التغيير قرار سياسي ولا يمكنه أن يكون منطلقا من الأسفل إلى الأعلى، وإنما يجب أن يكون إرادة مفروضة من الأعلى على ما تحتها، وهذا يعني أن الثورات العفوية مهما بلغت من القوة والقدرة فإنها لن تُحدث تغييرا، إذا افتقدت للقيادة والعقل الرائد المستوعب لتطلعاتها والقادر على استحضارها والعمل بموجبها، فالثورات العفوية الخالية من القيادة الموجهة لها هي ثورات مقطوعة الرأس.
وهذا يفسر كيف تم الالتفاف على الثورات العربية العفوية وامتطاؤها من قبل قوى لم تشارك في انطلاقتها، وإنما جنت ثمارها وادّعتها لها، وقد رأينا ذلك واضحا في الثورة المصرية التي تواصلت لبضعة أيام، ثم استولت عليها قِوى كامنة في المجتمع، فحصل الذي حصل.
وكذلك الثورة التونسية من قبلها، لكن هذه الثورة أخذت تفرز قادة حقيقيين بعد سنوات من تجربتها الصعبة وتحدياتها المتجددة.
أما في الدول العربية الأخرى فإن الثورات قد تحولت إلى مآسي وويلات، لفقدان القيادة المنسجمة مع إرادة الثائرين، والمنظمة لطاقاتهم وتوجيهها نحو الهدف المطلوب. ولا تزال الثورات العربية في محنة المخاض الحقيقي الذي سيأتي حتما، بعد أن تختمر التجربة وتنطلق الإرادة بوعي معاصر وبقيادة ذات قيمة حضارية وتأريخية، فليست كل قيادة تصلح لبناء الحياة، وإنما القيادة المتصالحة مع نفسها ومكانها وزمانها، والتي تمتلك رؤية استشرافية ذات وضوح وآليات عمل وقدرات إنجاز.
قد يقول قائل إن ما جرى ليس بالثورات، ومهما قلنا وأولنا وبررنا، فإنها ثورات بكل معنى الكلمة، لكنها بلا مفكرين ومنورين وفلاسفة ومنظرين، أي بلا قيادات تؤهلها لتحقيق التغيير الإيجابي الصالح للأجيال، ولهذا وجدت نفسها أمام متاهات واندهاشات دفعت بها إلى الارتداد أو الندم والخوف، لأن البديل لم يكن جاهزا، ولولا القوات المسلحة في بعض الدول العربية لتحطمت تلك الدول وتمزق المجتمع، لأن من أعظم ما يصيب المجتمعات أن يحصل التغيير ويغيب البديل الفاعل القادر على تأكيد صناعة المستقبل الأفضل.
ويمكن القول بأن الثورات العربية قد استحضرت الأمل، وستتعلم الأجيال منها وستصنع قياداتها المتوافقة مع رؤيتها المعاصرة للحياة.
وإن أمتنا لقادرة على التمخض والانطلاق بما فيها من طاقات نحو أبهى مستقبل ومجد أثيث!!
واقرأ أيضاً:
شرور الاختراعات!! / الصافع والمَصفوع وأمة الدموع!! / النفس أقوى من العقل!! / كراسي منتهية الصلاحية!! / قمة الشخير العربي!! / العجينة البشرية!!