الأنظمة العربية من أسهل أنظمة مجتمعات الدنيا انزلاقا وانحدارا للقيعان، فلا حلم ولا روية ولا حكمة، ولا مشاورة وتقدير مواقف وحسابات نتائج وتطورات وما خفي في بطون المنزلقات، وإنما سلوك مبني على منطوق "شيّم العُربي وخذ عباته"!! فما أسهل التلاعب بعواطف الأنظمة ودحرجتها بالإتجاهات المطلوبة لتحقيق المصالح والمشاريع المرسومة، وجميعها وجدت نفسها في مواقف مصيرية يصح فيها القول دوما "سبقَ السيفُ العَذل"!! فما حصل للعراق، وسوريا وليبيا وغيرها ينضوي تحت هذا السلوك الاندفاعي الانفعالي، الذي يوهم العقل ويدفعه لتسويغ القفز إلى ميادين سقر!!
وما يحصل للسعودية ينضوي تحت الإرادة الانزلاقية المهلكة للأمم والشعوب، بعد أن تم التسويغ والتغرير والتمرير والخداع والتضليل، والعمل على التصديق بأن المصير على "كف عفريت"، إن لم يتحقق الانزلاق الذي يتم تزويقه على أنه سيحسم الموقف ببضعة أيام ، والخطة تقضي بدوامه لعدة أعوام.
وهذا يعني أن السعودية قد تورطت في حرب استنزافية محسوبة لتجفيف قدراتها المالية، وأخذ ما عندها من النفط والثروات، فالمنزلق الذي هي فيه يكلفها ما يقرب من ربع مليار دولار يوميا، أو ما يعادل مئة مليار سنويا، والكلفة ستزداد لابتزاز شركات السلاح التي ستضاعف الأسعار، وتديم المنزلق حتى تتخلص من أسلحتها المنتهية الصلاحية، والتي بدلا من إتلافها، تبيعها للمتورطين والمنزلقين بأتون النيران. ولو أن نصف هذه المليارات أستثمرت بمشاريع اقتصادية في مصر والسودان، وغيرها من الدول العربية، لتغيرت الأحوال نحو الأحسن ولتنعم الناس بالحياة الأفضل.
وأخذ الهمّ والقلق يبدو واضحا على السعوديين عندما تلتقي بهم، فهم يدركون أن المنزلق خطير، وأنه أخذ يؤثر على واقعهم الحياتي ومفردات أيامهم، كتقليل الرواتب، وربما السعي لسياسة التقشف لسد نفقات الورطة الكبيرة. بل أن البعض يرى أن السعودية ربما تسير في منحدر العراق وسوريا، وسيمتد إليها ما في اليمن، كما امتد ما في سوريا إلى العراق، وفي هذا وعيد ومصير أليم، قد يتطور ليدمر جوهر الوجود الإسلامي، الذي بدأت علائمه تلوح وتتحقق هنا وهناك!! فهل كان سيحصل أسوأ مما حصل لو أن الأحوال في اليمن مضت وفقا لمشيئة اليمنين، الذين يعرفون أنفسهم ويتقاتلون فيما بينهم، ويقيمون نظاما كما يرغبون، حرا أو تابعا؟!
إن النيران تأكل نفسها، ولو تُرك اليمنيون بنيرانهم التي أوقدوها، لتآكلت نيرانهم وانطفأت، لكن منزلق تسعيرها قد أسهم في تأجيجها وإطعامها بالوقود، ودفع الآخرين للسقوط في أحضان القوى الأخرى، إقليمية أو عالمية. ويبدو أن من الحكمة أن يُترك اليمنيون يحلون مشكلتهم بأنفسهم، وعلى القِوى المنزلقة أن تتوقف قبل فوات الأوان، ووقوعها في أتون النيران، التي يُراد لها أن تحيلها إلى رماد ودخان. فأهل اليمن أدرى بأمورها، وأهل مكة أدرى بشعابها، ودع الذي يدري لِما يدري، ولا تتوهم بأنه لا يدري!!
واقرأ أيضاً:
أفكار حصان!!/ مفاهيمنا العتيقة!!/التفاعل والاتفاق!!/ طه حسين الروح التي أثمرت!!/ الانسكاب الحضاري!!/ لا يصح إلا الصحيح!!/ لنحاور أنفسنا قبل أن نتحاور؟!!/ أوعية الشعوب المثقوبة!/ تُجّار اليأس!!/ بلاد الأرقام أوطاني؟!!/ العقيدة العلمية الغائبة!!/هل نراجع لكي نكون؟!! / الاعتماد القاتل!!/ صوت الكلمة!!/ البشر البضائع ضائع!!/ التجهيل الوطني!!/ اللغة والبشر!!/ اللغة العربية!!