عوائق التعبيرِ عن الذاتِ
تابع: النِساء المؤكدات لذواتهن في القرنِ الحادي والعشرونِ:
قومي بتَطوير قدراتك، للدِفَاع عن نفسك، وقومي بَعمَلُ الأشياءُ لوحدك. كما أن عليك بالمبادرة، فهي تُمْكِنكُ مَنْ تُقليّلَ إجهادَكَ، وتَزِيدُ من إحساسَكَ، لتشعري بقيمتك كإنسان مؤكدا لذاته. وتأكيد الذات من جانب المرأة، ليس معناه منافسة الرجال في أعمالهم، ولكن في أن تقوم المرأة بما عليها من أعباء منزلية، وأهم هؤلاء الأعباء هو تربية النشء، فما الفائدة من أن تكون المرأة مديرة أو حتى وزيرة، ثم تجد من بين أبنائها السارق أو المرتشي أو مدمن المخدرات!!، ولكن إن استطاعت المرأة أن تجمع بين الحسنيين، وهما العمل داخل المنزل وخارجه فلا بأس، وإن كان الجمع بين العملين من الصعوبة بمكان، كالرجل الذي يريد أن يعدل بين زوجتين!.
ولن أخوض كثيرا في تلك المشكلة، لأن الكثير من السيدات يشعرن بحساسية زائدة نحو هذا الموضوع، والسبب في ذلك الإعلام الغربي، ومن يرددون ويروجون له في داخل بلادنا، لدرجة أن هذا الإعلام اتخذ من أعداد السيدات العاملات في مجتمع ما مقياسا لدرجة تطور وتقدم ذلك المجتمع، وكذبوا في ذلك، لأن العبرة في تقدم المجتمعات هي الجودة النوعية في أبناء الأمم من الشباب، سواء أكانوا ذكورا أم إناثا، وبلا تفرقة في قيامهم بما عليهم من واجبات، ثم أخذ ما لهم من حقوق، وليس النسب المئوية والكم!!.
ولكن من يربي الشباب والشابات؟ إنهم الآباء والأمهات. لكن من يقوم بالدور الأكبر في عملية التربية؟ إنهن الأمهات وبلا جدال، فقد اختصهن سبحانه وتعالى بهذه الملكة الفذة، وأعطاهن من المقومات الجسدية والنفسية ما لم يعط الآباء، وذلك ليقمن بهذا الدور الصعب والشاق خير قيام، ومن قام برعاية طفل حديث الولادة سيدرك تماما ما أقول!.
لكل هذا، فليس معنى أن النساء اللاتي يقمن بتربية الأطفال، ويدرن شئون بيوتهن، هن أقل قدرا، وأقل حزما وتوكيدا لذواتهن من الرجال، حاشا وكلا أن يقول عاقل ذلك، فالحقوق محفوظة للجنسين، وعزة الأم وكرامتها من عزة وكرامة الأبناء والبنات، والشباب والشابات، ومن أهان زوجته فقد أهان نفسه وأبناءه وبناته.
وما أريد أن أؤكده في النهاية أن دور المرأة في مجتمعاتنا، وفي ظروفنا الحالية، قد يكون أهم بكثير من دور الرجل، فالظرف التاريخي الذي نعيشه اليوم يحتاج إلى رجال من طراز المعتصم ونور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس، ولكن من سيربي للأمة مثل هؤلاء إلا المرأة؟!.
والآن دعوني أسوق لكم نموذجا مما يروج له بعض الكتاب الغربيين المتخصصين في كتبهم:
" تحقيق مكاسبَ هائلةَ للمرأة من تأكيد الذات:
في العقود الماضية، عَرفَ المجتمعُ نقصَ "متميزِ" في شغل النساء للوظائف القيادية في مجتمعنا، حيث كان المفهوم الشائع هو أن النِساء مخلوقات لطيفة سلبية ومطيعة، ولكن أخيراً، أصبح مفهوم المرأة الحازمة المؤكدة لذاتها قائما، وما هو أكثر من ذلك، فإن انتشار هذا المفهوم قد أصبح عالميا، ومن الأدلة على ذلك.
إن هذا الكتاب الذي يتحدث عن المرأة المؤكدة لذاتها، قد تم تُرجمته ونُشِره في الصين، وألمانيا، واليابان والعديد مِنْ البلدانِ الأخرى. وتُشيرُ التقارير الصحفية بأنّ النِساءِ في بَعْض المجتمعاتِ الإسلاميةِ َبْدأتُ تطالب بالمساواةِ الشخصية والسياسيةِ مع الرجل وبشكل واضح. أما في اليابان، ففي مسح تم عمله في عام 1990 ، وبواسطة أحد البنوك الرئيسية هناك، قد وجدت أنَّ 28 بالمائة مِنْ الموظفين في بنوك اليابان من النساء، وكانت النسبة السابقة هي12 بالمائة".
في هذا المقطع من الكتاب، وهو باللغة الإنجليزية، وقد قمت بترجمة هذه الفقرة منه إلى اللغة العربية بعد أن استثارتني في مضمونها، فلاحظ معي أسلوب المغالطة والاستفزاز لإثارة المرأة الشرقية والذي مازال أهل الغرب يستخدمونه لاستثارة السيدات الشرقيات في الخروج للعمل وحسب، ولا يهم رعاية وتربية الأجيال القادمة، ولا يهم اهتمام المرأة الشرقية بإدارة شئون بيتها، بل هم يجعلون العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة تنازع وتصارع على المناصب الهامة، دون الأخذ في الاعتبار المنزل والأسرة وتربية النشء، وكأن الحياة قد أصبحت حلبة مصارعة بين الرجل والمرأة على المناصب والوظائف المختلفة، كصراع الديكة، ولا مانع من أن يقوم الزوج بتربية الأولاد في البيت، وتقوم الزوجة بالعمل خارج البيت في كل الوظائف من سائقة شاحنة إلى قائد في الجيش!، ثم تعود لتكمل عمل البيت بعد عملها خارج البيت!، دون إعطاء أي قيمة لأهمية العدل في توزيع الأدوار لكل من الزوج و الزوجة في المجتمع، بما يتناسب مع الإمكانيات الجسدية والنفسية لكل طرف منهما.
فهل هذا هو التحضر والتقدم؟ والمشكلة أن أهل الغرب يسعون لإقناع أهل الشرق بذلك، بل وفرضه بالقوة إذا أتيحت لهم الفرصة لفعل ذلك، رافعين راية الحرية الشخصية والاستقلالية وتأكيد الذات للمرأة!، وإذا كان نظام التربية والتعليم في الغرب على درجة من الرقي والتقدم والمهنية العالية، والتي تتيح تربية وتعليم النشء بصورة جيدة تعوض أطفال وفتيان المدارس عن التفكك الأسري الذي تعاني منه معظم الأسر في المجتمعات الغربية ككل، فهل عندنا في دولنا المتأخرة نظام تعليمي وتربوي جيد يحمي الأبناء إذا ما تصارع الآباء والأمهات على الوظائف المختلفة في المجتمع؟
إن نعمة الترابط الأسري التي مازالت تميز بعض مجتمعاتنا لهي من جزيل النعم التي تستحق منا الدعم والتشجيع!، فالبديل للعدل والاحترام والمودة والرحمة المتبادلة بين الأزواج والزوجات في مجتمعاتنا، هو ارتفاع معدلات الطلاق مع خراب البيوت الزوجية وضياع الأبناء، والذي يعني ضعف وانهيار مجتمعاتنا أكثر وأكثر، أفلا ترون معي أن نظرتنا للتقدم الغربي سطحية؟
نقلدهم في المظاهر فقط كلبس الجينز، والاستماع للأغاني الأجنبية، ومتابعة نجوم هوليود والانبهار بهم وتقليدهم في ملبسهم، وفي قصات شعورهم، ومن يعطه الله المال منا يتفاخر بركوب السيارات الغربية الفارهه، ولكننا لم نفكر على الإطلاق في أن نتفاخر بإنتاج أفلام تروج لثقافتنا وقضايانا كما يروج الغرب لقضاياه، ولا أن نتفاخر بإنتاج – لن أقول بصنع طائرة مدنية للركاب، وإن كان ذلك من أبسط حقوقنا في استثمار ما لدينا من أموال وخبرات– بل قل نتفاخر حتى بإنتاج سيارة شعبية يعتز المواطن العربي بركوبها!. ولم نفكر في أن نأخذ من الغرب تشجيع العلم والعلماء، واحترام التخصص والمتخصصين، وإنصاف المجتهدين وتشجيعهم في شتى مجالات الحياة، بل على العكس نحارب أهل الرأي والمجتهدين ومعاداتهم، ونتفنن في حربهم بدلا من أن نستفيد من خبراتهم!!، وكأن شوقي حاضرا بيننا يصرخ قائلا:
فكبير ألا يصـــان كبير ..... وعظيم أن ينبذ العظمـاء
لكل هذا لا أعتقد أن تأكيدنا لذواتنا واحترامنا لأنفسنا كأمة وكأفراد يتحقق مع التفكير السطحي، والتقليد الأعمى للغرب.
ويتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كفاح أول طبيبة في العالم