الواقع العربي, ومنذ اكتشاف النفط في أرضه, يتميز بانزلاقات متلاحقة ومتراكمة على سطوح مصقولة ومطلية بالنفط, وما نجت دولة عربية واحدة من مصير الانزلاق. وكان العراق أول الدول المنزلقة, فتورط في مَزلقة ما بعدها من مَزلقة, ولا يزال متوحلا فيها, وكانت أعظم الانزلاقات التي حصلت هي المزلقة العراقية الإيرانية, التي مضت الدولتان فيها حتى اليوم, بعد أن تم استثمارها وتطويرها وتوليدها منزلقات لا تنتهي.
وما الانقلابات والحروب والصراعات والأحزاب إلا مطبات انزلاقية, تهاوت فيها الدول العربية بمجتمعاتها كافة, وهذا يفسر عدم نجاحها في إقامة أنظمة دستورية معاصرة ذات قيمة حضارية, وإنما عبّرت عن إرادة ورؤية المنزلقات التي وقعت فيها, وما خرجت منها إلا كركام وحطام.
فأحزاب العرب وخصوصا الدينية منزلقات دامية وجحيمات حامية. وأبشع وأشرس المنزلقات هما الطائفية والفئوية التي سقط فيهما العرب أجمعين, وصاروا قوة سلبية مروعة للانقضاض على وجودهم وتبديد طاقاتهم وقدراتهم, وتورطهم بأمور انقراضية إمحاقية انتحارية, ينجزونها بأنفسهم.
فمَزلقة الطائفية ورطة عربية فنائية بلا منازع, وقوة إجهاضية لجميع ما فيهم من إرادات وتطلعات وآمال وطموحات, ذلك أنهم متوحلون وغاطسون في آبار الغابرات ومدثرون بتراب الأجداث, ويتكلمون بلسان الأموات, فلا هم أحياء ولا هم أموات, وإنما يؤدون دور الدمى المحكومة المصير, والمسخرة لتأدية أدوارها التدميرية وهي تتراقص أمام الناظرين.
والعجب في العرب أنهم لا يتعظون من منزلقاتهم السابقة, وإنما يعتبرونها ثورات وانتصارات وتسلقات وتحديات, وما أنجزوا فيها غير الخراب الشامل الذي يشير إليه الواقع الماثل, ويترجمه السلوك البائس الخامل.
ويذهب العجب عندما نعلم بأن المنزلقات العربية تتواكب بسرعة وانقضاض غاشم, لا يسمح بصحوة عقلية ورؤية واضحة, وإنما يتمزلق العرب وفقا لمشيئة صناع المنزلقات, وتناسبا مع وفرة النفط الذي يندهنون به فلا يعرفون الثبات في مكان, أو الانطلاق إلى أمام, وإنما وقفتهم متأرجحة ومصيرهم مضطرب ومجهول, بفعل فقدان التوازن الذي توفره هذه المنزلقات.
وآخر المنزلقات العربية ما يحصل في اليمن التي انزلقت فيها إيران والسعودية, ولا يُعرف نهاية لها ولا نتيجة إلا الخسران الفادح, ويبدو أن مسلسل المنزلقات يتمدد إلى باقي الدول العربية, والمُستهدف الأكبر بعد إنزلاق السعودية هو مصر, التي يتم إعداد ما لا يحصى من المنزلقات لها, علها تنزلق بواحدة منها, وقد كادت أن تنزلق لولا يقظة وأهْبة أبنائها, لكن مسلسل المنزلقات في أعتى صوره, ودوام تعجيله وانقضاضه, ويُخشى أن تتورط مصر في منزلق. ولا ننسى منزلق سوريا الذي وقعت فيه عدد من الدول الإقليمية والعربية, وتورطت بمتواليات الصراع الدامي والتدمير الخلاق الجاري على قدم وساق.
تلك حكاية واقع عربي إقليمي مأزوم بالمنزلقات ومحكوم بها, ولا يمكنه الخروج من مآزقه إلا برؤية جامعة تسعى لتأمين المصالح المشتركة, وتهدف للاتحاد والتعاون والتكامل على كافة الصعد والمستويات, وإن لم تستيقظ الدول العربية والإقليمية, فإنها ستهلك في المنزلقات وستستنزف قدراتها, وتقع في شراك الصيادين وأحابيل المفترسين.
فهل سيتم الابتعاد عن المنزلقات المدهونة بالنفط؟!!
أمْ أنها محنة نفطية انزلاقية متوثبة الامتهان والافتراس!!!
واقرأ أيضاً:
الديمقرطية بين الكائن والكامن!!/ الحلم الديمقراطي!!/ الحل في العقل!!/ النجمة الحائرة!!/ الانفجار الديمقراطي!!/ القوة والسلوك!!/ تعريفٌ بالعشق الفتان!!/ نهر الحرية الدفاق!!/ أفكار حصان!!/ مفاهيمنا العتيقة!!/التفاعل والاتفاق!!/ طه حسين الروح التي أثمرت!!/ الانسكاب الحضاري!!/ لا يصح إلا الصحيح!!/ لنحاور أنفسنا قبل أن نتحاور؟!!/ أوعية الشعوب المثقوبة!/ تُجّار اليأس!!/ بلاد الأرقام أوطاني؟!!/ العقيدة العلمية الغائبة!!/هل نراجع لكي نكون؟!! / الاعتماد القاتل!!/ صوت الكلمة!!