مجانين... هونج كونج !! تيفون !! .. دبي.... مجانين2
في صباح الأحد 16 سبتمبر 2018 كان أول ما فكرت فيه بعد استيقاظي هو النظر إلى الشوارع من خلف زجاج الغرفة... وصادف لحظتها أن سمعت أصوات سيارات الإسعاف التي أزعجتني طوال الليل !! لكنني لم أكن أرى أي سيارات لا إسعاف ولا غيره رغم أني أسمع صوت الإسعاف من بعيد ثم وهو يقترب ! آه ذلك صوت رياح الإعصار! وهي تتلوى بين الأبراج صارخة... الأشجار كانت مثنية أو مقطعة أفرعها وملقاة على الطريق... والأمطار لا تنقطع وحين ظهرت سيارة دفاع مدني لم يكن لها صوت !! ياه لقد عشت ليلة تخيلت فيها أن هونج كونج ستحتاج إلى مستشفيات ميدانية... ثم انتبهت أن مثل هذه المستشفيات لا تصلح أثناء الإعصار ... وها أنا في الصباح أكتشف أن كل ما سمعته كان أصوات رياح الإعصار، نهايته الحمد لله أننا في برج مشيد بإحكام وبمقاييس أمان مرتفعة والحافظ هو لله ....أخذت بعض الصور من خلف زجاج الغرفة ولم يكن ممكنا تفادي حبات المطر على الزجاج لكن هذه الصور لم تكن تنقل الحقيقة كما عرفت بعد عدة ساعات، ... كما رأيت أن تصوير الفيديو بالصوت والصورة سيكون أوقع وبالفعل صورت بعض دقائق
صعدت إلى الإفطار وهناك التقيت د. كمال الفوال وكنت عادة أتخير لإفطاري قليلا من الجبن وكثيرا من الفاكهة ... لكنني صبيحة الإعصار لم أفطر إلا الأقرب شبها للقهوة التركية وهو الإسبرسو ... ويبدو أنه اكتفى هو الآخر بعصير البرتقال ... وأخذ أحدهم لنا صورة سويا ولم أنتبه أنا أني في زي غير رسمي بالمرة ... ومع ذلك أقول لنفسي الآن أنت طبيب نفساني افعل ما تشاء فلن يغير ذلك شيئا، مثلما لن يغير التزامك بالزي الرسمي أو المهني شيئا من فكرة الطبيب النفسي المجنون في أذهان الجهلاء ...
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
صعدت بعد ذلك مباشرة إلى النادي الصحي في الفندق بغرض الاستكشاف ومعرفة إمكانياته فقد أيقنت أنه سيكون ملاذ أغلبنا من المترهلين أمثالي وغير المترهلين من الزملاء..... حاولت في الطريق فتح بعض الأبواب الزجاجية التي توصل إلى حمام السباحة المفتوح وكانت كلها مغلقة ... وما كان أسعدني حين وصلت طاولة الاستقبال فوجدتها خاوية وخلفها على يسار الجالس باب زجاجي يوصل إلى سطح الفندق.... لم أهتم بما رأته عيني اليسرى ... وكان شاب وفتاة ممددين على كرسي وثير ... فتحت الباب وطلعت أستكشف الإعصار ... لم يكن مكان وقوفي بعيدا عن الباب الزجاجي وظللت ممسكا به وكنت محميا بجزء بارز من المبنى على يسار الطاولة... ويسار الباب... ولا أخفيكم أن ما لحظته من شدة الريح .... وكم كنت متهورا حين خرجت إلى سطح الفندق وقد ارتديت بنطالا قصيرا وفانلة خفيفة... والحقيقة أن درجة الحرارة داخل الفندق كانت تشجع على ذلك....
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
بعد محاولتين للإمساك بالباب الزجاجي مفتوحا.... قام الشاب وجاءني ليقول لي أن ما أفعله خطر وأن الباب الذي خرجت منه يفترض أن يكون مغلقا وممنوع الخروج أصلا من داخل الفندق ... طلبت منه أن يلتقط لي بعض الصور وأن يسند الباب بنفسه لأتمكن من من الابتعاد عنه ..... وقد فعل ما طلبت وابتعدت فعلا عن الجزء المحمي من السطح لكنني وجدت ملابسي قد ابتلت في ثوانٍ معدودة وخفت أن تطير فانلتي رغم ابتلالها فزلفت إلى دفء الفندق ... واستطلعت المكان فلا اهتديت إلى مكان الساونا ولا مكان حمام البخار.... لأن أحد الأبواب ظننته مغلقا ولم يكن كذلك ... فقلت إذن أنزل إلى الغرفة لأحدث مجانين .... وكان توقيت مصر قبلنا بحوالي 7 ساعات أي أن الناس في مصر والعالم العربي أغلبهم يغط في النوم.
في الغرفة حدَّثت مقالات مجانين على عجلٍ وبدلت ما ابتل من ثيابي ثم صعدت مرة أخرى إلى النادي الصحي لأجد المهدي وابنه عمر ود. أسامة الخولي ود. عبد الرحيم مدير الشركة المنظمة للرحلة ..... أنا والمهدي وأسامة الخولي ذهبنا بعد ذلك إلى قسم حمامات البخار والساونا وكنت قد جربت هذه الأشياء للمرة الأولبى في حياتي في بودابشت العام الماضي ... ولأنني عدت بنزلة برد فالتهاب جيوب أنفية فالتهاب شعبي استمرت عشرة أيام وجعلتني أسافر باريس مريضا وأعود مريضا ومدعما نفسي بمضاد حيوي ومضاد حساسية ومذيب بلغم ...... حتى رجعت إلى مجانين... كانت تلك الخبرة حرية بأن تجعلني أكون هذه المرة أكثر حرصا فلم أطاوع أسامة الخولي في أخذ دش بارد بعد الساونا رغم أن ما حدث في بودابشت كان القفز في حوض ماء مثلج !!... ولم يكن هذه المرة إلا مجرد دش ! ... ولم يكن هناك حمام سباحة مغطى في هذا الفندق... فقط ذلك الذي أفرغوه من مياهه خوفا من الإعصار... طبعا كنا في محميتنا تلك نسينا الإعصار ... كنا معزولين بشكل جيد عن العالم الخارجي ... وبينما أخذ كل حمامه ذهب عمر ابن المهدي ليستكشف قسم حمامات الساونا والبخار ... ويبدو أنها لم ترقه فعاد ليجدنا في صالة الآلات الرياضية ...
كانت المرة الأولى لي التي أقترب فيها من تلك الآلات في مكان كهذا ... وبدأت التعرف على الآلات والأجهزة المختلفة، ورغم أنها المرة الأولى التي أجرب فيها مثل هذه الأجهزة الرياضية فأنا لم أدخل أي جيمنيزوم في حياتي من قبل ودائما ما أرى بأن التريض في الهواء الطلق أفضل كثيرا المهم أني شعرت بشجاعة لتجريبها لما خاصة وقد رأيت المهدي وأسامة الخولي وقد اعتلى كل منهم جهازا... قررت أن أجرب ما أستطيع... وحقيقة بدا المهدي متآلفا على الأجهزة ولديه فكرة جيدة عن طرق استعمالها وكان الأكثر معرفة بها هو ابنه عمر وكذلك د. عبد الرحيم... أما أسامة الخولي فقد كان بعيدا على المشاية والتي كنت أظنها سهلة لأنني ولله الفضل والمنة أمشي كثيرا رغم أنف مجانين......
والحقيقة أنني وجدتها أصعب من كل ما جربت وهو معظم الأجهزة فبينما اكتشفت أن التريض بأغلبها أسهل مما تصوررت.... إلا أن المشاية صدمتني خاصة عندما رفع لي محمد المهدي من قدر الصعوبة بأن جعل المشاية تعطيني الإحساس بأني أصعد مرتفَعاً ... هي لا تحتاج فقط إلى اعتياد القدمين على المشي وإنما إلى التركيز المستمر في تحريك قدميك لأن السهو قد يسبب وقوعك ... يعني لم يكن مسموحا أن أشرد وأنا اعتدت السير شاردا في أفكاري ... ربما لو جربتها ثانية أكون أفضل وقادرا على جعل حركة قدمي عليها نشاطا تلقائيا يحدث حتى وأنا ساهي.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
بعد حوالي ساعتين قررنا الاكتفاء والرجوع للغرف خاصة وأن المكان بدأ يزدحم فالفندق كامل العدد تقريبا .... وكان عليَّ أن أعمل قليلا لمجانين ... ولم يكن بعد قد تحدد لا موعد ولا مكان العشاء .... وإن كان الإعصار ما يزال مستمرا... حتى أن بوابة الفندق الزجاجية الأمامية كسر جزء منه ودخلت مياه الأمطار إلى بهو الفندق... المهم أخذت حماما وعملت لمجانين حوالي 40 دقيقة ... ثم فتحت الواتس لأعرف ما يقول رفاقي عن الإعصار .... وفتحت التلفاز على قناة البي بي سي (ولم تكن مفضلتي متاحة) لأعرف أخبار الإعصار فعرفت أن هناك حالة إصابة واحدة في هونج كونج ولكن الإعصار دمر كثيرا وقتل حوالي 55 إنسانا في الفلبين والتي وصفتها مراسلة القناة بأنها مثال على "الدول الأقل قدرة على حماية مواطنيها" ... أوجعني التعبير كثيرا ... وحمدت الله الذي وقانا شرور الأعاصير.
وبينما أتابع مجموعة الواتس عرفت أن جماعة من زملائنا حاولوا الخروج إلى الشارع بحثا عن طعام للغذاء وأن اللقاء في ماكندونالد المجاور التصاقا للفندق.... قررت النزول وأخذت معي الكاميرا والمحمول ونزلت وصحبني آخرون في الطريق ... ثم وجدنا الباب الذي أرشدنا إليه زملاؤنا مغلقا ... ثم لا أذكر كيف استطعنا الخروج ... لكن يبدو أن مسؤولو الفندق كانوا يسمحون بالخروج للمدخنين والذاهبين إلى ماكدونالدز مع التنبيه بأن عليه أن يكون مسؤولا وحريصا على نفسه... بالفعل خرجنا في البداية ملتصقين بجدار الفندق حتى ظهر مدخل ماكدونالد ... ودخلنا أغلبنا نحتمي من المطر والريح الشديد لكن بعضنا لم يدخل ... وقفوا يدخنون .... تطلب ما تريد من خلال ماكينة وتدخل فيها بطاقة الائتمان وتأخذ منها إيصالا بالدفع وتذهب تسلمها ثم تنتظر ظهور رقمك على الشاشة لتأخذ طلبك ... أغلبنا كان جائعا .. لكننا ركزنا في اختيار اللحم الحلال وسألنا عن الصوص الذي يضاف إلى السلاطة واطمئنينا جميعا ثم أكلنا.... وبعضهم طلب أن يشرب قهوة وشربت أنا الاسبرسو المعتاد....... بعدها خرجت ومعي عمر المهدي واقتحمنا المطر وفوجئت بأن الممشى أمام الفندق في حالة يرثى لها والأشجار نائمة على جانبي السور ولم يكن ممكنا منع حبات المطر من تشويه الصور.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
بينما نحن في ماكدونالد عرفنا أنه تقرر أن يكون عشاؤنا في بيتنا أي في نفس الفندق ... وكان قد بقي عليه حوالي ساعتين .. لم أكن أعرف ماذا سيكون العشاء ؟ .... وكنت قد لاحظت أن جهاز تكييف الهواء بغرفتي لا يعمل فأخبرت د. عبد الرحيم .. ووجدته أكثر حماسا لمني لتغييرها وقد كنت أعرف أن الفندق مزدحم ... لكنني ذهبت معه إلى موظفي الاستقبال وقلت لهم أن جهاز التكييف لا يعمل منذ ليلة أمس وأني أريد تغيير غرفتي ... فبدأ الموظف يحاول الاعتذار وهنا تدخل عبد الرحيم بلهجة حازمة قائلا له : أنت اتفقت معي على وجود أربعة غرف احتياطية لمثل هذا الموقف وقلت لك أن هذا لابد منه لاستضافة مجموعتنا ألم نتفق؟ ... وبالفعل أخذت غرفة جديدة في الطابق الحادي والعشرين وكنت قبلا ربما في الطابق الثالث أو الرابع ... وهو ما كان يعني أني سأرى هونج كونج أثناء الإعصار من ارتفاع كبير أيضًا... كانت الجو غائما والرياح ما تزال مسموعة لكن التصوير لم يكن فيما أتذكر جيدا لكني من ارتفاع أعلى رأيت شجرات ضخمة مقتلعة من جذورها وملقاة على الطرق والجسور ...
حمدت الله وقلت اللهم احفظنا وبلادنا وأهلينا مما لسنا لمثله مستعدين! ... قررت أن أجيب بعض الاستشارات وأنا في الغرفة وكنت قد قاربت إتمامها ... ثم دخلت إلى تطبيق الاستشارات المرسلة حديثا إلى الموقع ... ووزعت أغلبها على المستشارين وأخذت ما كان من نصيبي ووضعته في ملف إجاباتي لمجانين.... وبعد حوالي ربع الساعة من بداية تقديم العشاء نزلت فوجدت أغلب الزملاء متناثرين هنا وهناك ولا فرق بين من نزل لغذاء ماكدونالد ومن لم ينزل ... كنت أظن نفسي الوحيد الذي سيأكل على شبع .. وربما لم أكن أتوقع عشاء بالمستوى السابق فالفندق رغم فخامته بشكل عام إلا أن تصميم المطبخ كان بسيطا فيما بدا لي في إفطارين سابقين... المهم أن الفندق فاجأني بمستوى لا يقل عن مستوى مطعم رادوس ولا مطعم ميراج... طبعا أنا أقيس فقط بنوعية طعام البحر المقدم وبشكل خاص القواقع ! .. ولا أدري ربما تفوق مطعم ماريوت أيضًا بنوعيات الآيس كريم .... هونج كونج على بعد 12 ساعة طيران + 3 ساعات استراحة = حوالي 18 ساعة سفر .... وكنا مستضافين ومعلوماتي من د. لطفي الشربيني ود. حسام الصاوي هي أن صحن شوربة بحر فيه حبتا جمبري ! كان بأكثر من 100 دولار أمريكي .... في هونج كونج يعني علينا التفكير جيدا في الأمر قبل أن نسافر وألا نحسب النقود بالمصري !! ...
صعدت بعد ذلك غرفتي وتسلمت إجابات الاستشارات من المهدي وصليت وتابعت الأخبار فعرفت أن قرية تاي أو التي زرناها بالأمس قد شبعت غرقا ... وأن الإعصار في طريقه إلى مكاو التي كنا سنزورها اليوم ولم نخرج.... وعرفت أن الصين تستعد لمواجهة الإعصار بعد أن يعبر هونج كونج وتوقع التقرير أن الصين أقدر على حماية مواطنيها من غيرها وليست مثل "الدول الأقل قدرة على حماية مواطنيها" كالفلبين ... مرة أخرى أوجعتني الكلمة وتذكرت مقال د. سداد عن الفيل الأبيض والمواطن العربي.. ثم بدأت أستشعر هدوء الرياح وعرفت أن الخروج غدا سيكون ممكنا ... وإن ظل عقلي يتساءل هل يمكن أن تكون للإعصار توابع كتوابع الزلزال ؟؟ أعرف أن لا لكنه كان آخر ما أتذكر قبل أن أطفئ التلفاز وأنام.
ويتبع>>>>> : مجانين... هونج كونج !! تيفون !! .. دبي.... مجانين4
واقرأ أيضًا:
لقاء في الأردن / حديث لندن وقت العصر / ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن / مجانين ... استانبول ... بوخاريست استانبووووووول3