تشكل الحالة النفسية أحد الأركان المهمة في مواجهة اجتياح فيروس كورونا للعالم, فنحن نحتاج أعلى درجة من اللياقة والحصانة النفسية لنواجه هذه الجائحة التي لم ير لها العالم مثيلا من قبل, حيث نجح فيروس لا يرى حتى بالميكروسكوبات العادية أن يثير الفزع في نفوس البشرية كلها وينتصر على كل جبابرة العالم ويجعل أسلحتهم وقوتهم بلا جدوى, ويجبر غالبية سكان الأرض على الانسحاب القهري من الشوارع والاختباء في بيوتهم.
ولكي نحقق أكبر قدر من التوازن والصمود النفسي في مواجهة الجائحة علينا أن نعرف ماهي استجابات الناس لها وتأثير ذلك على نجاح المواجهة أو فشلها :
أولا : هناك من يستخدمون دفاعات الإنكار في مواجهة الحدث, فيعيشون ويتصرفون وكأن شيئا لم يحدث في العالم, ويهونون كثيرا من الأمر, ويتهمون بقية الناس بالمبالغة في تقدير الخطر, وهؤلاء لا يلتزمون بالتالي بأي محاذير أو أساليب وقاية, ويتحركون في كل مكان, ويلتقون مايشاءون من أشخاص. وهؤلاء يشكلون خطرا كبيرا على من يخالطونهم, إذ يصبحون جسرا يعبر عليه الفيروس من شخص لآخر وتطول دورة حياته, وتستمر الكارثة لفترات أطول.
ثانيا : فريق ثان من الناس أصيبوا بالهلع, وراحوا يقضون وقتهم يتابعون ما تبثه وكالات الأنباء في كل لحظة من أخبار مقلقة وربما مرعبة, ويتابعون عدد الإصابات والوفيات في كل دول العالم, ويستمعون بإنصات لتعليمات الهيئات الصحية ويحاولون تنفيذها, ولكنهم – نظرا لفرط خوفهم – يلتقطون الأخبار غير المؤكدة والشائعات المرعبة ويستجيبون لها على أنها حقائق وينقلونها لغيرهم بحسن نية, ويقضون الليل والنهار يتابعون تطورات الجائحة فيحرمون أنفسهم من النوم وتضطرب حالتهم الصحية والنفسية, وبالتالي يضعف جهاز المناعة لديهم, ذلك الجهاز الذي يشكل خط الدفاع الأوحد حاليا في مواجهة الكورونا حيث لم يصل العلم حتى الآن لمصل أو لقاح أو دواء للفيروس, وبالتالي يشكل هؤلاء أيضا فرصة لمزيد من الانتشار والتوحش للمرض ويزيدون أعداد الوفيات.
ثالثا : الموسوسون, الذين يبالغون في الإجراءات الاحترازية فيستهلكون كميات هائلة من المنظفات والمطهرات لغسيل كل شيء في المنزل عدة مرات يوميا ويقيمون حواجز في البيت تحد من حركة كل شخص في البيت, ويستنزفون هذه المواد من المحلات والصيدليات.
رابعا : مطلقوا الشائعات, الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي وجائحة الكورونا فرصة ذهبية لممارسة هوايتهم في إطلاق الشائعات وترويجها وتسخينها وتدويرها لإحداث أكبر قدر من البلبلة والفزع في جموع الناس, ويصنعون الشائعة بحيث تبدو وكأنها خبر حقيقي صادر من أجهزة علمية أو أجهزة رسمية.
خامسا : مطلقوا النكات والكومكسات, وهؤلاء يساعدون فريق الإنكار في التمادي في إنكارهم, إذ يحولون الأزمة الخطيرة إلى مجموعة إفيهات ونكات وتعليقات ساخرة يتداولها الناس على مواقع التواصل بكثافة شديدة, فتجعلهم في حالة خدر لذيذ حتى يداهمهم الخطر أو الموت وهم يضحكون.
سادسا : الشامتون, الذين يشمتون في البشرية التي فاح فسادها وظلمها (حكاما ومحكومين) –في نظرهم- حتى آن الأوان للانتقام الإلهي منهم, ويشمتون بوجه خاص في الدول والأنظمة التي يعارضونها أو يعادونها.
سابعا : اللائمون, الذين يبحثون عن دول أو زعماء أو حكومات أو أنظمة أو أشخاص يحملونهم كل المصائب التي حلت بالعالم ومنها الكورونا, ويلومونهم على التسبب فيما حدث وعلى التقصير في أساليب الموجهة.
ثامنا : حاملوا الهموم, وهؤلاء يغرقون في مشاعرهم السلبية وهم يسمعون الأخبار السيئة تتوالى ويركزون على أعداد المصابين والموتى, ولا ينظرون في أعداد الناجين والمتعافين.
تاسعا : المبسطون, الذين يرون أن الجائحة لا تحتاج لأبحاث طبية لاكتشاف أمصال أو لقاحات أو أدوية بل يكفي الدعاء وتكفي الصلاة لهزيمة الفيروس, والذي هو مجرد انتقام إلهي من البشر الضالين.
عاشرا : الانتهازيون, الذين يستغلون الجائحة لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية, فيركبون الموجة, ويبحثون عن الفرص المتاحة وقت الكارثة ليستغلونها لتحقيق مصالحهم, وهؤلاء يستغلون حالة الخوف لدى الناس لكي يوجهوهم الوجهة التي يريدونها.
حادي عشر : القابعون في معامل الأبحاث المتأملون لتركيبة الفيروس وسلوكياته وخصائصه وطرق مقاومته, ليخرجوا بعد وقت طال أو قصر بمصل أو لقاح أو دواء يمكن البشرية من الانتصار على هذا الفيروس الذي انهارت أمامه الزعامات الورقية وخضع له البشر الذين ملأهم الغرور بقوتهم وقدرتهم, هؤلاء العلماء المجهولون هم من يستحقون أن تفتح لهم أبواب النصر في كل مدن العالم.
ثاني عشر : المبدعون, الذين يكتشفون وسائل جديدة للتعامل مع الظروف التي خلقتها حالة الحجر الصحي ومنع التجوال ونقص المال وصعوبات التواصل بين الناس, فيجدون حلولا جديدة لتعطل الدراسة وتوقف الأعمال التقليدية والانهيارات الاقتصادية الحادة, تلك الحلول الإبداعية تمنح قبلة الحياة للبشرية حتى تنقشع الغمة.
فإذا أردت أن تعرف مدى تمتعك بالصحة النفسية وقت الأزمات, فانظر أين تقف من هؤلاء. ولنعرف أنه كلما زادت حالة التفاؤل بالنصر على هذا المرض واجتياز الجائحة بناءا على معلومات موضوعية موثوق بها, واتخاذ إجراءات احترازية مؤكدة وثابتة بالدليل العلمي, ومحاولة مساعدة الناس بعضهم بعضا, وتجنب المخاوف الزائدة, والاستمرار في العمل والإنتاج بعيدا عن التجمعات, والاستمرار في إبداع وسائل تكيف مع ظروف الحياة التي فرضها الوباء, والصلاة والدعاء والتطهر الروحي, كل ذلك يساعدنا على الإحتفاظ بلياقتنا وصمودنا النفسي ويقوي جهاز المناعة لدينا فننتصر في المعركة, ولابد أن ننتصر بإذن الله ثم بجهد العلماء العاملين ليل نهار لإنقاذ البشرية, بعيدا عن طنطات السياسيين والانتهازيين الذين يترقبون لحظة الانتصار ليتصدروا المشهد ويقطفوا ثمارها.
واقرأ أيضًا:
يوم الطبيب / نوبات الهلع / فقه الأزمات وإصلاح النفوس