التنظيم اليومي في حياة النبي
الفصل الخامس عشر
عندما رَأيتُ أشرف لأول مرة، والذي كان زميلا لي بإحدى المستشفيات التي كنت أعمل بها، كَشفَ لي بأنّه كَانَ مقامراً قهرياً، والذي حاولَ كل شيء للعلاجِ من داء القمار القهري هذا ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل، لقد أدمن أولاً قمار الكازينو والمشهور جدا بالدول الغربية، وبعض دول جنوب شرق آسيا.
لقد بدأ أشرف في إدمان لعب القمار عندما كان يعمل بإحدى الدول الغربية شجعه أحد الزملاء من أهل هذا البلد على إدخال بعض قطع النقود الصغيرة في ماكينة القمار، ثم بالضغط على يد في الماكينة تتساقط له عشرات القطع المعدنية التي يستبدلها بعشرات الدولارات، وطبعا فالماكينة لا تقذف كل مرة بعشرات القطع المعدنية، ولكنها عملية محسوبة من أصحاب الكازينو!!، فالمحصلة لابد وأن يكون الكازينو هو الرابح وليس المقامر، في البداية نجح أشرف في تحقيق مكاسب كبيرة من ماكينات القمار المختلفة، ولكنه بعد ذلك بدأ يفقد راتبه الشهري خلال الأسبوع الأول من الشهر أحيانا!، وبالتالي استدار إلى الأخذ من مدخراته من أعوام العمل السابقة.
وعندما أحست زوجته بخطورة موقف زوجها، وبدأت تطلب منه الذهاب للعلاج من هذا القمار القهري، والذي لم يستطع أشرف التوقف عنه رغم أنه بدأ في تناول أحد العقاقير النفسية ولمدة شهور بدون فائدة. لقد كان أشرف في كل صباح وكلما لَبسَ ملابس العمل وَعدَ نفسه قائلا: "اليوم لَن أذهب للكازينو كي أُراهنَ" وذلك على الفطور، وكان يكرّرَ قسمه على عدم الذهاب للكازينو دائماَ لزوجتِه، لكن في الطّريق إلى مكتبِه، أَو عندما يذهب إلى البار في عُطل نهاية الأسبوع حيث يمر بالإعلانات عن كازينوهات القمار والتي تملأ جدران محطات مترو الأنفاق المختلفة. هناك يبدأ في قَراءة تفاصيل الإعلانات عن الإمكانيات الكبيرة والعروض المختلفة في كازينوهات القمار، ويكون مدفوعا لقراءة تلك التفاصيل دفعا غير شعوري من داخله، وبعدها يشعر بأنه مدفوع دفعا إلى أحد تلك الكازينوهات ليمارس متعته في الدفع ببعض الدولارات الموجودة في جيبه للمقامرة بها داخل ماكينة القمار.
وكم تكون متعته عندما يبتسم له الحظ ويستمع إلى صوت تدافع الفيشات المعدنية وهي تتحرك بداخل الماكينة حتى تخرج إليه، وقبلها أضاءت الماكينة بالرقم الذي كسبه من الدولارات، وإصدارها من الأصوات العالية ما يُعلِن عن تحقيقه لمكسب تاريخي، وكأنه قد فتح عكا!، أو حرر القدس!، ويبدأ زوار الكازينو في التدافع نحو الماكينة ليروا من كسب؟ وكم كسب؟، ويبدأ أشرف في جمع أولئك الفيشات المعدنية بيديه داخل وعاء معدني مخصص لذلك، ثم يقوم بعد ذلك بتحويلها إلى دولارات، ياله من إحساس شديد الروعة والمتعة بالنسبة له، لقد كسب بدولارات قليلة كمية كبيرة من الدولارات من شباك الصراف دون مجهود يذكر، وهو لم يفكر عند تلك اللحظة في كم خسر من قبل في هذه الماكينة اللعينة؟، ولا يتذكر القسم الذي قطعه على نفسه لزوجته في ذلك الصباح بأنه لن يذهب أبدا إلى أي كازينو للقمار!، وتستمر الدورة، حيث الخسارة دائما أكبر من المكسب.
تَساءل المعالج النفسي إذا كان من الأسهلَ التَدَخُّل في وقت سابق من سلسلةِ الفعلِ النهائيِ للقمارِ الفعلي، لذا سَأل أشرف إذا كان من الممكن أَنْ يَتوقّفَ عن قِراءة الإعلانات عن كازينوهات الصباح بمحطات مترو الأنفاق. بل التوقف تماما عن الذهاب إلى محطات مترو الأنفاق، فيمكنه الذهاب إلى مستشفاه التي يعمل فيها بسيارته بدلا من ركوب مترو الأنفاق، وبالتالي لا يكون هناك مايدفعه للذهاب إلى كازينوهات القمار، لقد بدأ في التوقف عن لعب القمار، والتوقف أيضا عن أخذ القروضَ من زملائه بحجج مختلفة، ثم يعجز عن سدادها بعد ذلك.
ولكن زوجته غادة ظلت خائفة من عودته مرة ثانية لسلوك المقامرة الخبيث، لقد اتخذت غادة قرارا مصيريا في حياتها، وكان أشرف قد أرسل سيرته الذاتية لعدد من المستشفيات الكبرى بمنطقة الخليج، ووافقت إحدى تلك المستشفيات على عمله بها، وهذه البلد لا تسمح بفتح نوادي للقمار فيها، فوافقت غادة على هذا البلد الذي به تلك المستشفى وقررا معا السفر إليها على الفور، هربا من العودة إلى جحيم كازينوهات القمار بالغرب!.
يتبع >>>>>>>>>>> صدق النية في تغيير السلوك