إرشادات لتجنب التوتر الناجم عن العمل
الفصل الثامن عشر
لاشك أن لكل فرد اهتماماته الخاصة فاهتمامات شخص ما تختلف عن اهتمامات شخص آخر ووجود الاهتمامات لدى الشخص تعني انه يهتم بالحياة، وبالاستمتاع بهذه الاهتمامات والبقاء عليها، وكتابتها يضمن عدم نسيانها أو إهمالها؛ لأنها تشكل نوعا من النشاط الذي يجعل للحياة معنى وقيمة.
وضع أولويات للقيم:
القيم هي المعايير للحياة السليمة وهي تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، فالحق والصدق وحب الوطن وتأدية الواجب والوفاء والالتزامات الأسرية والاجتماعية كلها قيم، والقيم لا توجد إلا في مجتمع، فالمجتمع هو الذي يفرض هذه القيم ويحددها ولابد للشخص أن يضع أولويات للقيم التي يتقبلها المجتمع الذي يعيش فيه، والتي يقبلها هو، فإذا وجد الشخص نفسه في موقف يجب عليه فيه أن يختار بين قيمتين - يكون هو قد حدد مواقع هذه القيم - فيستطيع بسرعة أن يحدد أي القيمتين يختار، وذلك من واقع الأولويات التي سبق له أن حددها ويكون تصرفه حاسما ولا يحتاج للتفكير في الاختيار أو التردد.
القيام بعملية تقييم لعلاقاتك والتزاماتك:
لكل فرد بحكم وضعه الاجتماعي علاقات متعددة والتزامات كثيرة، فهناك العلاقات الأسرية وتشعبها، والعلاقات مع الأصدقاء، والزملاء في العمل والجيران، كما أن هناك التزامات تستوجبها هذه العلاقات. ولا بد للإنسان أن يعرف ماله وما عليه حتى يؤدي ما عليه من واجبات تستوجبها هذه العلاقات، وحتى لا يُتَهم بالتقصير يَحِقُ عليه مجاملة من يحبهم؛ فهذه المجاملات هي التي تُبقِي على هذه العلاقات؛ فهناك حالات زواج بين الأقارب والأصدقاء، وهناك حالات وفاة وأعياد ميلاد وسفر وعودة من سفر وهكذا، وعلى الإنسان أن يعرف هل قام بما يجب عليه نحو هؤلاء الأشخاص الذين تربطه بهم علاقات ودية أو أنه نسى إحدى المناسبات!!، إن هذه المجاملات تزيد من الروابط على شتى مستوياتها، وتجعل الإنسان محل تقدير من الناس الذين سوف يردون على مجاملاته لهمم بمثلها، وهكذا تظل الروابط والعلاقات الطيبة قائمة مما يساعد على قيام مجتمع يتسم بالصحة النفسية.
التخطيط لحياتك ولشئونك المالية:
لقد أصبح التخطيط سمة من سمات الدول المتحضرة بل كل الدول؛ فهي تخطط لمستقبلها لفترات قادمة اصطلح على تحديد عدد سنواتها بخمس سنوات؛ فترسم الدول مشاريعها وتخطط لها لخمس سنوات قادمة، وهي تخطط لمستقبلها بناء على حاضرها، واحتمالات تطوره واحتياجاته حتى لا تفاجأ بمواقف تربكها أو تعطل مسيرتها، وكذلك المجتمعات تضع الخطط لمستقبلها واحتمالات نموها وتطورها فأولى بالفرد الذي هو عضو في جماعة هي الأسرة في أبسط مظاهرها.
أن يخطط لحياته ومستقبله واضعا نصب عينيه احتمالات المستقبل:
فإذا كان شاباً أعزباً فلا بد من أنه سيتزوج، وإذا كان متزوجا فإنه في أغلب الأحيان سيرزق بأطفال، وإذا كان عنده أطفال بالفعل فلا بد من التخطيط لإدخالهم للمدارس، وما يتبع ذلك من مسئوليات اجتماعية ومادية على ضوء الدخل المنتظر؛ فيضغط المصروفات أن لزم الأمر أو يلغي بعض البنود، ويزيد من ميزانية البنود الأخرى فلا يترك نفسه للظروف تلعب به كيف تشاء، بل يعد لكل موقف عدته؛ فتستقر حياته ويسعد بالصحة النفسية، وذلك عملا بقول الشاعر:
قدر لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا زلقا عن غرة زلقا
تحدث عن مشاكلك:
أن الحياة لا تخلو من المشاكل؛ فالإنسان بحكم تعامله مع الآخرين، واحتكاكه بهم، لابد أن تواجهه بعض المشاكل في محيط الأسرة والعمل والصداقات والحياة بصفة عامة، وكما أن حلة الضغط التي تستعمل في طهي الطعام لها صمام أمان يخرج منه البخار متى زاد ضغطه داخل الحلة عن قدر معين حتى لا تنفجر فكذلك الإنسان يعتبر حديثه مع الآخرين عن مشاكله هو صمام الأمان الذي ينفس به عن نفسه وعما يختزنه داخله من القلق والتوتر والمشاكل وإلا وقع فريسة للمرض النفسي، وهو معادل للانفجار الذي يحدث في حلة الضغط (إذا لم يكن بها صمام الأمان)، ففي حديث الإنسان لمن يثق بهم من أهله وأصدقائه فيه متنفس عما يجول بصدره من الضيق والاضطراب، وأقرب الناس إلى الشخص المتزوج زوجته، فهي التي تخفف عنه وتواسيه وهي صمام الأمن وهذه هي القاعدة، ولكن لها استثناءات والقرآن الكريم يقول: "ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُُم مِنْ أنفُسِكُمْ أزَواجَاً لِتسكُنُوا إِليهَا وَجَعلَ بَينَكُمْ مَوَدةً وَرَحمةً" سورة الروم، الآية 21؛ فالزوجة الصالحة هي خير صمام أمان لزوجها وخير من يستمع إليه.
قم بالأعمال التي تستمتع بها:
لكل شخص هواياته التي يجد متعة في مزاولتها فهناك من يهوي القراءة كقراءة الكتب الدينية أو القصص البوليسية أو القصص الغرامية أو صيد السمك أو مشاهدة مباريات كرة القدم أو غيرها أو القيام ببعض الإصلاحات المنزلية البسيطة أو غيرها من الأعمال الذهنية أو اليدوية البسيطة، وهو حينما يفعل ذلك يستغرق في هذا النوع من النشاط بكل جوارحه؛ حتى يكاد لا يشعر بما يدور حوله وهو يستمتع بما يقوم به، ويجد فيه متعة كبيرة ويمضي وقتا ممتعا ويشعر بالراحة والبعد عن مشاكل الحياة التي تزعجه وهو يأخذ بذلك جرعة منشطة تساعده على بذل الجهد في أعماله الأخرى التي يكسب منها قوته فهو بذلك يأخذ دفعة قوية تساعده على الاستمتاع بالصحة النفسية.
كن أحسن صديق لنفسك:
جاء في أحد الأمثال ما معناه: "إن الحب الحقيقي نادر، ولكن الصداقة الحقيقية أكثر ندرة"؛ فالصديق الوفي هو خير رفيق تجد عنده حسن المشورة والمساعدة عند الضيق أو الحاجة فهو يعرفك تماما كما تعرف نفسك، ويستطيع أن يفهمك بمجرد أن ينظر إليك فيعرف إذا كنت سعيدا أو مهموما ونظرا لأن مثل هذا الصديق يندر وجوده فخير صديق لك هو نفسك؛ فاعرف نفسك، واعرف نقائصها ومزاياها وعيوبها، وحاول أن تصلح هذه العيوب، وعاتب نفسك عند الخطأ، ووجه إليها اللوم إذا لزم الأمر!؛ لكي تقومها وتمنعها من الوقوع في الخطأ فالصديق الحق هو الذي ينصح صديقه النصح السديد؛ فلتكن أنت هذا الصديق، وقيم أفعالك وتصرفاتك وأصلح من شأنك كلما وجدت من نفسك انحرافا عن الطريق السوي، وتأنيب الضمير أمر واقع، وهو أمر لا يحدث إلا إذا كان هذا الضمير حيا يعرف الصواب من الخطأ، ويؤنب صاحبه على الخطأ ويشجعه عند الصواب، ومهما كان صديقك مخلصا ومحبا لك فإنه يكون مثلك في إخلاصك لنفسك ولقيمك ومبادئك، فأنت أعرف بنفسك من أقرب المقربين إليك، وإذا عرف الإنسان قدر نفسه أصلح من حاله وسار قدما في طريق الصحة النفسية.
شم الورود:
لاشك أن للورود رائحة جميلة ومنعشة؛ ولذلك تصنع منه الروائح وأنواع الكولونيا والبارفانات، وشم الورد في حد ذاته شيء جميل ومنعش ولكن أين توجد الورود؟!؛ إنها توجد في الحدائق والمتنزهات، ولكي تشم الورود فلابد لك من الخروج لزيارة الحدائق والاستمتاع بجمال الطبيعة فيها وبرائحة الورود والأزهار التي توجد بها، وفي هذا ترويح عن النفس، وهو تنفس آخر يساعدك على تحمل ضغوط الحياة.
أطلب المساعدة من الغير:
إذا فشلت كل هذه الحيل والمحاولات في التخفيف عنك وفي إزالة الاضطرابات الشديدة والضغوط وأحسست أن الحمل ثقيل وأنك تنوء بحمله فلا بد لك من طلب المساعدة ممن يستطيعون تقديمها من الأطباء والنفسيين أو الأخصائيين النفسيين أو طبيب الأسرة إذا كان هناك طبيب للأسرة، ولا بد أنك ستجد عنده المساعدة المطلوبة، ولكن عليك بالتمسك بالصبر فالطبيب النفسي أو غيره ليس بيده عصا سحرية تشفي من المرض بمجرد اللمس، بل إن التخلص من الضغوط النفسية والاضطرابات النفسية الشديدة عملية تحتاج وقتا وصبرا وتعاونا مع الطبيب المعالج.
وأخيرا يمكن القول أنه بالرغم من أن مشاكل العمل عديدة إلا أن التغلب عليها ليس بالأمر الصعب خصوصا إذا ما امتلك الإنسان الوعي الكافي، وتعلم كيف يسيطر على انفعالاته ويضبط أعصابه منعا لاشتعال الفتيل الذي يؤدي لمشاكل أكثر تعقيداً، والتي تؤثر بشكل سلبي على صحة الإنسان وحياته بشكل عام.
يتبع >>>>>>>>>>> عند اختلافك مع أحد زملاء العمل