الفصل الخامس
فيما يلي المعتقدات التي تعارض التوازن وأوقات الفراغ، وهي من المعتقدات التي تعيق تأكيد الذات، وقد تندهش حين تجد أن معظم الناس الذين هم مقتنعون بتلك المعتقدات يعلنون عن قواعد وأنظمة حول طرق معيشتهم وعملهم منبثقة من العدم ومبنية على تلك المعتقدات الخاطئة.
معتقدات عامة خاطئة:
يجب أن تلبي احتياجات الآخرين قبل احتياجاتك.
إذا أردت أن تبرع في عملك، عليك أن تقوم به بنفسك.
يجب أن تنهي كل ما عليك يوميا.
عليك أن تكون دائم الانشغال.
يعتبر وقت الفراغ ترفا.
يجب أن تكون كل شيء ولكل الناس.
النوم فقط للتافهين.
عمل المرأة لا ينتهي أبدا.
إذا كان الأمر يستحق القيام به فهو إذا يستحق القيام به بشكل صحيح وإلا فلا تبدأ فيه مطلقا.
يجب ألا تشاهد التلفاز أثناء النهار أو حتى في نهاية الأسابيع.
معتقدات خاطئة متعلقة بالعمل:
إذا لم تعمل بكد ولساعات طويلة لن ترتقي في عملك.
عمل بكد = مال = نجاح.
أن تبرز = أن تلتزم.
لا أحتاج إلى استراحات.
يعتبر قول "لا" غير مقبول، وبالتالي لا يعتبر خيارا
طلب المساعدة يعتبر ضعفا.
إذا كان رئيسك موجودا يجب أن تكون موجودا أيضا.
احتاج إلى أن أكون متواجداً 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأسبوع.
إذا كنت شهيدا وضحية لعملك فإنك تستحق وسام شرف على صدرك.
قم بكل ما يُطلب منك وإن كان خطأ؛ لتترقى في عملك ولتصل ولتنجح.
فيما سبق تصريحات من أناس حقيقيين؛ فلا عجب في ألا يتوافر لهم التوازن وأوقات الفراغ.
إن العبارات التي تتضمن "يجب"، "أحتاج إلى"، و"عليّ"، تعتبر عادة معتقدات. إن التعميم والحكم مثل "الناس الذين يغادرون عملهم باكرا يتهربون من العمل". هي أيضا معتقدات، وتكمن المشكلة في المعتقدات في أنها غالبا لا تخدمنا جيدا، ونحتاج إلى ثلاثة أشياء للتحكم أكثر بحياتنا ولابتكار توازن أفضل، وفيما يلي بعض الاقتراحات عليكم القيام بها:
حدد معتقداتك التي تعارض التوازن وأوقات الفراغ.
تحد هذه المعتقدات. كف عن قبولها على أنها الحقيقة وسلط عليها الضوء وانظر إليها بعين ناقدة.
إن المعتقدات ليست الحقيقة ولكنها نسخة عن الحقيقة فقط وعن رأينا في الأشياء.
راجع معتقداتك التي تحد من تأكيدك لذاتك واستبدلها بمعتقدات أخرى.
فيما يلي بعض الأمثلة حول المعتقدات البناءة:
وقت الفراغ ليس ترفا بل هو ضرورة للصحة الجيدة.
هناك أوقات لا بأس فيها من أن نقول "لا".
من الممكن تلبية حاجاتي مع حاجات الآخرين، ويمكن أن ألبي الاثنين معا.
وصفة من مؤسس الدولة العباسية لتأكيد الحاكم لذاته، وإصلاحه لدولته:
قال المنصور يوما: ما كان أحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم!. قيل يا أمير المؤمنين من هم؟ قال: هم أركان الملك، لا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم، إن نقصت قائمة واحدة وقع. أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي لي ولا يظلم الرعية، فإني غني عن ظلمها. ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات حيث يقول في كل مرة: آه آه آه، قيل من هو الرابع يا أمير المؤمنين؟ قال صاحب بريد يكتب لي بخبر هؤلاء على الصحة.
بالطبع إذا كان القضاء في الدولة نزيها، فلا يهتم القاضي برضى حاكم، أو رضى وزير، أو رضى أي صاحب سلطة في الأمة، فإن إحساس الناس بالعدل يزيد من ولائهم لأمتهم ولحاكمهم، والإحساس بالعدل يجعل أهل الصلاح والخير يعلون، وأهل الشر والظلم يخنسون وينخذلون، وهذا على الدوام هو مراد الأمم الفتية الناهضة. سأل الإسكندر أرسطو: "أيهما أفضل للملوك، الشجاعة أم العدل؟ فقال أرسطو: "إذا عدل السلطان لم يحتج إلى الشجاعة". وعلى الرغم من عدل السلطان والقاضي -وذلك إن عدلا- فليس معنى ذلك أن جميع الرعية سوف يرضون عنهما؛ يقول ابن الوردي:
ليس يخلو المرء من ضد، ولو حاول العزلة في رأس جبل
إن نصف الناس أعداءٌ لمن وليَ الأحكام هذا إن عــــــدل
والتأني والروية في إصدار الأحكام على المذنبين والعصاة والمتهمين لمن الحكمة لدى ولاة الأمور والقضاة؛ وذلك تجنباً لظلم المتهمين؛ ولذلك قيل: "ليس من العدل سرعة العذل". وكذلك الوضع بالنسبة لوزير الداخلية ورجال الشرطة، فكل أبناء الشعب سواسية أمامهم؛ ومهمتهم هي إنصاف المظلوم من الظالم، وذلك أيا كان الظالم قويا وأيا كان المظلوم ضعيفا!، وبالطبع يعينهم على ذلك الحاكم إقرارا للعدل بين الرعية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في بعض الآثار: "إن الله ليقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة". ومن طريف ما تذكره كتب السير: أن سجاناً سأل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله: "يا إمام هل أنا من أعوان الظلمة؟"، قال له الإمام أحمد: "لا، بل أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر". ومما قرأته في رائعة أديبنا العالمي الحاضر الغائب نجيب محفوظ "ليالي ألف ليلة" : "يقول وزراء الداخلية في كل الدول المستبدة: إن من واجبنا أن ننفذ الأوامر، فيتم الرد عليهم بكل بساطة: إذا دعيتم لخير ادعيتم العجز، وإذا دعيتم لشر بادرتم إليه باسم الواجب وتنفيذ الأوامر!!. فهم للأسف الشديد أصحاب عنف ولا حاجة بهم إلى الحيلة".
أما المسئول الأكبر عن الضرائب بوزارة المالية فلابد وأن يكون رحيما ذا شفقة بالضعفاء ومحدودي الدخل، عفيفا لا تمتد يده إلى رشوة أو مال حرام، كما يعيش مشاكل الناس الذين يجمع منهم الضرائب، فإذا أحس أن أخذ الضرائب من بعض الضعفاء ومحدودي الدخل فيه ظلم وتعدي على أموالهم فعليه أن يرد عليهم أموالهم فورا؛ وذلك دفعا للظلم عنهم، ولا يكون هدفه وهمه هو جمع أكبر قدر من الأموال لخزينة الدولة وحسب؛ فأمانة عمله تستوجب عليه مراعاة ظروف المعسرين وأصحاب المصائب والنكبات؛ فلا يزيد همومهم بأخذ ضرائب منهم، ولنتذكر معاً هذا القول الحق، والذي كثيراً ما نراه متحققا عيانا بيانا أمام أعيننا في الدنيا: "إن يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم".
وأذكر بهذه المناسبة أيضاً أن والي مصر في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بعث إليه قلقا بأن خراج مصر قل في عام ما، وذلك بسبب كثرة من دخل في الإسلام من أقباط مصر ووضع الجزية عن من دخل في الإسلام منهم، والوالي يسأل الخليفة في أن يستمر من يدخل في الإسلام في دفع بعض الضرائب حتى لا يضطرب خراج مصر وبالتالي ميزانية الدولة!؛ فانظر معي إلى هذا الرد الجميل -من خليفة عادل فاهم لدينه- على عامله بمصر؛ فكتب له قائلاً: "إن الله تعالى قد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس هاديا و لم يرسله جابيا"، لله درك يا عمر وأنت تلخص بكلمات معدودات رسالة الإسلام في الأرض؛ وهي أن هذا الدين الجميل يهتم بهداية الناس إلى ربهم وتوحيده أكثر من اهتمامه بجمع المال من الناس لضبط ميزانية الدولة وملء الخزينة بالأموال.
أما صاحب البريد الذي يقصده الخليفة المنصور فدوره في أيامنا هو دور رجال المخابرات، وما أخطر دورهم، فهم عيون راصدة للحاكم على كل صغيرة وكبيرة في الدولة، وهم يتابعون رجال الحكومة كلهم (في السر بالطبع)، وكذلك يتابعون السياسات الداخلية والخارجية للدولة، وهلم جرا من القرارات والأعمال التي تتم بالدولة في الخفاء قبل العلن، فإن لم يكن هؤلاء على درجة عالية من العفة والأمانة والخوف من الله عز وجل لاستغلوا مناصبهم الحساسة أسوأ استغلال في إيذاء من يبغضونه، وفي محاباة من يميلون إليه ويحبونه، وبدون وجه حق!!. يقول جبران عن هشاشة عدل البشر:
إن عدل الناس ثلج إن رأته الشمس ذاب
يقول المثل الهندي: "شر الحكام من خافه البريء وأمنه المجرم". ولكي يتجنب الحكام ذلك الشر يُعلِّمهم أبو الخلفاء العباسيين درسا في تأكيد ذواتهم، ودعم حكمهم، ورفع شأن أنفسهم وشعوبهم؛ وهي وصفة ناجعة لكل حاكم يريد أن ينهض برعيته، ويريد أن يترك لنفسه سيرة عطرة بعد وفاته، ولا يكون ذلك إلا بتوافر خلق العفة فيمن يقومون بخدمة الرعية في أربعة مجالات، دعونا نتحدث عن تلك المجالات الأربعة ببعض الإسهاب:
حسن اختيار القائمين على مجال القضاء من وزير العدل إلى النائب العام إلى فقهاء القانون الذين يقومون بصياغة القوانين تمهيدا لموافقة ممثلي الشعب في البرلمان عليها، ويشتمل ذلك أيضا على كبار القضاة وكبار رجال النيابة وخبراء وزارة العدل؛ فلابد وأن يكونوا جميعا على درجة عالية من العفة والأمانة والخوف من الله، كل ذلك لضمان نزاهة القضاء، والتأكد من احترام الجميع للقانون، وخضوع الجميع لسيادته وسطوته. وكما قيل: "إذا تدخل الحاكم في القضاء فماذا يبقى ضماناً للناس؟". ويُروى عن رجل فاضل أجحف حقه أحد الأمراء، ولم ينصفه القاضي، ولا كتبة العدل؛ فما كان منه إلا أن أكد ذاته وحقه بإنشاد بيتين خالدين من الشعر قائلاً:
إذا خان الأمير وكاتباه وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
وكما قيل أيضاً: "الحق أبلج، والباطل لجلج".
أما وزارة الداخلية بشُعبها المختلفة من مباحث عامة وجوازات وجمارك وأموال عامة وطرق ومواصلات ومرور وآداب ومخدرات وآثار وغيرهم من الشًّعَب الكثيرة المتعددة، فإن الاهتمام باختيار أفضل العناصر البشرية بالشرطة من جنود وضباط ومدنيين من حيث توافر أخلاقيات العفة والأمانة والشجاعة لديهم أمر هام في صلاح الرعية؛ وذلك ليكونوا في خدمة الأخيار من الناس، وليكسروا شوكة الأشرار منهم، فيعلو الحق ويزهق الباطل.
يأتي بعد ذلك المسئولين عن جمع الضرائب من القيادات سواء من يقرر الضرائب في البرلمان أو مجالس الشورى من أهل الاختصاص، أو من يقوم بجمع تلك الضرائب من الرعية، فلابد وأن يكونوا من أهل العفة والمرؤة والرحمة بخلق الله من الرعية.
أما رجال المخابرات بشعبهم المختلفة سواء عامة أو حربية أو أمن دولة فلهم من عظيم الشأن مالهم في معرفة كل صغيرة وكبيرة عن القيادات الأخرى بالدولة!، وعن معرفة أحوال الرعية العامة، وتبليغ تلك الأخبار للحاكم بأمانة ودقة وفي الوقت المناسب بصورة واضحة وموجزة، فإن لم يكونوا على درجة عالية من (الاستقامة) والعفة والخلق الراقي الكريم فقل على الأمة السلام، ومن المعروف عالميا ودوليا أن العناصر القيادية في رجال المخابرات يجب أن تتوافر فيهم العفة والنزاهة والأمانة والولاء وحب الوطن، فلا يُعَّين في المناصب القيادية منهم مدمن أو زير نساء أو لاعب قمار أو متطرف فكر أو بذيء لسان مثلا.
لقد سبق أبو جعفر المنصور بهذه الكلمات القليلة النظريات الحديثة في أقسام ومعاهد وكليات علوم السياسة والاقتصاد في العالم المتحضر، ولكن المهم هو توافر من يحمل راية التنفيذ وبإخلاص!.
ويتبع >>>>>>>>>>> العيادة السلوكية لتأكيد الذات