أحوال الإنسان: عن المشاعر، الحزن، والفقدان، والاكتئاب:
يتعرض الإنسان في أحواله، وأحوال حياته، لتغيرات وتقلبات قد تكون طبيعة، أو تكون غير ذلك، ومن أحواله ما يحصل معه من تقلبات مشاعره وانفعالاته، وهنا سنتحدث اليوم عن شعور طبيعي، وهو شعور الحزن، حيث سنخوض قليلاً في حديثنا عن بعض أحوال هذا الشعور. فهنالك فرق جوهري في طبيعة شعور الحزن، وسياق ظهوره، وهيئته، ومستوى تأثيره المعرفي والانفعالي والجسدي والسلوكي.
ويمكن النظر إلى شعور الحزن على أنه حالة شعورية غير سارة، عميقة التأثير، مرافقة بانقباض جسدي، مع ميل للتفكير المركز على الجانب السلبي للأمور، تؤثر في إحداث درجة من فقدان الأمل، وهبوط في النشاط العام الحيوي والسلوكي.
ويعتبر شعور الحزن رغم كونه غير سار بأنه شعور طبيعي مادام ضمن مقادير معتدلة على تقديرات مستوى: (١- الشدة ٢- المدة ٣- التكرار ٤- تعطيل النشاط والتفاعل)، وبخاصة إن حدث هذا الشعور مع وجود مسبب أو مثير واضح.
ويعتبر شعور الحزن من المشاعر المرافقة لسياقات استجابة، أو استثارة نفسية مختلفة، مثل شدة القلق، أو شدة الغضب، أو المعاناة النفسية، والتي تتسبب بحصول حالة من الحزن إن طالت مدة المعاناة منها، كما أن مشاعر الحزن ترافق بعض سياقات وأحداث من مثل:
١- أعراض الفقدان والحداد والثكل، وهي قائمة على مشاعر الحزن، ويكون أمراً طبيعياً في مثل هذه الأحداث أن ترافق أو تقوم على هذا الشعور، وينصح الشخص في حالة من هذا النوع بأن يعطي فرصة لحزنه ولظهوره، وأن يعبر عنه وما يخالجه، ليتم المرور من حالة الفقد بسلام، لأن كبح مشاعر الحزن والتستر بالإيجابية قد يفاقم مشكلة عوارض الفقد والحداد ويقع الشخص في دائرة (الصدمة أو الإنكار)، مما قد يتسبب لاحقاً بدخول الشخص في المعاناة من حالة الثكل المعقد.
ولذلك فإنه يعتبر من الصحي جداً التعامل مع مشاعر الحزن في أي سياق طبيعي مثل (الفقدان أو الحداد أو الثكل)، وأن يتم التعامل معها بتقبل وجود هذا الشعور، وأنه نتيجة طبيعية في مثل هذا السياق، وَفهو شعور إنساني بشري طبيعي، فمن لا يضحك لأمر مضحك مثله مثل من لا يحزن لأمر محزن، لكن يبدو الفرق بطريقة بث هذا الحزن، وطبيعة السلوك المرافق لبث هذا الحزن، وعندها قد يتكلم الشخص عن حزنه وينصح بذلك، لكن هذا لا يعني - كما أصبح دارجاً عند البعض - بأنه إن تحدث عن حزنه فإنه لا يتقبل قضاء الله وقدره، أو أنه جزع أو ضعيف الإيمان، بل على العكس فقد يتكلم الشخص عن حزنه بمطلق التسليم والإيمان بالقضاء والقدر، كما تكلم يعقوب عليه السلام عن حزنه على فقد يوسف، فقد ابيضت عيناه من الحزن، ثم بث شكواه لله، وإن النفس لتحزن... ، فمما يزيد حزن صاحب المصاب والفقد، أن يوصف حزنه بأنه دلالة على ضعف الإيمان وقلة الصبر والتسليم لأمر الله، رغم أن البعض قد يزيد حزنه وجزعه ضعف إيمانه وصبره، لكن لا يعني أن ذلك حال كل حزين وفاقد، ومكلوم.
٢- أعراض الاكتئاب السريري، حيث يشكل الحزن - وأحياناً قد يرافق الحزن غضب- يشكل هذا الشعور محور الحالة الانفعالية، وهذا من الاضطرابات النفسية، وحاله كحال أي مرض، فالمرض ليس من إرادة الشخص، لكن السعي للعلاج والعمل على متابعة العمل على إجراءات التشافي، هي من ضمن إرادة الشخص، كأي حال مرض آخر، يحتاج لطلب العلاج.
والرسالة الإيجابية حول هذا الأمر أن الاكتئاب قابل الشفاء بنسبة عالية في حال تلقى الشخص المعالجات المناسبة، عِلماً أن الاستعانة بالله والدعاء بالعافية مطلوب في حاله المرض والصحة أيضاً، وفي حالة الخير والشر، وفي حالة الرضى، رزقنا الله وإياكم الصحة والعافية.
واقرأ أيضاً:
صناعة الهدر / أيها المبتلى بالوهم : الموهومون / نحمل في داخلنا (٢) : الحاجة للأمان / بالعلم قاوم (3) / سيكولوجية الضواري