رامي وتأكيد الذات مشاركة6
الفصل الخامس عشر
كَيْفَ تتَخْلقُ بعادات حسَّنةَ جديدةَ وتَتخلّى عن العاداتِ السيئةِ القديمةِ؟
هَلْ من المحتمل أنك في كُلّ حياتكَ تَصِلُ نِصْف ساعةِ متأخرا عن أي فرصة للبيع أو للشراء أو لرؤية عرض ما، وبالتالي تضيع عليك الفرص لأن العرض قد مضى وقته المحدد وانتهى؟
هل بالإمكان أَنْ تَتعلّم القيام بالانتظام على حميةٍ ما بنجاح؟!، وذلك عندما ترى سجلَ فشلك مستمر في مقاومةِ إغراء الطعامِ؟ إذا كنت مقتدرا ماديا فهل بالإمكان أَنْ تَجْعل يدك وسطا في إنفاق المال؟!؛ وبالتالي لا تكون مبذراً!.
العديد مِنْ السلوكيات الشخصية لدى الناس، مثل قلةِ الترتيب، وإلقاء المناشف في أي مكان، وهي بالمناسبة عادة مثيرة دائما للزوجات، والتي لا يمكن السيطرة عليها، أَو العادة غير المرغوبة للتوتر المزمن لدى بعض الزوجات وبالذات في موضوع دراسة الأبناء، وكذلك بَعْض الأعمال المثيرة للقلقِ، مثل التأجيل والتسويف المستفزين، والتأخّر المُزمن وعدم الالتزام بالمواعيد، والوصول عند آخر لحظة قبل موعد إقلاع الطائرة، وأحيانا الوصول بعد إقلاعها!. وعدم القابلية للتَركيز في معرفة أسماء المعارف والجيران والزملاء وهذا كثيراً ما يثير استياءهم منا، وخصوصا إذا كانوا من محبي الاجتماعيات.
ومهما كانت العادة سيئة؛ فلضمان التغييرِ عليك أَنْ تَتبع "الخطواتِ التالية".
حدد العادةَ أو السلوك السيئ الذي تُريدُ تَغْييره [يَتضمّنُ هذا الإجراءِ الضروريِ تعريف الشروطِ الصحيحة اللازمة لتعديل أَيّ سلوك سيء أو بغيض (من أمثال: عدم الاهتمام بالدِراسَة، أو إهمال المواعيد، أو الإفراط في الطعام، أو حب المقامرة) وذلك على سبيل المثال لا الحصر]. ومن خلال تَغيير هذه الشروطِ الخاطئة بالشروط الصحيحة، ومن خلال محاولاتنا السيطرةَ على أنفسنا سنتمكن من تغييّر سلوكياتنا الخاطئة إلى الاتجاه الصحيح المطلوبِ.
(1) حدّدُ بدقة عاداتِكَ غير المطلوبة، و التي ترغب في القيام بتغييرها، ما لم تَعْرف بدقة السلوكَ المحدد الذي تُريد تَغْييره؛ فستواجه بالتأكيد صعوبة في تغييّره. والقاعدة الصحيحة هي: يجب أن يُقاس السلوكُ بطريقة بحيث تتمْكنُ من أَنْ تَحْسبهَ أَو تَقِيسَه.
على سبيل المثال، سمير عمره تسعة وعشرون سنةً جاءَ لي يشكو من عادة سيئة وهي الإهمال. وَلقد وصلَ عدمُ ترتيبه و تنظيمه لشقته إلى درجة أنها أصبحت مضرب المثل بين أصحابه في اللخبطة والهرجلة وعدم النظام!، لقد دَعا هذا الوضع الكثير من أصدقائه لزيَاْرَة شقتِه التي أصبحت كمتحف للزائرين من الأصدقاء، ولكن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة لسمير، فلقد احتقرَ سمير نفسه وكره الذهاب للنوم في شقته، وفي لحظة من اللحظات القليلة لمحاسبة النفس قرر سمير أَنْ "يُصبحُ أنيقاً"، "لكن" لكي يَكُونَ "أنيقا" فإن هذا يَشتْملُ على تبديل وتعديل العديد مِنْ السلوكيات التي ألفها سمير في مراحل عمره المختلفة. كَانَ عِنْدي مُلاحظاتُ على عيشِ سمير لمدّة إسبوع، وهنا البعض مِنْ السلوكياتِ التي لاحظتها عليه في أثناء ذلك الأسبوع:
لَمْ يُرتّبْ فراشه قبل تَرْك البيتِ
لقد تَرك سمير الصُحون قذرة مِنْ الليلة السابقة على منضدةِ الطعام في غرفة السفرة وليس بالمطبخ، لقد بعثرَ ملابسه الداخلية المتسخة بغرفة النوم، وكذلك الجوارب، والقمصان والملابس الداخلية النظيفة بغرفة النوم، أما الصُحُف والمجلات والكتب القديمة والجديدة فهي بكل مكان في المنزل، من الحمام مرورا بالمطبخ وفي الطرق المؤدية إلى الغرف المختلفة بشكل عشوائي ومستفز، على المناضد والكراسي والسراير وعلى الأرض، ولا مانع من أن ترفع قميصا متسخا من على أرض الصالة لترى تحته طبقا به القليل من الحلوى القديمة، وهذا الطبق موضوع على كتاب باللغة العربية مفتوح يتحدث عن العلاج السلوكي المعرفي!.
وعندما سألته عن هذا المنظر الدرامي، ابتسم لأنه كان يشاهد التليفزيون ويأكل هذه الحلوى فنام، ثم استيقظ على موعد هام لابد أن يذهب إليه بسرعة، فخلع قميصه وألقاه فوق الكتاب والطبق دون أن يلاحظ أن هناك حلوى بالطبق تحتاج إلى الحفظ بالثلاجة، لكنه لم يهتم بوضع الأشياء في أماكنها الصحيحة نظرا لانشغاله بعمله ومواعيده كالعادة!، وهو بالتالي لا يستطيع أن يُحدّدَ مكان أيّ شيء في شقته بسهولةِ. أما المغسلةُ بالحمّام فقد امتلأت بالغسيل المختلط برغوة الحلاقة ومعجونِ الأسنان وقطع الصابون الصغيرة، لقد بدأ سمير يعَرف سلوكه المهمل والمهرجل بدقة؛ فلقد بدأ في تسجيل كل ما يضعه في غير مكانه وبعشوائية، وكذلك بدأ بتسجيل كل ما يضعه في مكانه الصحيح كي يستطيع تحديد حجم مشكلة الإهمال لديه بدقة.
وبعد أسبوع من معاناة المعالج معه بدى سمير قادراً على البدء في تَأسيس عادةِ الترتيب والتنظيم لديه، واكتشف أن الترتيب والتنظيم سلوك مفيد؛ فهو يُتابعُ نفسه مَع دفتر الملاحظات لمدة أسبوع، وفي كل مَرَّةٍ يصادفُ شيئاً يحتاج إلى تغييره في نفسه كسلوك أو عادة تحتاج إلى التغيير يقوم بكتابة مثل هذا السلوك السيئ، وفي مقابله يقوم بكتابة السلوك الحسن الذي يرغب في اكتسابه.
واستمر سمير على تعديل سلوكيات الإهمال لديه مستعينا بدفتر ملاحظاته مناقشا ما يجري من تغيرات أسبوعية مع طبيبه النفسي المعالج، والذي كان يقوم بلفت نظر سمير دائما إلى مقدار ما يحرزه سمير من تقدم مستمر في عمليات الترتيب والتنظيم وفي خلال عدة أشهر أصبح الترتيب والتنظيم أمرا تلقائيا في حياة سمير، فهو لا يتكلف تَذكُّره ولا يحتاج إلى دفتر ملاحظات يكتب فيه السلوك غير المرغوب وفي مقابله السلوك المرغوب فيه، باختصار أصبحت شقة سمير غاية في الترتيب والتنظيم، لقد أصبح سمير شاباً ملتزماً حريصاً أنيقاً ليس في ترتيب مسكنه فقط بل في أدق تفاصيل حياته.
(2) يَقِيسُ الشخص الراغب في تعديل سلوكه: كم من اضطراب هذا السلوك لديه؟، ويكون ذلك في أغلب الأحيان بمساعدة معالجه النفسي، وترجع أهمية قياس اضطراب السلوك لدى الشخص إلى أنه بحاجة إلى المقارنة المستمرة بين كم هذا السلوك غير المرغوب فيه "قبل" محاولة تغييره، ثم إعادة تقييم كم هذا السلوك أثناء عملية العلاج والتغيير، وهذا بدوره يشجع الشخص الذي يحاول تغيير سلوكه على الاستمرار في عملية تغيير سلوكه غير المرغوب.
(3) قم بمتابعة تسلسل التغيير في سلوكك غير المرغوب، قَدْ لا تَستطيعُ السَيْطَرَة على الفعلِ النهائيِ، لأن هذا يَحْدثُ فقط بأمر الله وحده، فقد يكون التغيير محتملا عادة في نهاية سلسلة جلسات العلاج، وقد يكون هذا التغيير عند منتصفِ سلسلةِ جلسات العلاج، وقد يكون التغيير في بدايات العلاج.
يتبع >>>>>>>>>>> التنظيم اليومي في حياة النبي