مجانين .. أمستردام .. لاهاي ... مجانين1
صباح الأربعاء 31/10/2018 ثاني أيام السفرة كان علينا الاستيقاظ مبكرا لأن اليوم كان مكتظا بالأنشطة والأماكن التي سنزورها ... بداية توجهنا إلى مركز المؤتمرات العلمية الذي كان قريبا جدا من الفندق وقال بعض أصحابنا أنهم حضروا مؤتمر الاتحاد الأوروبي للطب النفسي في هذا المكان عندما عقد في أمستردام وكانت محاضرتنا في إحدى غرفه... موضوع المحاضرة كان عن اضطرابات الهوية الجنسية والتحول الجنسي وكيفية التعامل معها وقدمها لنا أ.د سعيد عبد العظيم وهو من المهتمين بالاضطرابات النفسية الجنسية بشكل عام... استغرقنا حوالي الساعة في ذلك المركز والتقطنا الصور لبعضنا البعض في مبنى مركز المؤتمرات وأمامه وأخذنا صورة مع تمثال بعيد بدت ألوانه زاهية، وبعدها اعتليا الحافلة لتأخذنا لزيارة واحدة منفردة من طواحين الهواء التي اتضح أنها بمثابة الساقية التي تنقل الماء أسفلها من مكان لمكان اعتمادا على الطاقة المستمدة من حركة مروحة كبيرة أعلاها... قيل لنا أنه بدلا من السفر لرؤية المكان متعدد الطواحين والذي سيكون الطقس فيه غير محتمل لأنه بعيد عن العاصمة أمستردام ... وإلى جواره سنزور مصنعا قريبا من مصانع الجبن التي تشتهر بها هولاندا.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
كنا قبل التحرك من الفندق استأجرنا مظلات من موظفة الاستقبال لقاء 10 يورو لكل شخص... وكان لابد من فعل هذا تحسبا للمطر، وانطلقنا بعد ذلك إلى مصنع صغير للجبن قريب من أمستردام، ثم عرفنا بعد ذلك أنه لا يصنع الجبن فقط وإنما أيضًا يصنع الأحذية الخشبية والتي تسبه ما نسميه في مصر "القبقاب"... والذي عرفنا أن الذين يعملون في صناعة الجبن يلبسونه، وكان صاحب المصنع أو من تولى تعريفنا بمراحل صناعة كل من الجبن والأحذية الخشبية كان شخصية مرحة إلى حد بعيد، حتى أن أغلبنا طلب صورة معه، وفي نهاية الجولة اشترى بعضنا قوالب الجبن المدخن وأضفت أنا دميةً حذاءً خشبيا صغيرا لجوادي الصغير، وكان من المضحك أنني حين رأيت ذلك الحذاء رأيته يتوسط مجموعة من الأدوات المدرسية الخشبية كالأقلام والأدوات الهندسية، فأخذت الحذاء الخشبي الصغير في يدي وذهبت إلى أحد العاملين في المصنع أسأله عن براية للأقلام الرصاص ضمن قطعة كهذه بعدما اجتهدت طويلا لأتذكر أن براية بالإنجليزية هي Sharpener .... المضحك كان أنه لم يرد عليّ وإنما مد يده خلفه ليريني حذاء كالذي أحمله لكن دون غلاف ليريني مكان البراية في باطنه .... اشتريت بعض الجبن المدخن وتلك البراية الحذاء الخشبي ... ولم يفتني أن أطلب التقاط الصور بما في ذلك مع المسؤول الذي تولى شرح كيفية صناعة الجبن لنا وكان شخصية انبساطية بشكل لافت، مررنا بعد ذلك بواحدة من طواحين الهواء قريبة من مصنع الجبن وقيل لنا أنها كانت الأولى في هولاندا ولم يفتنا بالطبع التقاط الصور.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
انطلقنا بعد ذلك إلى ميدان دام وإلى جولة في منتصف المدينة، كان الطقس صافيا والشمس ساطعة خلف الغيوم الخفيفة لكن أحدا لم يكن يستطيع الوثوق باستمرار هذا الاعتدال المخالف لتوقعات الأرصاد... البلد مزدحمة بالماشين ولا تشعر أنك غريب ببساطة لأن كل الماشين في الشوارع غالبا سائحون مثلك ... كانت معنا مرشدة سياحية لم تفلح في الاستحواذ على أغلب أعضاء المجموعة ... لذلك كنا نسير متفرقين وقد اتفقنا أن نسير في ميدان دام والمربع الأحمر .... وكنت واحدا من عدة أطباء يزورون هذا البلد لأول مرة ... ومررنا بأكثر من معبر وسرنا على ضفاف نهر أمستل ولم تفتني الصور التي لم يكن كثيرون مهتمون بها ربما لأنهم زاروا المكان مرارا من قبل، ... مررنا بالحي الصيني (وهو ما أصبحت تجده مجموعة من التحف المعمارية تتوسط عواصم أغلب البلدان) وترى في نفس الوقت محالا للأكل تبيع البط الذي يبدو لامعا بشكل مستفز ومختلف تماما عما نتوقع في البط فهم لا يفصلون رأس البطة لأنها لا تذبح (والله أعلم) لا أستطيع منع نفسي من التعبير عن شعور التقزز كل مرة أشاهد فيها منظر البط الميت اللامع معلقا في واجهات المحال، وأذكر حين كنت في لندن مع سداد أنني عبرت عن تقززي فقال لي أنه : لا يأكل البط كله !.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
أشياء كثيرة تستغربها في هذا البلد .. فها هي المرشدة تحكي وتشير إلى مبنى متوسط الحجم والارتفاع عليه صفان وأكثر من الأعلام الحمراء المفرقة بالطول على جانبيه (يظهر بعيدا خلفي في الصورة) وتقول أنه المتحف الجنسي ! Sex Museum والحقيقة أنني كنت جاهزا للسماع عن المسرح الجنسي أو السينما الجنسية.... أما حكاية المتحف هذه فاستوقفتني! أليس الجنس هو الجنس ؟ أم المقصود هو الانحرافات الخطلية ؟ .. سألتها فقالت بل الممارسات الجنسية عبر العصور.. وهنا سكتُّ وأنا أتساءل بيني وبين نفسي كيف عرف هؤلاء ما كان أيام الستر أقصد ثقافة الستر التي انتهكتها الصورة في العصر الحديث، لابد أن سيشار إلى مخطوطات وثنية قديمة ... مررنا بعد ذلك بالكنيسة الإنجليكانية وأخذنا بعض الصور وحقيقة لم أكن أنصت للمرشدة لأنني سرحت في حكاية المتحف الجنسي هذه ... فلم أعرف لماذا هذه الكنيسة بالذات والتي تتوسط المربع الأحمر ؟ كما عرفنا بعد قليل من السير في حارات ضيقة فيها كبائن وردية اللون لها أبواب زجاجية على الجانبين فسألت هل هذه هي الواجهات الزجاجية وخلفها شبه عاريات نحن إذن في المربع الأحمر حقا ... ثم انتبهت إلى أن كثافة المارة صغيرة بشكل عام وسألت هيثم أيعقل أن هذا هو المربع الأحمر وما فيه تقريبا إلا نحن ووفدان سياحيان أحدهما صيني أو كوري والآخر أوربي فقال لي هذا وقت الراحة يا دكتور.
ثم أوقفتنا المرشدة مشيرة إلى واحد من المحلات لا نتتبه من بعيد إلى اختلافه عن غيره من محلات الأدوات الجنسية لكن عند الاقتراب تكتشف أن الموجود خلف الواجهة الزجاجية هو مجموعة متباينة من أشكال الواقي الذكري وأن في هذا المحل بالذات اخترع وبيع الواقي الذكري لأول مرة وبينا نحن نسير ظهر على أرضية الشارع تمثال نهد صغير ملتصقا بالأرض.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
وصلنا بعد مسيرة مرهقة وصلنا أخيرا إلى مكان الغذاء في مقهى هارد روك حيث شعرنا بالتمييز ضد المسلمين فاختيار ما نسد به جوعنا لم شريطة الخلو من لحم أو دهن الخنزير كان مهمة صعبة وصلنا خيرا إلى اختيار واحد هو البيف برجر بدون صوص .... صحيح أن المكان كان جميلا وقد جاور النهر (والذي لا يزيد عرضه عن عرض الترعة المعتادة أيام ما كان في مصر ترع)... والخدمة رائعة والنادلات حسناوات ... وقد وضعت زينات لقرب قدوم عيد الميلاد .... والطقس هو الآخر كان رائعا ... رغم كل ذلك شعرت بأنه لو كان مطعما سوريا أو لبنانيا لكان 100 مرة أفضل ... نوينا أنا وهيثم ونجم على التعويض في العشاء .... ثم قرر أغلب المجموعة الذهاب إلى رحلة بالأتوبيس النهري وقرر البعض العودة للفندق بينما قررنا الرجوع إلى المربع الأحمر لأن هيثم قال أن مرورنا بواحدة من حارات المربع الأحمر لا يعني أننا زرناه، .... كان الطريق إلى هناك كما كانت أغلب حارات المربع الأحمر مكتظا بالمارة الذين تشم رائحة الحشيش من لفائهم التي يشعلونها في الطريق، وعلى جانبي الشوارع أو الحارات الأعرض تجد محلات بيع الحشيش كما تجد المقاهي التي لا تقدم إلا طعاما أو شرابا إحدى مكوناته هي الحشيش .... ورغم ذلك ولا أدري كيف كنا بين الحين والآخر يستوقفنا عربي ليعرض علينا خددماته قائلا هاش ؟ بنات ؟ بدا لي ذلك غريبا فليس في المكان إلا الحشيش والبنات بما لا يجعل أحدا محتاجا لخدماته لكن ربما البعض يخجل فيحتاج وسيطا ! ... كان ردنا دائما لا شكرا لا نريد.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
كان أغلب الحوانيت الخاصة بالبنات خاويا والسبب كما عرفنا أنه وقت الراحة ... وكنا بعيد المغرب بقليل... اقترحت على رفيقي أن ندخل أحد محلات الحشيش لأعرف ماذا يبيعون وبالفعل دخلنا ووجدنا أشكالا وألوانا من الحلوى والشيكولاتات والكعك المزود بالحشيش وحكى لنا محمد نجم عن بعض الفنانين المصرين الذين اشتهر عنهم أنهم أسرفوا في تناول هذه الأطعمة المخلوطة بالحشيش حتى غشي عليهم ونقلوا إلى المشافي وهو ما أدى إلى افتضاح أمرهم .... كان معنى ذلك أن آخرين لم يسرفوا فلم يفضحوا ! .... كانت طريقة عرض البضائع مشابهة لطريقة عرض محلات بيع لوازم حفلات الأعراس وأعياد الميلاد، والشعور الأكيد الذي ينتابك هو أنهم يحتفون بالحشيش وربما كونه ممنوعا في أغلب بلاد العالم هو السبب... لكنني بقيت أتساءل يا ترى زاد ذلك الوضع من أعداد مستخدمي الحشيش الهولانديين أم قلل منهم ؟
بدأنا بعد ذلك رحلة البحث عن محل طعمية "مصرية" يتذكر هيثم أنه كان قريبا أو في المنطقة الحمراء كان د. الطماوي قد أولمه فيه بعدما تجولا معا في المربع الأحمر منذ سنوات... هيثم قديم في أمستردام بالنسبة لي ولنجم ... ولكنها كانت ليلة فأخذ هيثم يتذكر أي شارع من شوارع المربع الأحمر ؟!! –بالمناسبة ليس هناك مربع حقيقي وإنما عدد من الشوارع التي تتوسطها كنيسة- قال لنا هذا الشارع من بعد معبرين من معابر الترعة ذي -عفوا نهر أمستل Amstel الرقيق- وكانت توقعات الأرصاد بالمطر قد بدت تحدث وارتفعت مظلاتنا السوداء فوق رؤوسنا .... وبحثنا عن مرحاض عمومي فلم نجد إلا في مستتر للتبول واقفا يسع شخصا واحد على ضفة أمستل ... وبعد تكرار ذلك مرة ... وكانت مرة اتضح فيها كيف يصبح المربع الأحمر بعد العشاء فقد تضاعفت مرات أعداد السائرين والمحششين وصاحبات الحوانيت الزجاجية العاريات... وضيعنا بعض الوقت في السؤال عن الجبن المخصوص الذي يريده هيثم وعن ربما الشامبوو ! وأخيرا قررنا السؤال لكن لمن لأحد العمال المصريين في محل على ناصية تقابل نهر أمستل وكان أن أجابنا "لا بص فيه واحد ستمشي له شويه قدام كده في آخر الشارع ده"، أهلا بكم سألناه أنت من أين في مصر قال من المنصورة... والحقيقة أننا لم نصل إلا بعدما التحقينا زميلنا مدحت إسحاق الصعيدي الأصيل الذي قال لنا أنه تعشى ودلنا على مكان أبعد ثم قرر أن يرافقنا ويتركنا هناك .....
عندما دخلنا إلى محل الطعمية لم نجد مصريا يعمل فيه بل كان اثنان من الباكستانيين وسألنا عن صاحب المحل فعرفنا أنه إسرائيلي وكانت المفاجأة الأهم هي أن المحل يقدم الفلافل الشامية من الحمص وليس الطعمية المصرية من الفول ... تعشينا ومشينا قليلا ثم أخذنا سيارة أجرة إلى الفندق، وكنت على موعد في الصباح مع ابن ابنة عمتي رحمهما الله والمقيم منذ سنوات في هولاندا... وصلت غرفتي وصليت المغرب والعشاء ولم يكن الدخول في النوم صعبا بعد كل ذلك السير على الأقدام بحثا عن الطعمية المصرية التي لم نجدها ونمت وأنا أنتظر زيارة محكمة العدل الدولية في لاهاي.
ويتبع>>>>> : مجانين .. أمستردام .. لاهاي ... مجانين3
واقرأ أيضًا:
ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن / مجانين ... استانبول ... بوخاريست استانبووووووول3 / مجانين... هونج كونج !! تيفون !! .. دبي.... مجانين1