مرت ٨ سنوات على ميلادك، أيتها الثورة المجيدة، فقد كانت ولادتك متعثرة، تمخضت عن آلام مبرحة ونزفت فيها كثير من الدماء، آلام عشناها سنوات وسنوات، حينما ولدت كنت الأمل والنور لكل هؤلاء المتألمين من مهدوري الحق والمقهورين في أرضك، لكل هؤلاء الذين أملوا فيك خيرا، لكل الذين تمنوا حياة إنسانيه كريمة، الذين تفاءلوا بالغد ورسموا أحلاما وردية لمستقبل أفضل يعيش فيه الإنسان إنسانا، يمارس كل حقوقه من دون قهر أو ظلم، يجد لنفسه مكانة مضمونة في بلده تحققها العدالة الاجتماعية دون ما خوف أو قلق من الغد على نفسه أو على أبنائه .
خبز .. حرية .. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية، هذه هي آهاتك الصارخة التي انبعثت من رحمك، وظل الأنين والوجع ثمانية عشر يوما ..حتى اكتملت الولادة وخرج الشعب في كل الميادين يحتفلون بمولدك الكريم فرحين مهللين بوصولك بالسلامة رغم الدماء التي أغرقت الأرض، ولكن كله كان يهون في سبيل تحقيق إرادة شعب، هلل لك الكثيرون واختلف عليك البعض، ومنهم من تبرأ منك ومنهم من نسب شرعيتك له.
كل هذا لا يهم بنظري، ولا يهمني أن تنسب الثورة لهؤلاء الشباب الذين ابتدئوها بتلقائية قلوبهم الطاهرة ناشدين حياة أفضل، هؤلاء ذوي الأحلام البسيطة المشروعة أم أن تنسب للآخرين الذين تجنبوها في البداية، ثم امتطوها سريعا، فسعوا بكل قوتهم وخبرتهم وحنكتهم السياسية ونفوذهم المادي قبل السياسي ليتبنوا قدومك ويساندونك بكل ما أوتوا من قوة وعتاد حتى يحققوا مصالحهم وأهدافهم الخاصة.
ما يهمني هو ماذا تحقق من يوم مولدك ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى يوم عيد ميلادك اليوم ٢٥ يناير ٢٠١٩ ؟
الخبز ! انهيار الاقتصاد المصري وارتفاع معدل التضخم أدى إلى ازدياد معدلات الفقر نتيجة الغلاء الفاحش، وفي ظل إلغاء الدعم باتت الطبقات الفقيرة لا تجد للأسف قوت يومها، وهو ما سوف يقود المجتمع إلى منعطف كارثي .. فكلنا نعرف ارتباط الفقر بالجريمة.
الحرية ! نعم تحرر الشعب خلع رئيس وعزل آخر وانتخب ثالث بكامل إرادته، ولكن ماذا بعد ؟ هل نال الشعب مطامحه من تلك الحرية التي كان كان يطمح إليها حقا ومن أجلها سقط كثيرين وضحوا بأرواحهم ! هل الثمن المدفوع فعلا يستحق؟ هل منتهى أمل الثورة هو فقط تغيير رؤساء مع بقاء الحال على نفس السوء أو أسوأ !
العدالة الاجتماعية ! للأسف ما زال هناك ناس فوق وناس تحت، ما زالت هناك فوارق اقتصادية واجتماعية أصبحت أوضح وأعم من ذي قبل، أصبحت رؤوس الأموال تتركز في يد قلة قليلة تتحكم في مصائر الآخرين، واختفت ما تسمى بالطبقة المتوسطة أو الطبقة المستورة، وزادت أعداد الفقراء والمقهورين ماديا واجتماعياً.
وهل حققت الثورة الكرامة الإنسانية التي كانت تنشدها ؟! أي كرامة هذه التي يستشعرها شعب جيوبه خالية، وإنسانيته مهدورة !
أي كرامة حينما ينحدر الحال يوما بعد يوم على مدار ثمان سنوات!
لن أخوض في الحديث عن سلبيات أكثر تمخضت عن ثورة ٢٥ يناير، ولكني سأحاول النظر بعين التفاؤل إلى الإيجابيات والتي أرى أن الإنجاز الوحيد للثورة حتى الآن أنها جعلت الشعب المصري يكتشف نفسه من جديد ويدرك انتمائه ووطنيته وكم هو قادر على أن يثور على أوضاعه المتدنية وأن يرفض أي قهر يعوق تقدمه، وأدرك أن رأيه أخيرا أصبح مسموعا من خلال استفتاءات وانتخابات حقيقية، فأصبح الشعب المصري يستطيع أن يختار رئيسه عن كامل إرادته وأصبح له رأي في دستور بلده، ولكن أشد ما يسوءني منها أن باقي الإنجازات لن أراها وربما لن يراها أبنائي ولا أبناء من استشهدوا فيها، بل قد يجني ثمارها الأحفاد قياسا على كثير من الثورات السابقة التي حققت أهدافها بعد عشرات السنين من اندلاعها، وما يقال عن ما يلحقها من فترة عدم استقرار وبلبلة واضطرابات في كل المناحي، وسأردد مثلهم أن الثورة الفرنسية جنت نتائجها بعد ٤٠ عاما تقريبا من قيامها !
٤٠ عاما عجافا يعيشهم الشعب على أمل أن تحقق الثورة أهدافها: عيش … حرية …عدالة اجتماعية …كرامة إنسانية .
هانت مرت ثمان سنوات وباقي أكثر من ثلاثين سنة آخرين.
وعيد ميلاد سعيد يا ثورة.
واقرأ أيضًا:
الصمت المباح / كتم أنفاس / الليبرالية هي الإيمان الحقيقي / عندما تتشوه الأرواح / تأملات امرأة من داخل مستشفى الأمراض النفسية