن أفرغا شحنة الغضب في الخناقة. وللصلح أيضا أصول وقواعد نذكر منها:
1– تذكر(ي) دائما قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حالة الخصام : "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فاحرص أو احرصي على هذه الخيرية (خيركم خيركم لأهله). وإذا لم يستطع أحدكما ذلك فاتفقا على أن تتبادلا المبادرة للصلح بحيث يصالح كل منكم الآخر مرة. حبذا لو تتصالحا قبل نومكما فلا أحد يدري متى ينقضي عمره.
2– قدم الاعتذار النبيل إذا استطعت فهو يجعل الطرف الآخر يحترمك ويقدرك وربما يعتذر هو الآخر.
3– قدم وعدا صادقا بالتفكير في المشكلة ومحاولة حلها في أقرب وقت.
4– تذكر وذكر الطرف الآخر أن المشكلات لا تحل فورا.
5– ناما في نفس السرير عسى أن يرق قلب أحدكما فيمد يده ليربت على يد الآخر أو يحتضنه.
6– ابتسم في وجه الطرف الآخر وحاول تغيير الجو بروح المداعبة.
7– استرض شريكة حياتك بهدية مفاجئة أو موقف رومانسي غير متوقع.
8– رتبا رحلة خاصة تقضيان فيها وقتا ممتعا ويستحسن أن تكون مفاجئة.
9– تذكرا (كليكما) أن الزواج علاقة تراحمية وليس علاقة ندية أو تنافسية أو صراعية.
10– حاولا نسيان ما حدث والتسامح فيما صدر عنكما وقت الغضب وتمتعا ببدايات جديدة مع كل إشراقة شمس.
واقر أ أيضاً:
فن إدارة الخلافات الزوجية / كيف تكتشفين خيانة زوجك / اﻷسرار بين الزوجين .. كتاب مفتوح أم صندوق مغلق؟