قضية المرأة / قضية الإنسان1
حقوق المرأة / حقوق الإنسان:
والرؤيا المبدئية ستؤدي إلى طرح إشكالية مفهوم حقوق المرأة. هل هي نفسها حقوق الإنسان، أم إنها تختلف عنها، وما درجة الاختلاف إن وجد؟ وهل في إمكان المرأة أن تحصل على حقوقها كاملة؟ أم أن طرح حقوق المرأة هي مجرد إيديولوجية توظف لاستغلال المرأة في محطات معينة؟ ثم بعد ذلك يعود الأمر إلى ما كان عليه.
والواقع أن الانطلاق من الرؤيا المبدئية بجنبنا الكثير من المزالق التي قد تقود إلى إلحاق الحيف بالمرأة من منطلق أن حقوق المرأة تختلف عن حقوق الناس –هكذا - وأن هذه الحقوق ترتبط بمفهوم معين، أو بعقيدة معينة، وهو ما يتنافى مع علاقة الخاص بالعام من جهة، ومع مبدئية الكونية والشمولية من جهة أخرى، فتجنب المزالق على مستوى المفهوم، وعلى مستوى الممارسة سيجعل المرأة جزءا من حقوق الإنسان ومادامت كذلك فهي ذات:
1 ) حقوق اقتصادية تبيح لها الحصول على مصدر للدخل الاقتصادي الذي يمكنها من حفظ كرامتها وتجنبها المزالق المختلفة التي تنعت بها في المجتمعات المختلفة.
2 ) حقوق اجتماعية تمكنها من التعلم والتطبيب والشغل والسكن، والحماية الاجتماعية حتى تندمج اندماجا سليما في المجتمع، وهذا الاندماج السليم يعتبر شرطا لاحترام كرامة المرأة.
3 ) حقوق ثقافية تقف وراء تكريس ا لنظرة الصحيحة للمرأة بدل النظرة الدونية السائدة في المجتمعات التابعة فالثقافة تقف وراء التصورات والممارسات التي يقوم بها الناس في الواقع على جميع المستويات. ولذلك فالاهتمام بتثقيف المرأة يعتبر أساسيا في جعلها مساهمة في إغناء ثقافة المجتمع والثقافة الإنسانية مما يعتبر مساهمة من المرأة في تغيير النظرة إليها، وتشكيل ممارسة جديدة تجاهها تتناسب مع عصر حقوق الإنسان.
4 ) حقوق مدنية ترفع مكانة المرأة إلى مستوى مكانة الرجل في المجتمع وتجعلها مساوية له في الحقوق والواجبات، وأمام القانون لا يلحقها حيف، ولا تضر غيرها إلا بموجب القانون، تتاح لها الفرصة لتحمل جميع المسؤوليات بمحض إرادتها.
5) وحقوق سياسية تجعل المرأة كالرجل في اكتساب حق الانتخاب وحق الترشيح، وحق تحمل المسؤولية الجماعية والبرلمانية وحق الانتماء إلى الأحزاب والنقابات والجمعيات وحق إنشائها وتحمل المسؤولية فيها دون توجيه من أحد، أو وصاية عليها.
وبالإضافة إلى هذه الحقوق، هناك حقوق أخرى تقتضيها طبيعتها كامرأة من أجل حمايتها من كافة الأخطار التي قد تتعرض لها سواء من طرف الرجل أو من طرف المجتمع، وهذه الحقوق الخاصة يجب أن تتم إجراءاتها في القوانين الخاصة كقانون مدونة الأحوال الشخصية.
وتتمتع المرأة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية وبحقوقها الخاصة عن طريق أجرأت تلك الحقوق في القوانين المعمول بها التي يجب أن تتلاءم مع المواثيق الدولية وخاصة قانون مدونة الأحوال الشخصية الذي يكرس دونية المرأة، ويحط من قيمتها في كل بلد إسلامي.
أهمية المرأة بالنسبة للمجتمع:
وانطلاقا من تمتيع المرأة بالحقوق العامة والخاصة نجد أنها تكتسب أهمية كبيرة على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع كزوجة، كأخت، وكبنت، وهذه الأهمية تتنوع بتنوع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وبها تصبح ندا للرجل في تلك المجالات، لها ماله، وعليها ما عليه، يراهن المجتمع عليها كما يراهن على الرجل.
1) فهي تمارس الأنشطة الاقتصادية في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات والزراعة والابناك وغيرها وبتلك الممارسة تتحول إلى مالكة لوسائل الإنتاج أو مشغلة لتلك الوسائل، تسعى إما إلى تنمية مشاريعها ومقاولاتها، وإما إلى تحسين أوضاعها المادية والمعنوية عن طريق إنشاء تنظيمات لهذه الغاية.
2) وهي تمارس أنشطة اجتماعية عن طريق اشتغالها في مجالات التعليم والصحة بالخصوص حيث تكون عطاءاتها بدون حدود فتكتسب بذلك أهمية خاصة في قطاعي التعليم والصحة بسبب ما تقدمه من خدمات تتسم بالعمق الإنساني من خلال تعاملها مع الطفل، الشباب والمريض، وهو ما يجعل خدمتها أكثر إفادة من خدمة الرجل، نظرا لطبيعتها كامرأة.
فتقديم الخدمات الاجتماعية من خلال المؤسسات الخدماتية يعتبر ضروريا حتى تستمر سلامة المجتمع من الأمراض المختلفة، إلا أن تقديم الخدمات تختلف من الرجل إلى المرأة بسبب اختلاف طبيعة كل منهما، ولكون المجتمع يطمئن إلى خدمات المرأة أكثر من اطمئنانه إلى خدمات الرجل لاعتبارات نفسية وإنسانية.
3) وهي تساهم في إثراء الثقافة من خلال ممارسة الإبداع الثقافي، والعمل على تنشيط الأدوات الثقافية المختلفة، وخاصة إذا كانت الثقافة مضادة وهادفة لتناسبها مع شكل المرأة على جميع المستويات في المجتمعات المتخلفة والتابعة، فدور المرأة في المجال الثقافي أصبح واردا أكثر من أي وقت مضى لاعتبارات نذكر منها:
ا- أن الوعي الثقافي المقلوب يستهدف تدجين المرأة وتكريس استلابها وهي المعنية بالدرجة الأولى بمقولة التدجين والاستيلاب في حالة تسرب الوعي الحقيقي إليها.
ب- إن تخلف المجتمع يتجسد بشكل كبير في صفوف النساء، لذلك فمساهمة المرأة في إثراء الثقافة سيقود إلى إدراك المجتمع خطورة التخلف من جهة، وإلى جعل المرأة تدرك خطورة تخلفها من جهة أخرى حتى تعمل على انعتاقها.
ج- إن المجتمع لا يمكن أن يستغني عن مساهمة المرأة على المستوى الثقافي نظرا لأن معظم الممارسات الثقافية لها علاقة بها، سواء تعلق الأمر بالعادات والتقاليد والأعراف وغيرها مما يجعلها محور الإبداعات الثقافية المختلفة سواء كانت من إنتاج الرجل أو المرأة.
د- إن إعداد الأجيال ثقافيا رهين بمساهمة المرأة الرائدة على مستوى التنشيط الثقافي.
وبذلك يكون دور المرأة الثقافي حاضرا في الممارسة اليومية في جميع الأنسجة الاجتماعية ودافعا إلى التخلص من مجموعة من الأمراض الثقافية.
4) وهي تنخرط في الممارسة السياسية من بابها الواسع فتنتمي إلى الأحزاب السياسية وتتحمل المسؤولية الأساسية فيها. بل قد تصل إلى مستوى القيادة المحلية والوطنية، ومن خلالها قد تتحمل المسؤوليات الجماعية والبرلمانية التي قد توصل إلى المسؤوليات الحكومية.
ونظرا لقناعة المرأة باختيارات سياسية معينة فإنها تنخرط في تنفيذ برنامج نضالي معين يستهدف فرض اختيارات نقيضة للاختيارات السائدة حتى تحصل على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية المؤدية إلى إدماج المرأة في التنمية المستدامة تماما كما هو الشأن بالنسبة للرجل.
وبسبب تهميش المرأة على المستوى السياسي، فإن النظرة الدونية السائدة في المجتمع تجاه المرأة تجعل مساهمة المرأة في الحركة السياسية يعتبر نشازا من المرأة مما يقتضي اختزال ممارستها السياسية في الإدلاء بصوتها كلما كانت هناك انتخابات لتغليب جهة معينة على باقي الجهات المناهضة للاختيارات القائمة، وبعد ذلك تعود إلى جحرها تختفي فيه، وتنشغل بأمور الحياة اليومية حتى وإن كانت موظفة أو محامية أو مهندسة.... فخروجها لا يجيز لها القيام بالممارسة السياسية.
وللخروج من وضعية ضعف مساهمة المرأة في الحياة السياسية والحزبية، لا بد من إطلاق الحريات العامة والسياسية بالخصوص والعمل على إدماج المرأة في التنمية، وإعادة النظر في القوانين التي تكرس دونية المرأة وملاءمتها مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتجريم ممارسة الدونية ضد المرأة حتى تعود للمرأة المكانة التي تستحقها، وتمتلك الشجاعة على إعلان انتمائها السياسي، ودخولها في الممارسة السياسية لتسجل حضورها وبكثافة على جميع المستويات.
يتبع.......... قضية المرأة / قضية الإنسان3
واقرأ أيضًا:
حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women / زينة المرأة والصحة النفسية