قد يواجه الحديث عن النصائح الغذائية من الموقع الذي يختص بالصحة النفسية الاجتماعية بعض الانتقاد وهناك من سيقول أن هذا الأمر لا علاقة له بالصحة النفسية، وقد يعلق آخر أن البعض لا يجد الطعام يأكله والموقع يشغل نفسه بالطعام الصحي والثرثرة حول السمنة. كلها انتقادات مشروعة ولكن مشاكل الأكل والسمنة تواجه الطب النفسي والصحة العامة يومياً.
يتميز العالم الغربي بأن معدل انتشار السمنة وصل إلى رقم وبائي بمقدار 20% من السكان والرقم ليس أقل من ذلك في الكثير من البلدان الشرقية والعربية.
المشكلة الأخرى أن معظم العقاقير المستعملة في الطب النفسي تؤدي إلى السمنة، والسمنة بدورها لها مضاعفات نفسية وطبية على المدى القريب والبعيد وفي مقدمتها وقف المريض للعلاج بل وحتى شعوره بالغضب من الفريق الذي يعالجه الذي أضاف السمنة المفرطة إلى قائمة مشاكله الطبية.
في هذا المقال سيحاول الموقع توضيح آلية الأكل بصورة مبسطة ومن ثم وضع الخطوط العريضة لنصائح طبية يمكن استعمالها في الحياة اليومية.
آلية الأكل
استيعاب هذه الآلية ضروري جداً لكي نفهم كيف نواجه تحدي السمنة وما هو المستقبل للتخلص منها. هناك ثلاثة حقائق يجب القبول بها وهي أن الطريق إلى الشراهة في الأكل والإصابة بالسمنة يمر ويتوقف عند ثلاثة محطات:
١ - المحطة الأولى هي العامل الوراثي المتمثل في جينات تساعد على الفرد على الوقوع في فخ السمنة المفرطة دون غيره. وجود مثل هذا التاريخ العائلي يجب أن يكون عاملاً محفزا للفرد للعمل بالنصائح أدناه والوقاية من السمنة.
٢ - المحطة الثانية تتمثل في الطعام الذي نأكله. لا أحد ينكر بأن الطعام الصحي غير متوفر ولكن تكاليفه قد لا تكون في متناول البعض. ولكن ليس من الصعب تجاوز هذا الأمر والعمل بالنصائح أدناه والتمسك بها.
٣ - أما المحطة الثالثة فتتمثل في البكتريا التي تستوطن الأمعاء. هذه البكتريا تعمل عملها في معالجة السعرات الحرارية لبعض المواد الغذائية. يمكن تشبيه هذه المستعمرة من البكتريا بمؤسسة كبيرة توجد فيها دوماً وظائف شاغرة. يحدث أحياناً توظيف بكتريا تحتوي على جينات تساعد على التخلص من المواد الغذائية ذات السعرات الحرارية العالية ولكن هناك من تحصل على الوظيفة ويكون عملها بالعكس تماماً. لا يزال العلم في سباق مع الزمن لتحديد هذه البكتريا وكل ما يمكن أن نفعله هو السيطرة على تلك المواد الغذائية التي تتعامل معها البكتريا النافعة والضارة.
عليك أولا أن تدرك كيف تتعامل مع الطعام كإنسان له بصر وإرادة. المنطقة التي تتحكم بإرادة الإنسان وإقباله على الأكل بانتظام أو شراهة والتوقف عنه، هو ذلك الجزء من القشرة المخية الذي يقع فوق وخلف محجر العين والذي نسميه المنطقة المدارية الأمامية Prefrontal Cortex
متى ما ازدادت فعالية هذه المنطقة ارتفعت درجة التثبيط وامتنع الإنسان عن الأكل. متى ما انخفضت فعالية هذه المنطقة هبطت عتبة التثبيط وبدأ الإنسان بالأكل. تكون فعالية هذه المنطقة على أشدها في الفتيات المصابات بالقهم العصبي مهما كانت طبيعة المحفزات للأكل أو المثبطات التي يتم تقديمها. أما من ابتلاه الله بالشراهة في الأكل والإصابة بالسمنة المفرطة فترى هذه المنطقة قليلة الفعالية ولا يوجد تثبيط ذو معنى لكي يتوقف الإنسان عن الأكل.
العامل الآخر هو العامل الكيميائي والمتمثل في الدوبامين(2) ويمكن القول بأن هذا الناقل الكيمائي العصبي هو وراء بحث الإنسان عن المتعة عن طريق الأكل أو التناسل وغير ذلك. متى ما كانت نتائج السلوك إيجابية ازداد إفراز هذا الناقل ومتى ما كانت سلبية توقف الإفراز ولو إلى حين. بدون هذا الناقل لا اندفاع للإنسان ويصبح ضعيف الإرادة غارقاً في فخ إهمال صحته بل ومن حوله.. المصابة بالقهم العصبي تتفاعل معها بزيادة فعالية المنطقة المدارية الأمامية مع وصول الدوبامين على شكل أعيرة نارية لا نهاية لها. أما المصاب بشراهة الأكل فالمفعول عكس ذلك تماماً. أما بقية الناس فقد تميل في اتجاه أو آخر وبمقدار أقل. أما من يتعاطى العقاقير المضادة للذهان ففعالية الدوبامين Dopamine ضئيلة ومن يتعاطى مضاد الاكتئاب فيعاني من حالة عدم مبالاة من جراء السيروتنين Serotonin وفي جميع الأحوال ترى السمنة تتوغل بحرية في أجسادهم.
أما البكتريا المستعمرة للأمعاء فلا يستطيع الإنسان في الوقت الحاضر التحكم بها ولكن خير ما يمكن أن يفعله هو توخي الحذر من المواد ذات المؤشر السكري العالي وخاصة تلك التي تحتوي على الفركتوز(3) الذي تهواه البكتريا الضارة في المواقع الشاغرة.
النصيحة الغذائية العامة هو تناول من خمسة إلى سبعة قطع من الخضروات والفاكهة يوميا. ما يجب كذلك أن يفعله الإنسان هو عدم الإسراف في بعض منها ومثال على ذلك:
• العسل: ملعقة واحدة يومياً.
• العنب.
• الكمثرى.
• بعض أنواع التمر.
• الموز ومن الأفضل أن لا تزيد عن واحدة يومياً وتختار تلك التي تميل قشرتها إلى اللون الأخضر.
نصائح يجب الالتزام بها للتخلص من السمنة
الاختيار هو اختيارك بين أن تأكل ما هو صحي وبين ما هو غير صحي(4). عليك أن تضع نصب عينيك النصائح التالية وستة نصائح إن تمسكت بها أفلحت وإن تركتها ابتليت وهي:
١ - أكثر من الأسماك فهي مصدر الحامض الدهني الأوميغا 3 وتجنب الكثير من الدهون النباتية المستعملة في طبخ الأرز التي تحتوي على الحامض الدهني أوميغا 6 والمختفي وراء الأمراض النفسية والجسدية. إياك وطبخ الأرز إلا بالغلي فقط ولمدة عشرة دقائق. لا تكثر منه فهناك شكوك تحوم حول علاقته بالسمنة المفرطة.
٢ - لا تأكل متأخراً فالبحوث أثبتت أنها تتعارض مع ساعتك البيولوجية وإيقاعك الطبيعي وتؤدي إلى السمنة.
٣ -أكثر من شرب الماء قبل وجبة الطعام. عادة لا تستسيغها أولاً وتراها رائعة بعد أربعة أسابيع وتقضي على السعرات الحرارية.
٤ - فكر ماذا تأكل وكيف ستتحول الوجبة ذات السعرات الحرارية المدمرة داخل جسمك. مع الوقت ستراها فكرة تحد من الشراهة في الأكل وطبيعية للغاية.
٥ - إياك والريجيم القاسي فالذي لا يمارسه يمتنع أكثر من غيره عن الفشل المتكرر في تناول الوجبات المدمرة.
٦ - فكر دوماً بعمل الحساب للسعرات. لا تحتاج أكثر من 2000-2500 يومياً لكي تشارك في سباق المارثون.
هذه النصائح لابد من الالتزام بها وتكفيك الخوض بتجارب غذائية لا معنى لها.
نصائح إضافية
سلوك السلوى بالطعام والأكل Comfort Eating ليس من الضرورة علامة من علامات الاضطرابات العقلية ويلجأ إليه كل فرد بين الحين والآخر. لا جدوى أحياناً من الخوض في التفسيرات النفسية المتعددة لهذه الظاهرة. كذلك لا يمكن القول بأنه يشير إلى اضطراب الاكتئاب بمفرده ولا بد من وجود أعراض اكتئابية أخرى للوصول إلى هذا الاستنتاج. هذه الأيام يفضل استعمال مصطلح الأكل العاطفي Emotional Eating بدلاً من مصطلح السلوى أو الارتياح بالأكل.
• خير ما تنتبه إليه هو الخصر فإن وصل 38 بوصة فهناك مشكلة صحية أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر وتدمرك في أي وقت.
• يكثر البعض من إلقاء اللوم على الأكل العاطفي لتبرير الإسراف في الأكل. إن كان الأمر كذلك فتذكر أنه إصلاح مؤقت للتخلص من الضجر والشعور بالملل أو الغضب.
• تحليل النظام الغذائي الخاص: عن طريق الحفاظ على مذكرات الغذاء والمزاج. حاول تدوين كل شيء تأكله لمدة أسبوع وتدوين شعورك أيضاً. تدوين المشاعر مع الأكل يساعدك في تحليل أسباب هذا السلوك وبالتالي تجاوزها. كذلك يساعد هذا التدوين توليد مشاعر سلبية ضد الأكل نفسه والعمل على تغيير السلوك.
• الطعام لا يساعد على تنشيط العقل والمزاج. الأطعمة المضرة والمليئة بالنشويات والسكريات وخاصة الفركتوز لابد من تجنبها. حاول التركيز على بعض الفواكه والخضروات، زيت الزيتون، التونة، السلمون والجوز وغيرها من التي تحتوي على أوميغا 3 فهذه تنشط العقل والمزاج. يكثر البعض من استعمال الأغذية الليفية والنسيجية وخاصة عند الإفطار. الكثير من هذه المستحضرات المتوفرة في الأسواق تحتوي على سكريات وفعاليتها مبالغ بها أحياناً. الإنسان الحديث يختلف عن الإنسان القديم بأن استهلاكه اليومي لهذه الألياف يعادل 10-20% من الإنسان القديم وليس من السهولة مضاعفة الكمية هذه الأيام. هذه ألياف تساعد على إنتاج مواد الأستيت Acetate من الحوامض الدهنية التي تتجه صوب الدماغ لتثبيط الشهية ولكن هذا الإنتاج لا يحدث إلا مع كميات هائلة من الألياف لا يستطيع إنسان اليوم تحملها(1). ربما في غضون عقد من الزمن سيتوصل العلم إلى اكتشاف مثل هذه العقاقير المقاربة للطبيعة.
• طريقة الطعام الخاصة بكل فرد يجب أن تكون بعيدة عن مشاهدة التلفاز وتفحص الكمبيوتر ولا بد من أن تكون منتظمة ولا تستغرق أكثر من 15 دقيقة. لا تكثر من حفلات الطعام والثرثرة مع الأكل بصورة مستمرة.
• التخطيط بوجود الطعام في البيت والثلاجة. يجب أن تحتوي الثلاجة على الطعام الصحي والخضروات وتضعها في المقدمة. لابد من التأكيد ثانية على سبعة أجزاء من الخضروات والفاكهة يوميا ومن الأفضل خمسة خضروات.
• البحث عن الراحة للتسلية بعيداً عن الأكل. حاول الذهاب للسباحة، أو حتى المشي. إذا كنت تشعر بالحزن أو القلق والرغبة في الأكل اخرج للمشي بسرعة أو صعود السلم بسرعة وستتلاشى الرغبة في الأكل.
• الشكولاتة: لا تستعمل إلا التي تحتوي على نسبة كوكا coca بمقدار 70 -90 % فهي صحية. أرقام دون ذلك تتجنبها ولا تزيد على قطعة واحدة صغيرة يوميا.
• الاستماع إلى الموسيقى قد يكون محفزاً لتناول طعام غير صحي. توجه نحو الموسيقى الصاخبة أو الكلاسيكية بدلاً من سماع أغاني حزينة فالأخيرة تزيد من تناول الطعام الغير صحي.
• حاول التخلص من أي فوضى في البيت ولا تستعمل سوى منطقة واحدة لتناول الطعام.
• لا تحرم نفسك من الأكل تماماً حيث أن هذا النوع من الحرمان نتيجته الإفراط في الأكل، الأمر الذي سيجعلك فقط تشعر بذنب مضاعف.
• الاستمرار في الحوار مع نفسك والبحث عن تعويذة تتمسك بها. تقول لنفسك إن تناول هذا الطعام سيؤثر على مقدرتي لارتداء ثوبٍ خاص تعتز به أو تناول قطعة بسكويت ثانية سوف تجعلك فقط تشعر بالذنب. وجود الإرادة لتجنب الرغبة الشديدة في الأكل نتيجتها رفع معنوياتك وعليك أن تضع نصب عينيك دوماً مؤشر الخصر فهو في غاية الوضوح. لا تصل إلى 38 بوصة و32-36 بوصة درجة امتياز.
• لعبة الانتظار: مع وجود الرغبة في الأكل حاول الانتظار 15 دقيقة. هذه الفترة كافية أحياناً لتثبيط الرغبة في الأكل.
• إذا فشلت اليوم فهناك محاولات أخرى غداً ولا تتوقف أبداً.
مصادر
1- Frost G, Sleeth M & others (2014): The short chain fatty acids acetate reduces appetite via a central homeostatic mechanism. Nature Communications 5
2- Galani V, Rana D(2011). Depression and antidepressant with Dopamine Hypothesis-A review. IGPFR 1, 45-60.
3- International Food Information(2009). From Science to Communication: understanding Fructose, HFCS, and Sugars. International Food Information Council Foundation.
4- The Economist (2014). How the bacteria in your gut may be shaping your waistline.
واقرأ أيضًا:
الطب العصبي النفسي / اضطراب الضائقة الجسدية Bodily Distress Disorder / النموذج المتكامل لمتلازمة طبنفسية عامة1 / الثقة بالنفس واحترام الذات / عصابية Neuroticism