الأمة وكأنها لم تنفخ في وعيها روح السماء، فتمَوْمَأتْ (من المومياء) وراحت تنتظر عودة الروح إليها، وهي خامدة هامدة في مقابر الأيام الكسيحة الظلماء. وعودة الروح فكرة مصرية قديمة أوجدت علم الطب للقيام بالتحنيط والتطبيب، وعلم الهندسة لإنشاء المقابر الحافظة للأبدان المحنطة بانتظار رجوع الروح إليها وانطلاقها في الحياة من جديد، أي أن الموت كان في مفهومهم رحلة إلى عالم آخر والعودة منه ثانية إلى الحياة. وربما كانت فكرة البعث تتمثل بعودة الروح إلى الأبدان التي أمعنت في موتها.
ويبدو أن الأمة تترجم هذه الفكرة وتعبر عنها أيما تعبير، ولهذا فهي راقدة منحسرة منتكسة ومندحسة في ظلمات البعيد الشديد. الأمة تنتظر وتترقب أن تُنفخ فيها الروح اللازمة للحياة، فهي راقدة في توابيت العصور، وتحسب أنها كانت حية فماتت، وسيحيها الذي أماتها، وسيريها من آياته عجبا.
الأمة محنطة في نمطية انتظارية ذات تداعيات مريرة، لأنها فقدت الإحساس بالزمن، بل أنها وكأنها قد بلغت سرعة الضوء وانتفى عندها المكان والزمان، وما أبصرت من حولها إلا الذهول والتجمد الحضاري الأبيد. وكأن الذين حنطوها قد أفرغوا جمجمتها من الدماغ، وتركوها بدنا هامدا ملفوفا بالكتان المشبع بما يساهم بالحفاظ على شكلها الجاسي، وقلبها الذي تضخم من عظيم الآثام التي ارتكبتها، وهي المؤمنة بربها الرحمن الرحيم.
يا أمة الروح، إن الروح طاقة تتولد في الأمة التي عليها أن تعي وتدرك دورها وتؤمن بقدرتها على التسابق والتسلق والتسامق، لا في الأمة التي تجهل وتغفل ويبتلعها الضلال والبهتان، وتدور في أرجائها رحى التباغض والتناحر والتماحق.
يا أمة الروح، عودي لإرادتك الأبية وطاقاتك الثرية وميادين إبداعاتك العلية، فأنت أمة أصيلة، وعندك رسائل إنسانية جميلة، ولغتك رائعة بليغة معانيها جزيلة.
فالأمم الحية لا تنتظر، بل تتقدم وتقتحم فتنتصر، وتمضي نحو غاياتها بثقة واقتدار وإيمان على أن ما تريده سيكون حتما، وبعقلها تعمل وتتحدى وتؤمن بأنه سيبدع ويستحضر الحلول، ويرتقي بها إلى آفاق القبول.
يا أمة الروح، لا تخنقي روحا أبية تسعى للظهور!!
واقرأ أيضاً:
الثورات العفوية لا تغيّر!! / الأجيال النائمة والقائمة والقادمة!! / إذا قال الكومبيوتر فصدقوه!! / لكلٍّ منا دينه ولنا مواطنتنا!! / التظاهرات والتطورات!! / الجرأة والتغيير!!