أثارت دعوةُ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل لانتهاز الفرصة التاريخية، والتقدم نحو إبرام سلام مع الفلسطينيين على أساس المبادرة العربية أو الفرنسية، نقاشاتٍ واسعة في إسرائيل. فقد تلقفتها وسائل الإعلام والأحزاب السياسية هناك، ما دفع الكثيرين للاعتقاد أنها أرضية الاتصالات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزعيم المعسكر الصهيوني، اسحق هرتسوغ، لتشكيل حكومةٍ موسعة. لكن سرعان ما تبددت الأوهام التي نسجت حول إمكانية التقدم نحو السلام، ووّجه نتنياهو صفعةً قويةً للداعين لذلك، عن طريق عرضه تسليم وزارة الدفاع للفاشي أفيغدور ليبرمان.
وبحسب المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت»، أليكس فيشمان، فإن ما جرى لم يكن أكثر من «مهزلة شرق أوسطية أخرى، نكتة غير ناجحة اخرى على حساب مصيرنا. ما بدأ كخطوة سياسية انتهى بلعبة سياسية داخلية، سرقت كل الأوراق. لخليط ليبرمان ونتنياهو لا توجد معطيات أولية من أجل الوصول الى مفاوضات مع الجامعة العربية في القاهرة».
وأضاف أنه «لخطاب السيسي، كما خطاب السادات في حينه، مرت أشهر عدة جرت خلالها اتصالات بين الطرفين من خلف الكواليس. هذه المرة قادها مبعوث رئيس الوزراء، المحامي اسحق مولخو، مع رجال السيسي في القاهرة». وفي نظره، لمصر مصلحةٌ في عدم انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله وعدم وصول جهات أشد تطرفاً من «حماس» للحكم في غزة، وأثر ذلك على الوضع في سيناء. ولإسرائيل مصلحةٌ في محاولة سحب البساط من تحت أقدام خطوة أوروبية منسقة مع الأميركيين تُجبر إسرائيل على قبول تسوية، كما تمنع انفجار الوضع في الأراضي المحتلة.
وبحسب فيشمان، فإن «الاتفاق بين ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية ومقر الرئاسة المصرية تحدث عن مبادرة الرئيس المصري الى التـوجه علناً لاستئناف المفاوضات، على أن يسحب نتنياهو اعتراضه على المؤتمر الاقليمي لاستئــناف المفاوضات، وعندها يبدأ الطرفان بتنسيق المؤتمر. توقيت نشر توجه السيسي العلني أملاه نتنــياهو. وعملت الخطة كالساعة السويسرية. ونشر نتنـياهو وابو مازن بيانات تأييد، كما هو مخطط. وعندها جاءت لذعة نتنياهو».
لكن المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس»، باراك رابيد، أوضح أن سلسلة جهات دولية على رأسها رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، عملت خلف الكواليس لتظهير خطاب الرئيس السيسي ضمن خطة لتهيئة الأرضية لضم المعسكر الصهيوني لحكومة نتنياهو. وفي نظر رابيد، كانت خطوة بلير أوسع تدخل دولي لم يسبق له مثيل في اللعبة الداخلية الإسرائيلية. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن بلير تصرف بالتنسيق مع هرتسوغ ومع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهو من حثّ وشجع الرئيس المصري على إلقاء خطابه ودعوة «الأحزاب في إسرائيل» للتوصل إلى اتفاق وطني حول الحاجة للتقدم نحو السلام مع الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، كان بلير يصل إلى المنطقة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ويلتقي في كل مرة تقريباً نتنياهو، ومع هرتسوغ ويطلعهما عن نتائج لقاءاته مع قادة عرب. والرسالة الدائمة التي حملها بلير كانت أن هناك «رغبة واستعداد لدى الدول العربية السنية لتحقيق اختراق في العلاقات مع إسرائيل. لكنه كان يقول إن الأمر مشروط بتنفيذ خطوات في الضفة الغربية وقطاع غزة، تظهر جدية إسرائيل في حث حل الدولتين».
وقبل بضعة أسابيع وعلى خلفية الاتصالات بين نتنياهو وهرتسوغ، بدأ بلير في محادثات مع الرجلين في محاولة لخلق جدول أعمال مشترك بينهما لتحقيق خطوة سياسية إقليمية بعد انضمام المعسكر الصهيوني للحكومة. وكانت نشاطات بلير خلفية إعلان هرتسوغ عن «فرصة إقليمية نادرة» لحث عملية السلام. وفي الأسبوع الماضي، زار بلير القاهرة وأجرى محادثات مع كبار المسؤولين هناك لتجنيدهم للخطوة. وبحسب مصدر إسرائيلي مطلع، فإن بلير هو من عرض على الرئيس المصري إلقاء خطاب وتوجيه رسالة للجمهور والأحزاب في إسرائيل بشأن الحاجة لحث العملية السلمية مع الفلسطينيين.
ونسق بلير خطواته بهذا الشأن مع هرتسوغ ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومع نتنياهو والرئيس المصري. وبحسب مصدر إسرائيلي، فإنه بسبب نشاطات بلير، درس كيري أمر تأجيل بيان «الرباعية الدولية» المتوقع أن يحمل انتقادات شديدة لإسرائيل، إذا انضم المعسكر الصهيوني للحكومة. ومعروفٌ أن البيان سيصدر في 25 أيار الحالي.
وبعد زيارته الأخيرة للقاهرة، وصل بلير إلى إسرائيل والتقى بكل من نتنياهو وهرتسوغ حيث عمل حتى داخل حزب العمل لتجنيد التأييد لدخول حكومة نتنياهو.
وحتى ظهر يوم الثلاثاء الماضي، كانت خطة بلير تعمل بنجاح، حيث ألقى الرئيس المصري خطابه موجهاً الرسائل المتفق عليها وسارع هرتسوغ ونتنياهو لمباركة الخطاب. ولكن كل ذلك تغير بعد ذلك: فشلت مفاوضات هرتسوغ ـ نتنياهو ودخل إلى المشهد أفيغدور ليبرمان. ويقول هرتسوغ إن المفاوضات فشلت لأن نتنياهو رفض أن يوثق التفاهم بينهما حول المستوطنات والمفاوضات مع الفلسطينيين كتابياً. ولكن في محيط نتنياهو، يقولون إن رئيس الحكومة الإسرائيلية فَهِم أن هرتسوغ عاجز عن تمرير الخطة في المعسكر الصهيوني.
والنتيجة، بحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين، هي أن «بلير، السيسي وهرتسوغ لا يفهمون كيف أن نتنياهو في النهاية ذهب إلى ليبرمان».
نقلا عن جريدة السفير
واقرأ أيضاً:
إخلاء سيناء مطلب (إسرائيلي)!/ شروط إسرائيل والسلام المستحيل!/ كل مجلس أمن وأنتم طيبون / نحن وحركة فتح فى ذكراها الخمسين/ القدس رايتنا!